من الحراسة الي الماجستير قصة طالب مثالي

مع اليتم وفي مضارب العشيرة في إقليم شبيلى الوسطي بدأ بطل قصتنا مسيرته الأولى يواجه قساوة المحن ومرارة الحرمان في بيئة لم يكن يتوفر فيها أبسط مقومات الحياة العصرية،لا مياه صالحة للشرب، لارعاية صحية، أما التعليم والمدارس فالحديث عنها”من رابع المستحيلات”؟ أجبرته الظروف المعيشية التي كانت سائدة في مسقط رأسه على النزوح نحو العاصمة مقدشو للبحث عن حياة أفضل،؟

و اليوم وبعد نقاشه رسالة الماجستير في علوم الحديث والتي دارت حول “مرويات عثمان بن عفان في الكتب الستة” قابلته بمقر مركز مقديشو للبحوث والدراسات ودار بيننا حوار ممتع أحببت أن يشاركني فيه القراء الكرام.

بادئ ذي بدء سألته عن بطاقته الشخصية، فاجاب”أنا اسمي أحمد عبده عسبله جمعالي من مواليد 1975 في مدرية مهداي في منطقة شبيلى الوسطي، وترعرعت فيها، لم يحالفني الحظ في بداية سنوات عمري أن أنضم الى حلقات العلم التقليدية(أي حلقات المساجد) أو ألتحق بمدرسة نظامية، وبعد انتقالي إلى مقديشو لم يكن بمقدوري التوجه نحو التعليم بسسب ظروفي الخاصة التي من أجلها جئت إلى العاصمة.

وعن الفرصة التي قادته إلى عالم المعرفة يقول أحمد: كنت عاطلا عن العمل، فعرض عليّ رجل من أبناء عمومتي فرصة العمل في بيت الشيخ محمود عيسى محمود رئيس الجامعة الاسلامية الذي تربطني به علاقة قرابة وأصبحت حارسه الشخصي إذ كانت مقدشو وقتها في أصعب أوقاتها أمناً في عز فترة أمراء الحرب  . وكان الشيخ يمكث في البلاد 6 أشهر، ثم يرجع إلى المملكة العربية السعودية حيث يقيم، ثم يرجع إلى البلاد بعد ستة أشهر أخرى، وكان ذلك قبل افتتاح الجامعة الإسلامية.

وبعد افتتاح الجامعة نقل عملي إليها، حيث أصبحت من حرسها، وكان ذلك ما شكل بالنسبة لي بداية مرحلة جديدة غيرت مسار حياتي كلها، فبدأت في بداية الأمر الاستفادة من طلاب الجامعة الممتازين والمتفوقين لتدريسي بعض الكتب التي كانت مقررة على طلاب معهد النور العلمي التابع للجامعة، حتّى إذا أحسست بأهليتي وتمكني من المقررات طلبت من الشيخ(رئيس الجامعة) أن ألتحق بالمعهد، وجلسنا إلى امتحان القبول فكانت المفاجئة أنني كنت من أوائل الناجحين على خلاف ما كان متوقّعاً، وكان لزاما عليّ أن أستمر في دراسة المعهد حتى الحصول على شهادته التي تتيح لي الالتحاق بالجامعة، وقد تحقق لي ذلك، حصلت على الشهادة ونجحت في امتحان القبول والتحقت بقسم الكتاب والسنة بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية بالجامعة.

وعن شعوره وإحساسه تجاه الدراسة الجامعية مع استمراره في عمله في الجامعة كحارس أجاب قائلا: أنا كنت سعيدا بالتحاقي بالجامعة، والتي كانت تعني لي الكثير، كما كنت فخورا بعملي فيها، لكوني ربّ أسرة يعتمد على الدخل البسيط من ذلك العمل لإعالة أسرته التي ظلت تكبر مع مرور الوقت، وكان دافعي الوحيد في التوفيق بين العمل كحارس ومواصلة الدراسة الجامعية هو إيماني العميق بأن إحراز التقدم في مجال التعليم وتحقيق حياة عملية أفضل في المستقبل يبدأ من هنا، وهذا ما جعلني أنظر إلى زملائي في الدراسة وأخوض في منافستهم في التحصيل، لا إلي وضع العمل الخاص والظروف المحيطة بي؟

وفي معرض رده على سؤال حول التحديات التي واجهته أثناء دراسته يضيف: فالتوفيق بين العمل والدراسة كان من أبرز التحديات التي واجهتني، إضافة إلى ضعف(قلة) المرتب الذي كنت أتقاضاه من العمل، رغم أنني كنت أدرس الجامعة بالمنحة إلاّ أنّني أحتاج إلى تدبير تكاليف المنهج والكتب والمذكّرات واللوازم الدراسية الأخرى، والصعوبة التي تواجهني من بعض المواد كانت هي الأخري تحديا لا يقل أهمية عن تحديات مواجهة الحياة العملية في مرحلة الدراسة الجامعية إلى جانب ما كان سائداً في البلاد من الاضطرابات الأمنية والحروب التي تجبر الجامعة على عدم الاستقرار في مقرّها، و الانتقال من مقر الى آخر بسسب الظروف الأمنية.

ويتابع أحمد: التخوف عن الانقطاع الدراسي كان أكبر هاجس يقلقني في مرحلة ما بعد التخرج، وكان الحلم الذي يروادني السفر إلي السوادن الذي كان وجهة كثير من المتخرجين في الجامعة لمواصلة دراسة الماجستير في الحديث الشريف وعلومه؛ حيث تقدمت بطلب المنحة إلى إحدى الجهات المانحة، لكن إدراة تلك الجهة أخبرتني بوجود فرصة في الجامعة الإسلامية، وسوف يفيدونني منها، فصارت فرحتى فرحتين، مرّة بالحصول على فرصة الدراسات العليا، دون تكبّد عناء السفر وفراق الأهل والأولاد، وفرحة أخرى أنّ الدراسة تتم في الجامعة الإسلامية ذلك الصرح العلمي الشامخ نفسه الذي تعلقت به كثيرا، وارتبط وجودي بوجوده منذ تأسيسه في بداية الألفية الثالثة، ولن أضطر لمفارقته. وكان من حسن حظي وجود ذلك التخصص الذي كنت أحلم به وهو”الحديث الشريف وعلومه” التخصص الذي أحببته منذ التحاقي بالجامعة ، واستمررنا في دراسة الماجستير حتى كان يوم 22من أكتوبر من عام 2016 يومي المشهود الذي حمل إليّ البشائر في تحقيق حلمي الذي طالما انتظرته.

لايزال هذا الطالب الأستاذ المجد يعمل أمينا للمكتبة في الجامعة نفسها، ونفسه التواقة إلى المعرفة لايقرّ لها قرار حتي يحصل على الدكتوراة، ويكون من الأساتذة المرموقين في قسم الكتاب والسنة بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية بالجامعة، كما أن هاجس الخوف من فقدان فرصة الدكتوراة لايزال يلازمه حتى الآن، هكذا قال لي قبل أن يودعني بلطف.

 

زر الذهاب إلى الأعلى