حادثة “غلدوغب” هل ستكون بداية تشكّل الوعي الإجتماعيّ؟

أسوأ ما قد يتعرّض له الإنسان الإذلال النّفسيّ مصحوبا بالقهر والعنف الجسديّ وهي ما يعرف بـ العبوديّة على اختلاف أنواعها، فالعبوديّة الفكريّة لا تقلّ شأنا عن العبوديّة الجسديّة في حال من الأحوال لأنّها تحدّ من إستغلال البشر لعقولهم وتحدّ الإستفادة من طاقاتهم الجسديّة

يعدّ الاغتصاب أو ما عرف مؤخّرا بـ العبوديّة الجنسيّة أسوأ أنواع الاستعباد على الإطلاق لما يترتّب عليه من آثار نفسيّة وجسديّة وما تلحقه من ضرر بالضّحيّة وأسرتها من امتهان للضّمير وسلب للشّرف والكرامة الآدميّة

وللتّوضيح فإنّ التّقاليد الصوماليّة وقفت بحزم ضدّ الظّاهرة على مرّ التّاريخ واعتبرتها من السّبع الممنوع المساس بها في أيّ حال من الأحوال:

  1. النّساء والأطفال
  2. علماء الدّين
  3. زعماء العشائر
  4. أهل الذّمة.
  5. عابروا السبيل
  6. السّفراء.
  7. الأصهار

وعند حدوث الإعتداء الجسدي ناهيك عن الإعتداء الجنسي لم يكن يرضي أقاربها بالتّسويات والمصالحات ففي أغلب الأحيان حيث كانت تنتهي بمعارك دامية تسيل فيها برك من الدّماء، كلّ ذألك في سبيل استعادة الهيبة وردّ الإعتبار

في واقعنا اليوم المسلوخ من قيم التّقاليد البدوّيّة والبعيد كلّ البعد -في نفس الوقت-عن نظام الحكم المدنيّ لا غرابة أن ينعكس ذالك على أسلوب حياتنا الّتي هي شبه فوضى تقريبا، فلا وازع أخلاقيّ يردع ولا قانون يضبط ولذالك أصبحنا نموذجا مصغّرا وفريدا من المجتمعات البدائيّة تحتكم إلى قانون الغاب

قصّة الإغتصاب الجماعيّة في مدينة غلدوغب

قبل أكثر من شهر شهدت محافظة مدغ أحد أبشع صور الإغتصاب إرتكبها مجموعة من ذئاب في صورة بشريّة راح ضحيّتها فتاتين إحداهما قاصر (رضوان)  أمّا الأخرى فهي أكبر منها في السّنّ, وعدوهما  بالمساعدة على الهروب معهم خارج البلد بطريقة غير شرعيّة وعلى إثرها إستقلّو سيّارة نقل صغيرة Noah للإنتقال إلى مدينة غالكعيو كخطوة أولى على أمل استئناف السّير منها, وبما أنّهم من سكّان البلدة يبدو أنّهما لم يخطر على بالهما المرّة تصوّر أنّ بإمكان الشّباب إصابتهم بمكروه بحكم المعرفة الوثيقة الّتي تربط فيما بينهم إلّا أنّهم غيّرو إتّجاه السّير فجأة بإتجاه العراء, هنا كانت الصدمة أكبر في الصّغيرة والّتي تعرّضت إلى تعذيب إضافيّ وما تبعها من تصوير بالفيديو نكاية بها ربّما على مقاومتها الشّرسة

يبدو من آثار الجريمة العناية والتّخطيط في الإخراج وهو ما لا يدع مجالا للشّك في أنّ الجريمة لم تكن مجرّد واقعة عابرة كما أنّ إستخدامهم السّيّارة يوحي بأنّ مستواهم الإجتماعيّ لا بأس بها

ربّ ضارّة نافعة

قيام بعض الجناة على تصوير الحادث ونشره عبر الوسائل الإجتماعيّة بكلّ عنجهيّة ووقاحة لا يعبّر فقط عن استهتارهم للأمر واستصغاره له وكأنّهم في صدد تصوير حفلة عاديّة وليس معاناة طفلة تتعذّب من الجروح النّفسيّة والجسديّة وإنّما وجود شريحة كهذه في المجتمع يدقّ ناقوس الخطر في كيان صوماليّ يعشق طمس آثار الجريمة ودفنها قبل أن تأخذ مسارها الطّبيعيّ، وكم من جرائم مماثلة حدثت من غير أن يتمّ تصويرها أو توثيقها لتنتهي بتزويج الفتاة المغتصبة من إحدى جناتها من باب ستر العورة فيما هو أقرب إلى تثويب وجائزة منه إلى عقاب ومحاسبة

على كلّ فإنّ الجناة اليوم يحصدون ثمار أعمالهم القذرة وتحقيقا للعدل الإلهيّ فقد تطوّعو مجانا لرصد وتوثيق الحدث المؤلم بأنفسهم ليخرّبو مستقبلهم بأيديهم

الآن وبعد التّضامن الشّعبيّ العارم مع الضّحيّة تبقى خيارات الإنفلات من العدالة محدودة جدّا وفي ظلّ إصرار أبوها على القصاص من الجناة، كما أنّ أهل الضّحيّة قامو بحبس عدد من أشقّاء الضحيّة تحاشيا لأن يرتكبو أعمالا طائشة كردّ فعل إنتقاما لأختهم المنكوبة، خطوة تبدو مصيبة إضافيّة لمفجوعين أصلا لكنّها توحي إلى درجات متقدّمة من ضبط النّفس لدى أهالي الضّحيّة جبر اللّه خاطرهم

المحاكمة

تمّ إلقاء القبض على أربعة أشخاص من أصل خمسة تورّطو في عمليّة الإغتصاب وقد تمّ الإتفاق على إسناد الأمر إلى لجنة من علماء الشّريعة للبتّ فيها على أن تساعد إدارة بونت لاند في تنفيذ الحكم المرتقب صدوره قريبا 

آن الأوان لوضع حدّ لحوادث الإغتصاب الّتي تكرّر حدوثها في الآونة الأخيرة، كما أنّ المكاشفة فيها وردع الظّلمين بأشدّ العقوبات الممكنة كفيل بالحدّ من هذه المهزلة البعيدة كلّ البعد عن عادات وأخلاق مجتمعنا

والأهمّ من ذالك كلّه الحيلولة دون أن يتطوّر الأمر إلى ردّ فعل عنيف من جانب أهالى الضّحايا يصعب التّحكّم فيه وهذا ما لا يمكن تحاشيه إلّا إذا لم يتمّ تعاطي الأمر بموضوعيّة وتجرّد ومن دون رضوخ إلى الضّغوط والتّأثيرات.

زر الذهاب إلى الأعلى