ملابسات زيادة اعضاء المجلس الأعلى بالبرلمان الصومالي

مقدمة 
يشكل مجلس الولايات “المجلس الأعلى 54 عضوا” إلى جانب مجلس النواب “المجلس الأدنى 275 عضوا ” البرلمان الصومالي (329 عضوا) ويعتبر إنشاؤه استحقاقا دستوريا لم تسمح الظروف السياسية السائدة عام 2012 بأن يرى النور إبان إقرار الدستور الصومالي المؤقت من قبل جمعية تأسيسية مكونة من 825 شخصا يمثلون كافة شرئح المجتمع على أن يعرض للاستفتاء الشعبي العام بعد مراجعته وتنقيحه.

ورغم كل ما رافق تشكيل هذا المجلس من جدل واسع وتصاعد الأصوات المطالبة بتعليقه إلى اقتراع 2020 م الشعبي المباشر بداعي إثارته للخلافات وعرقلته للمضي قدما في تنفيذ الاستحقاق الانتخابي ناهيك عن الهواجس التي يمكن أن يخلقها مستقبلا من أزمات سياسية وتبعات اقتصادية لا يتحملها البلد في هذا الظرف الدقيق، رغم كل ذلك تم الشروع بإنشائه حتى كاد يشارف على الانتهاء إلا أن ولاية بنتلاند عرقلت اكتماله وذلك لمطالبتها بمقعدين ضمن الحصة المخصصة لصومال- لاند وذلك للتداخل العشائري بين الولايتين.

قرار مجلس القيادة بزيادة الأعضاء
اجتمع مجلس القيادة الوطني المكون من الرئاسات الثلاث وجميع حكام الولايات في الفترة من 15-24 ديسمبر 2016 في واحد من أطول اجتماعاتهم منذ إنشاء المجلس في يوليو 2015 للإشراف على تنفيذ الانتخابات التشريعية والرئاسية في البلاد.

وفي الوقت الذي كان منتظرا حل اشكالية المقعدين المتنازع عليهما فاجأ المجلس الرأي العام المحلي والدولي بقرار غير دستوري وغريب وعديم الجدوى بزيادة اعضاء المجلس ال 54 ب 18 عضوا ليصل إلى 72 عضوا ستحصل بموجبه كل ولاية من الولايات الست على ثلاثة اعضاء، الأمر الذي لم يحل الإشكال محل النزاع وربما يخلق إشكالات أخرى، وعلى خلاف النموذج الانتخابي الذي يقضي بانتخاب برلمان الولاية لأعضاء مجلس الولايات يعطي القرار حق تعيين الأعضاء الإضافيين لحكام الولايات بدون تصديق برلمان الولاية وإصدار الرئيس مرسوما جمهوريا بتعيينهم.

إشكالات الزيادة المثيرة للجدل

  •  تعد الخطوة انتهاكا دستوريا صارخا
  •  تغذي الخلافات السياسية من جديد في كل ولاية من الولايات
  •  تشكل عبئا إضافيا خانقا على الموازنة العامة المنهكة للدولة
  •  تنطوي على مفارقة غريبة وهي وجود أعضاء منتخبين وآخرين معينين في نفس المجلس
  •  تضع شرعية الأعضاء المعينين في محك.

عدم دستورية القرار

تنص المادة 72 من الدستور الصومالي المؤقت ” يتم انتخاب أعضاء المجلس الأعلى من خلال الاقتراع السري والمباشر من الشعب ويجب أن لا يزيد عددهم من 54 عضوا على أساس المحافظات ال 18 التي كانت موجودة في الصومال قبل عام 1991″. وبما أن البلاد لم تجري فيها انتحابات مباشرة فقد تم الاستعاضة عنها بانتخابات غير مباشرة وإقرار النموذج الانتخابي لعام 2016 الذي نص على ترشيح حكام الولايات الفدرالية أعضاء المجلس الأعلى باعتبارهم ممثلين لولاياتهم على أن يصوت برلمان الولاية لممثيله في هذا المجلس وهو ما حدث فعلا لكل الولايات ما عدا صومال لاند التي تم الإتفاق على اختيار ممثليها بالمجلسين وفق ترتيبات خاصة .

المغزى من القرار

يعتقد المراقبون أن المغزى من القرار ما هو إلا مناورة جديدة لكسب الوقت وذر الرماد في العيون، ففي الوقت الذي كان منتظرا تحديد جدول زمني لانتخاب رئاسة البرلمان بمجلسيه ورئاسة البلاد أعاد القرار عقارب الساعة إلى الوراء ويصدق عليهم المثل العربي ” تمخض الجبل فولد فأرا ” ، ويعتقد بعض المحللين أن المستفيدين هم كل من القيادة التنفيذية العليا ورئيس ولاية بونتلاند بعكس بقية أعضاء مجلس القيادة الذين لا يحبذون هذه الزيادة غير المبررة، مما يعطي بأن المجال مفتوح للتراجع عنها علما أنها ليست الأولى التي يتم فيها نقض بعض قرارات المجلس المثيرة للجدل .

ردود الافعال

أجمعت الأوساط الشعبية والنخب السياسية والمجتمعية باستهجان خطوة الزيادة ورأت أن مجلس القيادة الوطني ينتهك الدستور ويستغل السلطة لصالح أجندات خاصة لا تصب في المصلحة العليا للوطن، من ناحية أخرى لم يصدر أي رد فعل رسمي عن المجتمع الدولي، ويتوقع بشكل واسع أن المجتمع الدولي سوف لن يرحب بهذ القرار ولا يعرف بالتحديد الخطوات التي سيتخذها حيال الأمر.

يمكن الخروج من المأزق الحالي إما بتعليق المجلس الأعلى وإرجائه إلى خريطة طريق 2020 أو بإبقاء أعضائه حسب ما منصوص عليه في الدستور، لأن أي زيادة في أعضائه سوف تفتح الباب لزيادات اخرى حسب الشواهد والسوابق التاريخية، ولن تلبي مطالب المهمشين من كافة العشائر وفئات الشعب فضلا عن تجاهل مطالب سكان العاصمة بالتمثيل في المجلس حتى البت في وضعها بالدستور والاستفتاء عليه.

عبدالرحمن عيسي

كاتب وباحث في الشؤون الدولية والدبلوماسية
زر الذهاب إلى الأعلى