أحاديث صومالية على ضفاف الخليج العربي

البارحة وأنا في قمة إنشغالي رِن جرس هاتفي ودون رؤية هوية المُتصل تناولت السماعة لأتفاجىء بصوت صديقه قديمة من الصومال الشقيق غابت عني قرابة العامين ونيف، تقول لي أنها إنتهت من دراستها في كندا، وتعمل اليوم في وظيفه مرموقة في إحدى الجامعات الأوروبيه، وبعد حديث طويل وجدت صديقتي كما تركتها منذ عامان، بل وتضاعف إحساسها بهويتها الصومالية، وأسست تجمعاً شبابياً أقرب للحزب السياسي يضم خيرة مُثقفي الصومال حتى من تلك النخب المتواجدة في الأراضي الصومالية المُحتلة كما يراها المواطن الصومالي وتؤكدها وثائق التاريخ، ما لفت نظري في حديث صديقتي أنها لم تتحدث معي بصيغة المُفرد أبداً، بل كررت على مسامعي  كلمة “نحن“، وأرسلت لي صورة توضح خريطة الصومال” الكبير” وكتبت تحتها العبارة الأتية “هذه الصورة ستكون محور حديثي معكِ تأمليها ملياً قد تتعرفين علي من جديد”، وبعد أقل من ثماني وأربعون ساعه من تلك المُكالمة وصلت صديقتي إلى بلدي “دولة الإمارات العربيه المتحدة”، وكنتُ في إستقبالها ليقيني أنها تحمل وجه مشرق لصومال الغد .

عندما أتحدث عن الشأن الصومالي لابد أن يمتلىء مكتبي الخاص بالكثير من الأوراق التي أستجمع فيها الكثير من الحقائق التي تزخر بها أرض الصومال، تلك الحقائق التي أشعر بأن ذاكرتي الشخصية رغم قوتها إلا إنها ترغب بإعادة قراءة ما تحتويه تلك الحقائق من إنجازات حُققت، وإخفاقات تضاعفت، ومؤامرات حيكت، وتواطىء إقليمي ودولي رسم طريقه وحدد هدفه للقضاء على التاريخ والجغرافيا والإنسان في الصومال.

لا أرغب بالدخول ومناقشة التاريخ الصومالي القديم وأحقية مقديشو بأراضيها التي تحول بعضها إلى دول مُستقلة كاملة السيادة كـــ (جيبوتي)، أو إلى جزء لا يتجزأ من أراضي الدول الأخرى مثل ( إقليم أوجادين في أثيوبيا، وإقليم إنفدي في كينيا)، ولكني مؤمنةٌ قطعاً بحق الصومال التاريخي والذي لا يسقط بالتقادم.

تترقب الصومال ونحن معها في الأيام القليلة القادمة الإنتخابات الرئاسية، وبالتالي هناك مرحلة جديدة تتأملها الصومال تريد إستحقاق مهامها، وما بين هذا وذاك ينتظر المواطن الصومالي تلك النقلة النوعية التي لعل وعسى أن تُعيد بلاده إلى مصاف الدول” الحقيقية”.

تبدو أثيوبيا اليوم غير عابئة بتزاحم أسماء المرشحين لرئاسة الصومال أولاً ليقينها بأن الإستراتيجية المُتبعة في الصومال منذ عقود لن تتغير برحيل أو بقدوم رئيس صومالي جديد،  وثانياً لإطمئنانها إلى أن معظم المُترشحين للرئاسة شخصيات تتميز بالمرونة السياسية بعيدة كل البعد عن النهج الثوري الذي تخشاه أثيوبيا، وبعضهم من تربطه بالقيادة الأثيوبية علاقات قديمة قادته في يوم من الأيام إلى تقلد مناصب سياسية حُرم منها البعض بسبب تغليبهم للمصلحة الوطنية.

أرى بأن أديس أبابا حققت خطوات مهمة وإيجابية تتفوق بها ليس فقط على الصومال بل على دول القرن الأفريقي كلها خاصة بعد تزاحم الوفود الخليجية على أبوابها في الفترة الأخيرة داعمة لتوجهها التنموي ورؤيتها السياسية، ومعترفةً بها كقوة حقيقية فاعلة ومؤثرة في القرن الأفريقي، ويأتي ذلك متزامناً مع إقتراب إفتتاح سد النهضة في يوليو 2017 والتي تُعلق عليه شعوب القرن الافريقي الكثير من أمال التنمية، وإفتتاح خط السكة الحديدية الذي سيربط أديس أبابا بميناء جيبوتي والذي سيبدأ نقل الركاب وفي رحلات يومية في يناير2017، هذا بالإضافة إلى إعتزام أديس أبابا بناء شبكة سكة حديدية طولها 5000 كيلو متر تربطها بكينيا والسودان وجنوب السودان وسينتهي العمل بها عام 2020،  وأمام تلك التطورات الإيجابية أُرجح أن تكون العلاقات الجيبوتية –الأثيوبية- الكينية- السودانية- والجنوب سودانية أكثر رسوخاً من ذي قبل، وبالتالي سيكون على الرئيس الصومالي القادم تجنب الحديث عن الحق التاريخي للصومال، والإلتفات لإنجاز المهام والوقوف أمام التحديات وأولها هو تحجيم خطر وإن لم يكن القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تؤرق الوطن والمواطن وتعرقل التنمية، وإيجاد إستراتيجية وطنية لإعادة الأقاليم ذات الحكم الذاتي (صومالاند، بونتلاند، جوبالاند) تحت حكم الإدارة المركزية، فمصلحة الصومال الأولى والأخيرة هي في إبقائها موحدة، ولكن موحدة على أمن وتنمية، وإلا ستكون تكريس ثقافة الإختلاف هي السائدة في مجتمع تصل نسبة التجانس فيه إلى 99%، ومن يدري لعل وعسى أن تكون هذه الإستراتيجية التي يمكن أن يتبعها الرئيس الصومالي القادم أول الطريق لتحقيق ما يصبو إليه المجتمع الصومالي بجميع طوائفه، ولكن في الوقت الذي أرى فيه أن أثيوبيا ستدرك في الوقت القادم بأن من مصلحتها أن لا تدعم تلك التنظيمات الإرهابية في الصومال إن كانت تريد لمسلك التنمية التي سلكته أن يصل لمداه لدول القرن الأفريقي، إلا إني أُرجح أن أديس أبابا ستُبقى على الإرهاب في الصومال أو على جزء منه وإن كان متواضعاً حتى لا يتحقق كامل الإستقرار في الصومال ويمهد الشارع الصومالي للمطالبة بحقوقه التاريخية.

