الحكومة الجديدة… حتى لا تكون فتنة؟

الحكومة الجديدة التي صادق عليها البرلمان أمس الاثنين في وضع لا يحسد عليه، لأن أمامها تحديات كبيرة ومشاكل كثيرة ورثتها عن الحكومات السابقة وألغام مختلفة الأحجام قابلة للانفجار في اية لحظة وظروف بالغة التعقيد والحساسية خلقتها الصراعات بين العشائر الصومالية والحراك السياسي الذي يشهده البلاد في الأونة الأخيرة استعدادا لمرحلة ما بعد عام ٢٠١٦.

وتلك أمور لا شك ستنعكس سلبا على عمل الحكومة الجديدة في الفترة المقبلة.  

وبالتالي ينبغي للرئيس الوزراء عمر عبد الرشيد والحكومة الجديدة الوقوف للحظة تأمل وتفكير قبل بدأ ممارسة اي مهام وحتى قبل تسلم الوزارء مهام عملهم رسميا من اجل وضع الخطط المستقبلة واختيار الأولويات. وهذه اللحظة لا شك انها ستحول دون مواجهة التحديات الجمة التي تنتظر الحكومة والمشاكل الطارئة بتخبط وبدون رؤية ثاقبة وبدون توفر الخطط البديلة. 

وتلك اللحظة المهمة في العمل الإداري كانت الحكومات السابقة بأمس الحاجة اليها، لأن عملها كان يتركز على التعامل مع الحالات الطارئة والقيام باعمال روتينية يمكن اعتبارها بفرقعات اعلامية لا تغير من الواقع شيئا ما جعل جهودهم كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء وكالمثل القائل: إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

 ويشكك كثير من المراقبين والمتابعين للمسار السياسي الصومالي فيما اذا كان الوزراء السابقون يجلسون في مكاتبهم للحظات التخطيط والتأمل لأداء المهام المنوطة بهم على أكمل وجه وحل المشاكل العالقة والتنبوء لما سيحدث في المستقبل. واذا فعلوا ذلك يتساءل المتابعون فهل كانوا يعملون وفق نتائج هذا التفكير والتخطيط ومن ثم الاشراف على موظفيهم وتقيم  أداء أعمالهم بموضوعية؟.

 لا أتوقع ذلك، لأن الوزراء السابقين لوكانوا يفعلون ذلك لما كنا في هذا الوضع المزري ولما كانت الأوساخ منتشرة أمام مكاتبهم ومحيط مقراتهم ولما أصروا السير على هذا المنوال طيلة فترة عملهم، لأن لحظات التفكير والتخطيط توفر لك الوقت وتحقق التوازن بين المتوفر والاحتياجات وتوضح الهدف وتكشف الحقائق ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان تحصل على هذه الأشياء وتكون نتيجتك لاشيئ. ألف مستحيل. 

 للأسف من خلال متابعة حركات واعمال الوزراء والمسؤولين في الحكومات السابقة من أعلى الهرم الي أدناه تجد أنها تنم عن عجز ناتج عن غياب الرؤية وعدم وضوح الأهداف بالاضافة الي عدم الرغبة في العمل والأهم من ذلك كله غياب الإصرار على الانجاز، لأن لاشيئ يمكنه ان يحل محل الاصرار.

واذا اختارت الحكومة الجديدة الطريق ذاته واصرت على اتباع سبيل الذين فشلوا فانها لامحالة حكمت نفسها بالفشل وستفني وقتها على الفاضي، بل ستكون فتنة.

ولمنع تكرار الأخطاء السابقة والمضي قدما على الطريق الفشل لابد من علان خارطة طريق ثابتة  مستوحاة من رؤية ٢٠١٦ لكن تعتمد على الواقعية واعطاء الأولوية للمسؤوليات والمهمات الضرورية وعلى آليات ابداعية للتنفيذ والاشراف والتقييم. وينبغي أيضا لإعضاء الحكومة الأتفاق على العمل والانجاز بكل اخلاص وجد وتفان، لأن ذلك هو الطريق المناسب والوحيد للوصول الي مستوى يليق بتضحيات الشعب الصومالي ويتناسب مع هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ البلاد. 

 ما بنبغي على حكومة الجديدة حتى لا تكون فتنة؟

هناك أعمال كثيرة تتظر الحكومة انجازها بكل صدق وأمانة لكن تلك الإعمال بسبب كثرتها وتفاوت درجة اهميتها من الضروري الاعتماد على رؤية اختيار المهم والعاجل واستخدام مبدأ ٨٠\٢٠، لان إدارة المهمات الضرورية بشكل صحيح يتتطلب التركيز على المهم العاجل ثم المهم غير العاجل. ويمكن تلخيص هذا المهم العاجل  في نقطتين: 

 أولا: فتح آفاق الأمل للمواطنين

 تلك نقطة مهمة تجاهلت عنها الحكومات السابقة لأنه يجب ان يشعر المواطن بوجود الدولة وان يتلمس أثار الوعود وتصريحات المسؤولين الحكومين على حياته اليومية. ولا يمكن ان يشعر المواطن ذلك اذا لم يتم تفعيل اعمال وزارات مهمة  تعاني من التهميش،وعدم الإهتمام، كالصحة والتعليم والاسكان والشباب والرياضة والتجارة وغيرها ومنع استحوذ قطاع الأمن كل اهتمامات الدولة واستنزاف مقدراتها. 

فالأمن رغم اهميته الا انه لا ينبغي التعويل على وحده دون اعطاء الاهتمام الكافي للقطاعات الأخرى. فمسألة الأمن في الصومال تفتقر الي جونب أخرى مهمة من بينها الاهتمام بالأوضاع المعيشية للمواطنين والنظر الي الأبعاد الفكرية والثقافية للمشكلة. الآ نعتبر بالحكومات السابقة التي رصدت ملايين الدولارات لقطاع الأمن والدفاع  خلال العامين الماضين لكن ماذا اصبحت النتيجة؟ صفر.

وكيف يشعر المواطن أهمية الدولة إذا وضعت الحكومة كل ثقلها واهتمامها على الحرب وعقد مؤتمرات مصالحة وحوارات وطنية لا تستطيع تطبيق مخراجاتها على أرض الواقع؟. ولذلك ينبغي للحكومة الجديدة ن تختار ثلاثة مهمات يجب ان تسعي الي انجازها خلال هذا العام بكل اخلاص وأمانة ومن ثم المحاسبة عليها؟ وتلك المسائل الثلاثة التي يهتم بها كثيرون رؤيتها خلال هذا العام تصب في صالح جهود تحسين ظروف حياة المواطنين وفتح آفاق الأمل لشبابها العاطلين عن العمل والمتسكعين في الطرقات ومنعهم من الوقوع في ايدي الجماعات المسلحة.  

 المسألة الأولي: تحسين الأداء الحكومي

 يجب تحسين الأداء الحكومي والمحاسبة على المسؤولين في دوائر الدولة المختلفة التي يعشعش فيها الفساد والمحسوبية، فاذا تحقق ذلك الأمر واستطاعت الحكومة على تطهير مؤسساتها من دنس الفساد وتطوير أداء موظفيها وخصوصا العاملين في السلك االقضائي والمطارات والمواني ومكاتب الوزارات والبلديات فان هذا الأمر لاشك سينعكس ايجابا على حياة المواطنين وسيشعرون بوجود الدولة وبالتالي سيبدأون تغير آراءهم حيال الحكومة والدولة وستشكل ايضا نكسة  للخارجين على القانون والمتورطين في الاعمال المخلة للأمن والاستقرار.

  المسالة الثانية: تطوير أداء المؤسسات الأمنية 

 لا يكلف ذلك خزينة الدولة كثيرا من الأموال فالأمر يحتاج فقط الي الرغبة في العمل والانجاز والشعور بالمسؤولية ، لأن من يتابع سلوكيات قيادات الأمنية يشعر في الحقيقة بالاحباط واليأس وتوحي بعدم الاحساس بحجم المسؤولية وعدم الارتقاء الي مستوى تطلعات الشعب،  وتجد ان عقليتهم لا تزال مرتبطة بالعهد الماضي عهد المليشيات وزعماء الحرب، حيث تتركز اهتمامتهم فقط على الاقتراب من المنظمات الأجنبية الداعمة للقطاع الأمني للبلاد ويطلون على الشعب فقط في الأوقات التي تزور البلاد قيادات من تلك المنظمات في حين تفضح نواياهم الحقيقة كل يوم كامرات الصحفيين المدعون لتغطية انجازاتهم الوهمية.

 المسألة الثالثة: توفير فرص عمل للشباب

رغم الضائقة المالية التي يعاني منها الصومال تستطيع الحكومة ان تخلق فرص عمل لإعداد كبيرة من الشباب والشابات قد تصل الي حوالي عشرات آلاف  الذين سيعملون في مجال الخدمات العامة وذلك من خلال رصد مبالغ مالية يقتطع من رواتب المسؤولين والموظفين الحكومين وبالتعاون من المنظمات  الدولية والدول الشقيقة والصديقة.

 ومن خلال هذه الخطة تقتل الحكومة حجرا واحدا بعصورين، توفر فرص عمل لآلاف من مواطنها والذين سيساهمون بدورهم  في تحسين حياة أسر كثيرة في العاصمة مقديشو. كما تتمكن من تخفيف عبء مشكلة النظافة في العاصمة وتجميل صورتها وتعزيز دور القوات  الأمنية في حماية الأمن ومحاربة الخارجين على القانون. 

ثانيا: استحقاقات رؤية عام ٢٠١٦  

ولحسن الحظ هذه المهامات محدودة ومعروفة وهي صياغة الدستور، واعدد القوانين الانتخابية، وتشكيل اللجان الانتخابية المستقلة واجراء المناقشات المهمة حول تقاسم السلطة والثروة .

فاذا تخقق هاتين النقطتين، تحسين ظروف حياة المواطنين في مقديشو وانجاز المهامات الضرورية لإستحقاقات مرحلة ما بعد عام ٢٠١٦ خلال  هذا العام والنصف الأول من العام القادم ستكون الحكومة قد أدت واجباتها وحققت انجازا عظيما سيغير وجه البلاد. صحيح هذا الأمر ليس بالهين السهل، لكن يمكن تحقيقه اذا توفرت الشروط السالفة الذكر.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى