مـا بــين إثيوبيـــا اليــوم وحبــشــة البارحـــة

يرجع اسم الحبشة إلى قبيلة “حبشت” العربية التي هاجرت من جنوب الجزيرة العربية إلى أفريقيا في القرن السادس قبل الميلاد ( بعض المصادر تشير إلى القرن السابع قبل الميلاد)، وفي القرن الرابع الميلادي أصبحت سيادة تلك المنطقة ” الحبشة” بيد تلك القبيلة العربية ،  إلا أن الأمور اختلفت في عهد الملك عيزانا “ملك مملكة أكسوم”، الذي  قام بتغيير الاسم من “الحبشة” إلى “أثيوبيا”، وتعني “الوجه المحروق”، وأرسى الدين المسيحي كدين رسمي للبلاد إلا أن انتشار الإسلام ووصوله إلى الساحل الأفريقي كان السبب الأول لسقوط مملكة أكسوم.

عرف المسلمون الحبشة في العام الخامس للهجرة النبوية الشريفة عندما أمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يقصدوا تلك الأرض لحماية أنفسهم من بطش قريش، إلا أن انتشار الإسلام في الحبشة والمناطق المجاورة لها تحقق في عهد الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 26 للهجرة.

شهد القرن الحادي عشر الميلادي تأزماً حقيقياً  بين السلطة الأثيوبية والمُسلمين، فالتوترات السياسية التي تشهدها أثيوبيا اليوم ليست بالأمر الجديد، ففي العصور القديمة وبالتحديد في عهد الملك الأثيوبي ” يوحنس الرابع” تم إجبار المسلمين على ترك دينهم مما دفعهم إلى طلب المساعدة من مصر في أيام الخديوي إسماعيل باشا، ودارت مناوشات بين الطرفين الأثيوبي والمصري انتهت بمعركة “كوندت” أو “كودا كوده”  1875 والتي انتصرت فيها أثيوبيا على مصر، وبعد قيام الثورة المهدية في السودان ازداد خوف الإمبراطور “يوحنس الرابع” من مناصرة تلك الثورة لمسلمي أثيوبيا فقام بتوقيع معاهدة “هيويت” مع بريطانيا مما أدى إلى اندلاع معركة “القلابات” بين الحدود الأثيوبية السودانية، وانتهت بقتل الإمبراطور يوحنس الرابع على يد أنصار الثورة المهدية في السودان بقيادة الأمير الزاكي طمل في مارس 1889.

بالرغم من إن أثيوبيا كدولة نجحت في الحفاظ على استقلالها، بل ونجحت في التغلب على أحد جيوش الدول الأوروبية “إيطاليا” في فارقة لم تتكرر في أرض أفريقية بذلك الوقت، إلا أنها لم تسطع أن تحقق “المصالحة الوطنية” الكاملة على أرضها، فيعاني المسلمون الأثيوبيون من التهميش السياسي، والاعتقال، ومصادرة الأراضي، ويُتهم المسلمون السلطات الأثيوبية بإنتاج برامج إعلامية تستهدف الإسلام على الرغم من تأكيد الدستور الأثيوبي على عدم التدخل في الممارسات الدينية التي يمارسها المواطنون.

أرى بأن تأزم الأوضاع في أثيوبيا اليوم قد يدفع الحركات الأثيوبية المسلحة والتي تنادي بالانفصال إلى تكوين تحالف مع حركة الشباب المجاهدين الصومالية أو جبهة شرق أفريقيا لإجهاد النظام الأثيوبي، ولا ننسى أن سبعه وتسعون من المُسلمون في أثيوبيا يقطنون في إقليم “صوماليا ” القريب عرقياً إلى الصومال.

العلاقـــات الخليجـــية الأثيــوبيـــة

المملكــة العــربية السـعوديـــة: بعد انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية في 2005 تضاعفت الاستثمارات السعودية داخلياً وخارجياً، وأصبح الاقتصاد السعودي أكثر اندماجا في الاقتصاد العالمي، وحصل على فرص عادلة لدخول السوق العالمي، وتعتبر أثيوبيا من أهم الدول التي تنصح الرياض مواطنيها بالاستثمار فيها لكونها سوق أفريقي واعد ويشهد نمواً مُتزايداً.

في مايو 2016، تم توقيع اتفاقية تجارية بين أثيوبيا والسعودية، اتفق فيها الطرفان على توسيع قاعدة التعاون، وفتح مجالات الاستثمار بين البلدين في المجالات التجارية والزراعية، وذلك تمهيداً لإعداد برنامج تدريبي في عدد من الأنشطة المتنوعة، وجاءت تلك الاتفاقية داعمة لاتفاقية تجنب الازدواج الضريبي الهادفة إلى حماية الاستثمارات لكلا الطرفين، والتي تم توقيعها في 2014.

وقعت الرياض مع أديس ابابا على تشكيل لجان تم تحديدها مثل: لجنة التعاون الخارجي والأمني، لجنة التعاون العلمي والثقافي، واللجنة الاقتصادية، كما قدم الصندوق السعودي للتنمية تمويلات وقروضاً مُيسرة لدعم واستنهاض التنمية في الأقاليم الأثيوبية النائية.

تشير وزارة التجارة الأثيوبية أنه منذ عام 2008 إلى 2015 حصل أكثر من 305 مستثمر سعودي على رخص استثمارية أثيوبية في جميع المجالات،  عزز ذلك عدد الشركات السعودية المُسجلة والذي تجاوز 69 شركة سعودية، والتي وفرت فرص وظيفية للأثيوبيين، والعاملة برأس مال يتجاوز 369 مليون دولار، كما أن المشروعات الاستثمارية السعودية في أثيوبيا تجاوزت 303 مشروع، من بينها 187 مشروع سعودي خالص، ويعتبر مصدر للأمن الغذائي السعودي، أما الباقي فهو بالشراكة مع مستثمرين أجانب، وبلغت الاستثمارات السعودية في أثيوبيا (13) مليار دولار، ولكن نجد في المُقابل أن الاستثمارات الأثيوبية في المملكة تعتبر ضعيفة، حيث توجد شركتان أثيوبيتان في جنوب جده ويرجع ذلك إلى قلة الموارد المالية لدى المستثمرين الأثيوبيين.

لا شك أن المملكة العربية السعودية اليوم تعتبر من أكثر الدول المستفيدة من تصدير منتجاتها الاستثمارية لأثيوبيا، وهذا ما ساعد على تنفيذ الاتفاق السعودي الأثيوبي على تنظيم مهرجان تجاري للتعريف بمنتجات الدولتين، وبالرغم من أن تقرير “دليل الاستثمار في أثيوبيا” الصادر من الحكومة الأثيوبية يؤكد أن اللجنة السعودية الأثيوبية المُشتركة اتفقت على توقيع 16 اتفاقية ويتم بموجبها زراعة ( 1.713.357 هكتار)، خاصة أن الاستثمارات الزراعية السعودية تمثل 30% من مجموع الاستثمارات السعودية المتنوعة في أثيوبيا، إلا أن بعض المُستثمرين السعوديين باتوا يشتكون مؤخراً من عقبات تعترض استثماراتهم في أثيوبيا لدرجة أن بعضهم طالب مؤخراً بضمانات تحفظ حقوقهم كمستثمرين.

معوقات الاستثمار السعودي في أثيوبيا

-. عدم ثقة المُستثمر الخليجي باستقرار الأوضاع السياسية والأمنية في أفريقيا بشكل عام.

-. ضعف التسويق الحكومي الأثيوبي للفرص الاستثمارية المتواجدة في أرضه.

-. ضعف دراية المستثمر السعودي بالإجراءات وأنظمة الاستثمار في أثيوبيا، وذلك بسبب عدم مراجعتهم للسفارة السعودية في أديس أبابا، كما أن بعضهم يقومون بتدوين بيانات رخصة الاستثمار بشكل خاطئ مما يُعرقل التصدير بعد ذلك .

-. قيام الحكومة الأثيوبية بتغيير أنظمتها وقوانينها بشكل مفاجئ.

-. بعض المستثمرين السعوديين لا يتبعون اللوائح وأنظمة إدخال أموالهم لأثيوبيا مما يعرضها لخطر المُصادرة، خاصة أنه لا توجد جهة مُختصة للمستثمرين الأجانب في أثيوبيا يمكن لأي مستثمر اللجوء إليها تحت أي ظرف.

دولة الإمارات العربية المُتحدة: في عام 2015 اتفقت أديس ابابا وأبوظبي على تعزيز دور القطاع الخاص في دعم حركة التجارة والاستثمار بين البلدين، وتم توقيع اتفاقية منع الازدواج الضريبي لحماية وتشجيع الاستثمار، كما تم الاتفاق على مجالات الصناعة وإنتاج الطاقة النظيفة، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 788 مليون دولار لعامي 2014 -2015، وبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في أثيوبيا 3 مليارات، وتعمل الحكومة الأثيوبية حالياً على إنشاء أربع مناطق صناعية متخصصة وهي ( ديرداوا، أواسا ، كومبولتشا، اديس ابابا)، واستعانت اثيوبيا بخبرة دولة الامارات لتطوير تلك المناطق الصناعية.

وفي أكتوبر 2016 وقعت غرفة تجارة وصناعة دبي نيابة عن مجموعة س.س لوتاه الدولية/S.S Lootha Trading اتفاقية مع بنك أوروميا الدولي بقيمة 184 مليون درهم، لدعم قطاع الزراعة والماشية ومنتجاتهما الصالحة للتصدير، ولأهمية سوق شرق أفريقيا ترى دولة الامارات أن أثيوبيا قاعدة ومنصة مثالية للتوسع في أفريقيا، وهذا ما يُفسر حرص غرفة وتجارة وصناعة دبي على افتتاح أول مكاتبها التمثيلية في أفريقيا عام 2013، وتحتل أثيوبيا المرتبة 60 على لائحة الشركاء التجاريين لدبي، ووصلت قيمة التبادل التجاري غير النفطي إلى 2.2 مليار درهم في 2015.

توقيع اتفاقية تعاون فني بين دولة الامارات وجمهورية أثيوبيا ساهمت في نمو حركة التجارة البينية بين البلدين، كما حصلت شركة الجابر الإماراتية العاملة في مجال صناعة الألمنيوم والزجاج على اعتماد الشركة الأثيوبية لإنشاءات الطرق وهي مؤسسة أثيوبية شبة حكومية، ومن جانب أخر أكدت شركة (Saasur Solar Systems) العاملة في مجال الطاقة الشمسية أنها وجدت فُرص استثمارية في أثيوبيا وذلك بعد إنشاء أديس أبابا مشاريع كبرى لإنتاج الطاقة الكهرومائية من خلال إقامة السدود، وعرضت الشركة على أثيوبيا إنتاج الكهرباء الرخيصة عبر استخدام الطاقة الشمسية، على أن يكون التصميم الهندسي لمصانعها في دولة الإمارات ويتم بعد ذلك تركيبها في المناطق التي يتفق عليها الطرفان.

أعلنت شركة الهلالي الإماراتية والمتُخصصة في إنتاج المنظفات المنزلية أنها ترغب في إقامة مصنع للشركة في أثيوبيا، على أن يتم استيراد المواد الخام من الإمارات وتُصنع في إثيوبيا لتلبية احتياجات السوق المحلي وأسواق الدول المجاورة في شرق إفريقيا

قامت مؤسسة نور دبي بتنفيذ برنامج لمكافحة مرض التراخوما في إقليم “أمهرة ” الأثيوبي الذي يعتبر أكثر مناطق العالم إصابة بهذا المرض، والذي سيستفيد منه أكثر من 18 مليون شخص، و167 منطقة من ذلك الإقليم، ومن جانب أخر انضمت دبي للعطاء لمجموعة من الشركاء لتنفيذ برنامج شامل لمكافحة الديدان المعوية في مدارس أثيوبيا، وهذا البرنامج هو جزء من خطة أكبر تمتد لمدة خمس سنوات لمُعالجة أكثر من 75% من الأطفال في سن الدراسة المدرسية المُعرضين للخطر في جميع المناطق التسع في إثيوبيا بحلول عام 2020.

دولـــة قطــــر:  في عام 2008، تدهورت العلاقات القطرية الأثيوبية ووصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بسبب إتهام أديس أبابا للدوحة بأنها مصدر أساسي لزعزعة الأمن في القرن الإفريقي بدعمها لإريتريا، وذلك عندما سعت الدوحة في 2008 لحل الخلاف الحدودي بين جيبوتي وإرتيريا على منطقة “رأس دميرة “، ومما سهل مهمة الدوحة هو وجود قوات عسكرية قطرية على حدود الدولتين تم نشرها في إطار الوساطة لحل النزاع،  ونجحت قطر في التوصل الى اتفاقية سلام بين الطرفين تم توقيعها في الدوحة عام 2010، كما نجحت الدوحة في إقناع أسمره للإفراج عن أربعة أسرى من جيبوتي كانوا مُعتقلين في أرتييريا من ثماني سنوات.

استردت العلاقات القطرية الأثيوبية عافيتها وبدأت الاستثمارات القطرية تتضاعف في أثيوبيا، فالدوحة تسعي اليوم لتوسيع استثماراتها في القارة الافريقية، يساعدها في ذلك صندوقها السيادي الذي يتجاوز200 مليار دولار، وفي فبراير 2016، اجتمعت اللجنة الفنية القطرية الأثيوبية المُشتركة في أديس أبابا لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وسُبل تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، وأكدت الدوحة على دعمها الكامل لأثيوبيا في الأمم المتحدة للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي في يناير 2017.

في يوليو 2016 تدخلت الدوحة دبلوماسياً لحل الأزمة الأريتيرية الأثيوبية والتي اتهمت فيها أديس أبابا أسمره بدعم المُعارضة الأثيوبية.

نفذت مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية “راف” عدة مشاريع تنموية لصالح الأُسر الفقيرة والمُحتاجة من مسلمي أثيوبيا، وقد نفذت “راف” هذه المشاريع في منطقة دريدوا بإقليم أوروميا ذي الغالبية المسلمة، ومن جانب أخر قامت منظمة الدعوة الاسلامية التابعة للحكومة القطرية باستصلاح أراضي زراعية في أثيوبيا (500) هكتار في منطقة بيرعانو بدولة إثيوبيا، لتمليكها لذوي الدخل المحدود من المواطنين الأثيوبيين، وهذه المشاريع إنتاجية ستحولهم من مُتلقين للإعانات إلى مُنتجين وفاعلين في المُجتمع، فالمُنظمة تخطط لتنفيذ المزيد من المشاريع الإنتاجية التي تُمكن من إحداث تغير إيجابي في المجتمع الأثيوبي باتجاه التنمية الشاملة.

سلطــــنة عُمــــان: شهدت العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في أبريل 2016 معرض أوبكس للمُنتجات العُمانية بمشاركة أكثر من 100 شركة عمانية، تُمثل قِطاعات مُختلفة، إلى جانب مُشاركة عدد من المُؤسسات الحكومية، فمسقط تجد في شرق أفريقيا مجالاً لتوزيع مُنتجاتها، مؤكدة على أهمية السوق الأثيوبي للمُنتجات العُمانية، خاصة أن السوق الأثيوبي من أكثر الأسواق نمواً على مستوى القارة الأفريقية، مما قد يفتح المجال أمام الشركات العُمانية للدخول لأسواق جديدة عبر البوابة الأثيوبية.

تعززت العلاقات الأثيوبية العُمانية وتم توقيع ثلاث اتفاقيات تكون بموجبها أثيوبيا نقطة عبور لتسويق المُنتجات العُمانية إلى الدول الأفريقية، وبلغت قيمة التجارة غير المُباشرة بين مسقط وأديس أبابا ما يتجاوز الــــ (80) مليون دولار، وفي أكتوبر 2016، أكدت شبكة (C.N.N) أن “عمانتل” وهو المُشغل الوطني العُماني للاتصالات وافق على بناء كابل تحت سطح البحر يربط صلالة في سلطنة عُمان  ببربرة في أرض الصومال ( صومالاند) وبوصاصو في ( بونتلاند) وسيشمل أثيوبيا، خاصة أن نظام G2A الذي سيربط الخليج بأفريقيا سيتم تطويره بالشراكة مع الاتصالات الأثيوبية، واتصالات جوليس، وشركة تيليسوم.

دولــة الكــــويت: دشنت دولة الكويت مُؤخراً ومن خلال صندوق الكويت للتنمية ثلاثة مشاريع رئيسية في أثيوبيا بقيمة 203.000.000 مليون دولار، وستنتهي في 2018، مثل: مشروع تأهيل الطريق التكلفة Nekemte-بتكلفة 64 مليون دولار أمريكي، ومشروع طريق وهوديسي Kutaber Tenta بقيمة 84 مليون دولار أمريكي، ومشروع أكسوم لإمدادات المياه بقيمة 55 مليون دولار أمريكي.