دول الخليج العربي بين الصومال وأثيوبيا

تبدو مصالح دول مجلس التعاون الخليجي في الصومال مُختلفة عن مصالحها في أثيوبيا، وأنا هنا لا أرفع من قيمة المصالح الخليجية الأثيوبية على حساب المصالح الخليجية الصومالية أو العكس، بل أرى أن الصومال بموقعه الإستراتيجي وإطلالته على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي أكثر أهمية للأمن الخليجي من أثيوبيا، هذا بالإضافة إلى تعدد الموانىء الإستراتيجية الصومالية مثل ( بربرة، بوصاصو، كيسمايو)، وإحتضان الصومال لأكبر الشركات الخليجية المُستثمرة في مجال النفط والغاز، ولا يقتصر ذلك على دول الخليج فهناك أنقرة التي تعمل في الصومال وبنشاط إستثماري ضخم يعززه تكثيف دبلوماسي فعال يمكن أن تتعاون فيه دول الخليج العربي مع تركيا بما يخدم مصالح الطرفين ويعزز الإستقرار في الصومال لتحقيق التنمية المستدامة.

أرى بأن تعمل دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أكثر فاعلية لتعزيز العلاقات الخليجية الصومالية، والتدخل بشكل مُباشر لخفض نسبة التوتر والتوجس ما بين الصومال وجيرانها ولن يتحقق ذلك إلا بالتعرف وعن كثب على حقيقة ما جرى ويجري في الصومال منذ عام 1991 حتى يتسنى لنا معرفة بأي إتجاه نسير.

أما أثيوبيا ، فزيارة الوفد المغربي لأديس أبابا مقر الإتحاد الأفريقي – في نوفمبر من العام الجاري- والتي أعلنت دعمها الكامل لعودة المغرب للإتحاد الأفريقي بعد قطيعه إمتدت لأكثر من ثلاثة عقود، قد يدفع الرباط لإقناع أديس أبابا بسحب الإعتراف من الجمهورية العربية الصحراوية (البوليساريو)، وستعتمد المغرب في ذلك أولاً على دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ،ودولة قطر، ودولة الإمارات أكبر الشركاء المُستثمرين في أثيوبيا والداعم الأول لحق الرباط في الصحراء الغربية، وثانياً أن الرباط تحتفظ بعلاقات دبلوماسية جيدة مع تل أبيب القوة الأولى الداعمه للنظام الأثيوبي الحاكم، وبالتالي يمكن أن تستثمر المغرب في تلك الروابط لتحقيق مطالبها.

تدرك المملكة المغربية بلاشك أن أثيوبيا إحدى أهم القوى الأفريقية الفاعلة في قارة المستقبل (أفريقيا)، وبالتالي سحب أديس أبابا إعترافها من الجمهورية العربية الصحراوية (البوليساريو) سيُضاعف دعم دول الخليج العربي لأثيوبيا من جانب، ويمكن أن يدفع القوى الأفريقية الكبرى كـنيجيريا وجنوب افريقيا بسحب الإعتراف من الجمهورية العربية الصحراوية، رغم إيماني المُطلق بأن الأفارقة شعوب تؤمن بقضايا التحررالوطني والتي لا تفقهها الكثيرمن المجتمعات.

ما يؤرقني كمواطنه عربية أولاً وخليجية ثانياً أن إختلاف الرؤى السياسية بين دول الخليج العربي وبعض الدول العربية وبعض القوى الإقليمية قد يحول دول القرن الافريقي لساحة تصفية حسابات لن يُسلم منها أحد، فعلى دول الخليج العربي توحيد رؤاها السياسية والإقتصادية والعمل ككيان واحد والإستعداد للمرحلة القادمة والإستثمار في العلاقات الخليجية الافريقية التي ما برحت أن تتوجه لمسارها الصحيح إلا وأعادتها رياح التنافر إلى ما لا نرغب أن نراها فيه.

أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

@gulf_afro

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى