الصومال ومحاولات الخروج من عنق الزجاج

لم ينعم الصوماليون بالسلام الشامل منذ إسقاط نظام زياد بري في عام 1991م  اي قبل ربع قرن، فاشتهر مصطلح الصوملة مرادفا لإسقاط النظام ،وديمومة الفوضي أو استحالة إعادة النظام ، ومن المعلوم أن بعض الدول الإفريقية وقعت فيها الحروب والإبادة بين سكانها ، وأسقطت حكومات ولكن بعد أمد تصالح القوم وعادت المياه إلي مجاريها والأمن والسلام للمواطنين كماهو الحال مثلا في جمهورية رواندا ،ولكن الصوماليين دخلوا في متاهات واستعصي الحلّ علي القريب والبعيد، فمشكلتهم مركبة من علل شتي من جهل وفقر وقبلية ،وحبّ سلطة واللاوطنية ،جمعتها في كتابي الموسومة ب” الصومال الداء والدواء” فكلما انتهي فصل من فصول المشكلة ظهر إصدار جديد من الصوملة ،فالصراع بين الحكومة والمعارضة المسلحة أوالجبهات المدعومة من الخارج انتهي هذا الإصدار بخروج زياد بري من القصر الرئاسي واللجوء الى نيجيريا أخيرا، والجبهات لم يستطيعوا تقاسم السلطة وادارة البلاد، بل دخلوا في صراع مرير بينهم، فبدأوا بمعركة كسر العظام ، فأهلكوا الحرث والنسل وأبعدوا الحل والوئام، لقد مارست المليشات القبلية أبشع انواع الظلم والقتل مما يندي لها الجبين ولم ترد في قواميس الاساطير الاولي،لقد قام العالم بمنظماته ودوله ومجامعه بعقد مؤتمرات سلام عدة لحل الأزمة والتوافق بأي وثيقة حلّ بين بني الصومال، ولكن الساسة ينكثون العهد بعد الفراق من الفنادق والوصول الي ربوع البلاد،

-2-

فسئم العالم أجمع  من الحلّ والبحث عن مخرج للأزمة ، فالصوماليون عندهم عناصر الوحدة والالتئام من لغة ودين وقومية ومع ذالك يتفرقون ويتقاتلون، وبماأن الصومالي بالصومالي أعلم ،فقد نجح مؤتمر عرته في جيبوتي برعاية الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر جيلي،وانتهي الفراغ الدستوري بتأسيس حكومة انتقالية برئاسة الرئيس عبد القاسم صلادحسن  عام 2000 م، ولكن الفرحة لم تدم ،حيث لم تستطع الحكومة استلام القصر الرئاسي  وادارة العاصمة بله ربوع الوطن وأقاليمه، بل أضافت الي الصوملة اصدارا آخر أبعد الحلّ والسلم وهو ما يسمي بالمحاصصة القبلية، وأصبح أساسا لاختيار الحكومات المتعاقبة بعده الي يومنا هذا، ومن الغريب ان الدستور الصومالي يقرّ علنا بالمحاصصة الطائفية،وبناء عليه يتم تقاسم السلطة،

وهناك إصدار الاستقواء بالأجنبي لإسكات الآخر بدءباستقدام الطائرات الأمريكية التي كانت تقصف الابرياء عام 1993م، بحجة محاربة جنرال عيديد  ومليشياته ، والقوات الأممية آنذاك التي لم تبن دولة، ولم تحفظ سلاما ولا أمنا بل اندحرت امام مليشيات بسيطة ورحلت بلا رجعة، ومرورا بالقوات الأفريقية التي تحرس القصر الرئاسي اليوم، وترافق ساسة البلاد ، و تسكن في بعض المدن الجنوبية في البلاد ، وسترحل يوما كما رحلت ينصوم عاجلا او آجلا، فالبلاد تبني بسواعد أبنائها ويحميها جيشها  لا بجيوش الآخرين، والبناء يأتي من الداخل لا بمباركة الخارج سواء من الدول المجاورة والغير المجاورة،

-3-

لقد جرّب الصوماليون حكم الملشيات الإسلامية،و اصحاب الرايات البيضاء اوالسوداء او الحمراء ،واشتهر مصطلح الردة والعمالة او الخوارج  أمام كل معارض او مصلح لا ينتمي الي الجماعات الإسلامية تعصبا واهدارا لدم الآخر، وأصبح التفجير يحصد أرواح الابرياء في الأسواق والمساجد والحفلات ، وأصبح القريب يقتل قريبه من والد او ولد او حبيب بحجة الردّة  والزندقة،وانطلاقا من التد يّن العرفي لا الربــّاني ، فأفل نجمهم وأصيب بضاعتهم بالكساد بل بكي الصوماليون لعهد المليشات القبلية والجبهات المتصارعة،

رُبَّ يَوْمٍ بَكَيْتُ مِنْهُ فلمّا***صرت في غيره بكيت عليه

ومن الإصدارات الأخيرة  الانتخابات غير المباشرة مع  نظام الدويلات والفيدرالية المفروضة علينا طوعا او كرها،  تقسيما للمقسم ونهشا للجسد المنهوك ،فيعيش الصوماليون في مناخها قرّه وحرّه، فكل إقلمين او ثلاثة له راية خاصة ، وجيش ورئيس ومجلس ادارة  وبرلمان وحدود تفصله من جسد الجمهورية، فلا تستطيع العبور والسفر داخل البلد الا بتصريح من ذا او ذاك، حتي سيارتك تتعرض للتفتيش القصري وكأنك عابر لحدود الصومال ، ويلزم اصدار اوراق ثبوت وملكية من الدويلة، كما شاهدته خلال زيارتي لمدينة افجوي قادما من مقديشوا العاصمةكل ذالك من نتائج الفيدرالية الجديدة لبلد لا تتجاوز اعداد سكانه العشرة ملايين وزيادة بسيطة،

مع العلم ان عناصرة القوة والوحدة متجذرة في الوطن الا ان الساسة اختاروا تلك المسلك الوعر للخروج من الصوملة ، ولكن حالهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، واضافة اصدار آخر للحيلولة بقيام الدولة المنشودة ،

تأبي الرماح اذا اجتمعت تكسرا** واذا افترقت تكسرت أحادا

فهل يفيق الشعب الصومالي قبل فوات الأوان؟،ويستخلص الدروس والعبر من دويلات الأندلس،قبل رحيلهم او ترحيلهم عن ارض الاجداد بعد ما أضاعوها بويلات الحروب والصراع الصومالي الصومالي .

زر الذهاب إلى الأعلى