ترك الاقتراض الفاشل وطلب التمويل من البنوك الاسلامية

بداية هناك نوعان من الاقتراض – النوع الأول والاعم هو الاقتراض الذي تمنحه المؤسسات المالية سواء كانوا من المؤسسات المالية الاسلامية أو من المؤسسات المالية التقليدية أما النوع الثاني فهو الاقتراض الذي مصدره  صندوق النقد الدولي.

وأود من خلال هذا المنبر الإعلامي الموقر عرض تحليل موجز عن النوع الأخير والذي اثبتت التجربة والملاحظة على مدى تسعون سنة مضت أى منذ تأسيس صندوق النقد الدولي  لنصل إلى حقيقة مفادها أن هذا النوع من الاقتراض هو اقتراض فاشل ينخر اقتصاد البلاد كما تنخر حشرة السوس في سنابل القمح.   

ومن المعلوم مقدما أن صندوق النقد الدولي ومقره واشنطن – عاصمة الولايات الأمريكية المتحدة –  ما هو إلا منظمة من منظمات الأمم المتحدة التي أنشأت عام 1945م بموجب اتفاقيات ومعاهدات بين  الأمم الأعضاء. وكان الهدف منها تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي والوقاية من وقوع الازمات الاقتصادية بغية توصيل شعوب العالم الى الرخاء والرفاهية. ولكن للأسف الشديد عانت الشعوب والدول ويلات كثيرة نعجز سردها من خلال هذه المساحة الضيقة بسبب الاقتراض من هذا الصندوق.  فعلى الرغم من قدم تاريخ تأسيس الصندوق إلا أنه لا يوجد حتى الآن دولة حصلت قرضا من الصندوق وحققت عائدا ملموسا بل بالعكس حصل انتكاسات أدت إلى اضعاف اقتصاديات الدول ودمرت تدميرا وهكذا اصبحت تطلعات الشعوب نحو التنمية دون مستوى.

كذلك من المعلوم أيضا أن صندوق النقد الدولي يتبع سياسة معروفة لدى جميع الدول التى تقترض منه وهي سياسة ((رشتة)) للإصلاح الاقتصادي وتتمركز بنودها : (1) خصخصة القطاع العام (2) تحرر سعر الصرف للعملة الوطنية  (3) تحرير التجارة الدولية وجذب الاستثمار الأجنبي (العولمة الاقتصادية)

  

وحين نلقي الضوء على الاثار السيئة المترتبة على كل  بند من هذه البنود الثلاثة  على عجالة  نجد أن:

  1. خصخصة القطاع العام:

ويعنى تحويل الملكية من القطاع العام (الحكومة) إلى ملكية القطاع الخاص وينتج من جراء هذا التحويل مزيد من الفقر والبطالة نتيجة تصريح الكثير من الموظفين من وظائفهم .

  1. تحرر سعر الصرف :

تلجأ الدول إلى الاقتراض من صندوق النقدي الدولي عندما تعاني هذه الدول نذرة الدولارات مع زيادة الانفاق وهذه سياسة خاطئة على اتفاق معظم خبراء الاقتصاد وهو ما يعرف بـ (البديل المؤلم) ومن هنا يرى الصندوق فرصة سانحة فيضع شروطا مجحفة منها تحرر سعر عملات الدول المقترضة  وبالتالى ترتفع أسعار السلع والمنتجاب في الأسواق المحلية. أضف إلى ذلك أن تعويم العملات المحلية سينعكس في النهاية انهيار قيمتها أمام الدولار فيحصل تضخم في اقتصاد الوطن ومن ثم مضاعفة ديون الدولة نتيجة شراء المواد الخام والمستلزمات الانتاج.

  1. تحرير التجارة الدولية وجذب الاستثمار الأجنبي (العولمة الاقتصادية):

يمثل الاستثمار الاجنبي كسيف ذو حدين فهو قد يحقق منافع جمة للدول النامية مثلما يحقق مساويء تؤثر سلبا على سيادة الدول وزعزعة اقتصادها خاصة حين يكون هذا الاستثمار في مجال استخراج ثروات الوطن الطبيعية مثل النفظ والمعادن الأخرى.

وممكن أن نلخص أثار الاقتراض من صندوق النقد الدولي على النقاط التالية وذلك على سبيل المثال لا على الحصر :

  • رفع الضرائب
  • غلاء المعيشة الفاحش
  • إلغاء  الدعم بأنواعه وأهمها إلغاء الطاقة
  • تدنى سعر الصرف العملة الوطنية
  • العزوف عن الانتاج الوطني وغزو المنتجات المستوردة في الأسواق المحلية

وأشد من كل هذا أن السياسة الأمريكية تسيطر على صندوق النقدي الدولي سيطرة كاملة – الأمر الذي يؤدي إلى إحكام قبضة اقتصاديات الدول ومن ثم تدميرها ومنع صعودها  فمثلا حين تتقدم دولة ما إلى الصندوق كملاذ أخير طالبة الاقتراض وكمثله مثل أى مصرف يطلب الصندوق كشرط أساسي لمنح القرض تقديم المستندات المطلوبة ومن بين هذه المستندات دراسة متكاملة ومستفيضة عن الوضع المالي للدولة لمعرفة كل كبيرة وصغيرة يخصها ومن هنا فإن الصندوق يتعرف الكثير والكثير من أسرار الدولة واقتصادها فيتعامل معها على ضوء معطيات هذه المعلومات وبما لا يخدم كثيرا لصالح الوطن بل بالعكس يشكل خطرا محدقا للوطن.

وعلى هذا الأساس يعتبر الاقتراض من الصندوق سم قاتل وليس دواء ناجع يكفل البلاد والعباد الى الرفاهية والرخاء كما يدعى به الصندوق. 

وبناء على ما تقدم اوصي وبشدة أن تطلب الدول التي تدعو الحاجة  إلىها إلى الاقتراض من المصارف الإسلامية بدلا من صندوق النقد الدولي لا سيما وأن المصارف الإسلامية تتمتع بمراكز مالية قوية في الأونة الأخيرة.

بقلم سعيد حاشي المهري

خبير في البنوك الاسلامية والتقليدية

  

سعيد حاشي المهري

مواليد مدينة جلكاعيو، تلقى تعليمه الثانوية بمدرسة جمال عبد الناصر في مقديشو، ودرس الحقوق بجامعة بيروت العربية بلبنان، وحاصل على ماجستير في البنوك الاسلامية والتمويل من جامعة لافبرو البريطانية. عمل 30 عاما في البنوك الخليجية كما عمل محاضرا في جامعات بونت لاند، وهو حاليا عضو في إحدى هيئات المحاسبة البريطانية ، وعضو في معهد المصرفية الإسلامية والتكافل ببريطانيا وهو المعهد الوحيد في هذا المجال في أوروبا.
زر الذهاب إلى الأعلى