سد النهضة بين الاطمئنان السوداني والقلق المصري

تتنافر مصالح القوى الإقليمية والدولية في الأرض الأثيوبية وهذا برأيي ما يُعقد ملف سد النهضة، فرغم أن أديس أبابا  تواجه حراكاً شعبياً فرض عليها إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة ستة أشهر، إلا إنها تبدو مُطمئنة، وكأنها على يقين بأن المُعارضة الأثيوبية لن تنجح فيما تصبو إليه، فالقوى الدولية ستغضُ الطرف عما يتعرض له المسلمون ” الأورومو”  في أثيوبيا، خاصة أن القوى الدولية ترى أن سبب تنامى التنظيمات الإرهابية في شرق أفريقيا هو الإسلام، أضف إلى ذلك أن ما ضاعف اطمئنان أثيوبيا التي كانت تنظر بحذر إلى الخرطوم التي قد تدعم الجبهات الإسلامية الأثيوبية الثائرة هو إعادة فتح  قضية حلايب والشلاتين  والتي جاءت داعمة للتقارب الأثيوبي السوداني.

تبدو الخرطوم أكثر اطمئنانا من القاهرة من مشروع سد النهضة الأثيوبي، بدليل أن الخرطوم سمحت لأديس أبابا التي تفتقر للموانئ البحرية أن تنشئ لها ميناء خاص على أرض سودانية بإيجار مدفوع الثمن لمدة خمسون عاماً، تزاول أثيوبيا من خلاله أنشطتها التصديرية والاستيرادية، وقد تستخدمه أثيوبيا مُستقبلاً لأغراض عسكرية، ومن الجدير بالذكر أن الخرطوم سمحت لأديس أبابا من قبل باستخدام ميناء بورتسودان لاستيراد وتصدير البضائع، ويبدو أن أثيوبيا نجحت في إقناع السودان بأهمية سد النهضة، فكهرباء سد النهضة ستسهم في سد احتياجات السودان وجيرانها من الطاقة، أما حجز سد النهضة لكميات كبيرة من الطمي ممكن أن يُطيل عمر السدود السودانية، كما أن المياه التي سيتم تخزينها في بُحيرة السد وبكميات ضخمه يمكن للخرطوم الاستفادة منها في زراعه مساحات كبيرة، أضف الى ذلك أن أديس أبابا لا تريد أن تخسر مورد اقتصادي يتمثل في التحويلات المالية للعمالة الأثيوبية في السودان.

ترى أديس أبابا أن هناك قوى خارجية تقوم بدعم الحراك الشعبي الأثيوبي، وتأليب المُعارضة الأثيوبية ضد النظام، مما قد يؤثر سلباً على المشروع الأول لإنتاج الكهرباء في أفريقيا (سد النهضة)، الذي تراه أثيوبيا نقلة تنموية سيغير وجه أفريقيا وسيعزز مكانتها في العالم وهذا ما تنشده أديس أبابا، في حين تراه القاهرة تهديداً لأمنها القومي، خاصة أن محاولات بناء سد على مجرى نهر النيل الأزرق لم تتوقف من الجانب الأثيوبي منذ عهود مضت، فعلى سبيل المثال تم بناء سد (تيس أباي) في عهد الإمبراطور الأثيوبي (مريام هيلاسيلاسي)، إلا أن احتجاج القاهرة على بنائه دفع الإمبراطور إلى تقليل ارتفاع السد من 112 متراً إلى 11 متراً، وفي عام 1973 تم بناء “سد فينشا” 1973 وبارتفاع 25 متراً، وفي عام 1995 تم بناء سد “أويرو”، وفي 2001 تم  توسيع سد “تيس أباي”، كما تم بناء سد “تيس أباي 2″، واليوم تمتلك أثيوبيا (19) سداً مائياً لتوليد الكهرباء خمسة منها على مجرى النيل مباشرة، أما سد النهضة فهو السد الأهم بالنسبة لأديس أبابا التي تهدف من خلاله أن تكون أحد أكبر منتجي الكهرباء في قارة المستقبل، في الوقت الذي ترى فيه القاهرة بأن ذلك السد هو استهداف لأمنها القومي، ويبدو أن مأزق القاهرة اليوم بات يتمثل في انحسار الدور المصري في أفريقيا، ومن الجدير بالذكر أن النخبة المصرية غالباً ما تتحدث عن “محدودية” الدور المصري في أفريقيا، فالاستثمارات المصرية محدودة إلى حد ما، كما أن تحول أفريقيا لساحة تنافس بين القوى الإقليمية ضاعف من تحجيم الدور المصري، فعلى سبيل المثال وقعت تركيا وأثيوبيا اتفاقية تعاون عسكري صادق عليها البرلمان الاثيوبي، واتفق الطرفان على إقامة منطقة تجارة حره بعد أن تدفقت الاستثمارات التركية على أديس ابابا، وتوجد 352 شركة استثمارية تركية في أثيوبيا ، كما نجحت أديس أبابا بالتعاون مع الصين في تدشين خط سكة حديد يربطها بميناء جيبوتي، والذي سيبدأ نقل الركاب وفي رحلات يومية في يناير 2017 ، وتعتزم أديس أبابا بناء شبكة سكة حديدية طولها 5000 كيلو متر لتربطها بكينيا والسودان وجنوب السودان وسينتهي العمل بها عام 2020، ومن الجدير بالذكر أن أثيوبيا لديها قوات بحرية مُسلحة في جيبوتي، تخضع لتدريبات بشكل دوري ويتم تحديث سلاحها، وهذا يعني أن أثيوبيا لها استراتيجية بعيدة المدى تعمل على تنفيذها نستخلصها في حكمة الملك الأثيوبي ” عيزانا”  عندما نجح في تدمير مملكة مروي: ” أنا عيزانا سليل هالين صاحب أكسوم، وحِمير، وصاحب ربدان،وسبأ، وسلحين، وصيامو، والبجة، ملك الملوك حاكم كاسو”، ومن هذا الحديث يمكن أن نستشف أن أثيوبيا لديها نزعه تاريخية تتطلع لتحقيقها.

أما إسرائيل، الحليف الأقوى لأثيوبيا تنظر لأثيوبيا بنظرة خاصة تختلف عن قريناتها الأفريقيات، فهناك مبدأ ديني يؤمن بها الشعبان الأثيوبي والإسرائيلي، وهو أن الملكة بلقيس (ملكة سبأ) التي كانت تحكم اليمن والحبشة عندما ذهبت إلى القدس وتزوجت بسيدنا سليمان عليه السلام أنجبت طفلاً الذي أصبح بعد ذلك الجد الأول الذي جاءت منه سلالة ملوك الحبشة، وهذا ما يفسر عمق العلاقات الإسرائيلية الأثيوبية ودعم تل أبيب للمشاريع التنموية في أثيوبيا، ودعم أديس أبابا لتل أبيب وأنشطتها في جميع المنظمات الأفريقية، وتبدو أثيوبيا في تلك العلاقة مع إسرائيل كأسراب الطيور المفطورة على الهجرة لمكان محدد كل عام .

يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أن تدعم دول القرن الأفريقي وحقها في التنمية التي تنشدها بحيث أن لا يؤثر في المقابل على الأمن المائي المصري، وبالرغم من تضاعف الأصوات التي تدفع الأمور لمزيد من السلبية بين القاهرة وبعض دول الخليج العربي بسبب قرار القاهرة الأخير في مجلس الأمن والذي جاء مُسانداً للقرار الروسي، وإثارة الشائعات المُغرضة بالقول ببدء تكوين تحالف روسي إيراني مصري،  إلا إني أرى بأن على الطرفين الخليجي والمصري إيجاد طريقه أكثر إيجابية لوقف تدهور العلاقات الخليجية المصرية والذي ليس في صالح كلا الطرفين، لقطع الطريق على أي مشروع تحالفي تسعى إليه بعض القوى الإقليمية المُعادية لأمن المنطقة العربية.

*عيزانا”: هو أول ملوك العهد المسيحي في مملكة أكسوم

أمينة العــــــــريمـــي

باحثــــة إمـــاراتيـــة فــي الشـــأن الأفــــريقــــي

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى