جالكعيو وإجهاض الاتفاقيات:

مع استمرار مواجهات دامية تشهدها مدينة جالكعيو حاضرة محافظة مدغ في الآونة الأخيرة, والتي  نتج عنها خسائر بشرية ومادية كبيرة, بالإضافة إلى نزوح أكثر من 70 ألف أسرة, إلا أنه أعلن في الأسبوع المنصرم اتفاقية أبو ظبي لإنهاء أزمة جالكعيو بالوساطة الإماراتية, والتي وافق عليها طرفي الصراع يمثلهما رئيس إدارة  بونت لاند عبد الولي علي غاس, ورئيس إدارة جلمدغ عبد الكريم جوليد, اللذين كانا ضمن وفد من القيادات الصومالية المجتمعة في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة.

تضمنت الاتفاقية الجديدة التي تمت في أبو ظبي خمسة بنود تمهيدية من بينها وقف إطلاق النار, وإزالة جميع المظاهر الحربية, وتعيين لجان تفاوض, لكنه لم يتحقق بعد في أرض الواقع أي بند من هذه البنود في أرض الواقع, الجدير بالذكر  أنّ هذه ليست الاتفاقية الأولى من نوعها التي يوقع عليها الجانبان فقد سبق أن أبرمت الإدارتان مثل هذه الاتفاقية في عام2015, ولكن سرعان ما تمّ خرقها وانفجرت الأوضاع بسبب  الأرضية غير الصلبة التي كانت تقف عليها تلك الاتفاقية .

وهنا نتساءل عن حقيقة وجود عنصر ضمان جديد حتى لا يكون مصير هذه الاتفاقية كمصير سابقتها, رغم وجود مؤشرات لاتبشر بالخير.

مدى فاعلية الاتفاقية الجديدة: بما أن الإمارات حاضرة بقوة في الساحة الصومالية وتتمتع بقبول طرفي صراع جالكعيو , تعطى الاتفاقية وزنا إضافيا تتميز به عن نظيرتها السابقة, إلا أن هناك عوامل رئيسية, ترتبط بها فاعلية الاتفاقية أهمها ثلاثية القبيلة والولاية والدولة, ويتحتم التركيز على  تحليل أنماط التفاعلات فيما بين هذه المكونات الثلاثة, وتوزيع الأدوار بينها,  وذلك للوصول إلى حل جذري لهذه الأزمة المتكررة,  كما يكون هذا الحل المنشود رهنا  بمدى جدية الأطراف المتنازعة في إنهاء الأزمة, وواقعية الحلول المطروحة .

تشخيص المشكلة : يتحتم عند البحث عن حلول جذرية التعرف على المسببات الأساسية والكشف عن مكامن الخلل,  وبما ان الجميع قد يتفق أن مشكلة  الصومال عموما و جالكعيو خصوصا لها جذور اجتماعية وسياسية, إلا أن هناك تمايزا أكبر  بين حجم هذه المظاهر  في بعض المناطق مقارنة مع غيرها,  على اختلاف حول تفاصيل هذه العموميات, وذلك ينبع من الارتباط المباشر أو غير المباشر لبعض  المظاهر  مع الأزمة القائمة.

وعند التعمق يبدو أن الأزمة المتكررة في مدينة جالكعيو لها ارتباطات متفاوتة مع رباعية التركيبة الاجتماعية غير المتجانسة, والتقاسيم الجغرافية غير  المضبوطة, والمليشيات والأسلحة المنتشرة, بالإضافة إلى الأطماع التوسعية مغذاة كلها بالنزعة المدقية متمثلة بالأنانية المفرطة وإلغاء الآخر , فعند التعامل بجد يّة مع هذه الرباعية, وإيجاد حلول جذرية لها, يسهل ترسيخ دعائم السلام في المدينة وتفادي تكرار  الأزمة .

حلول جذرية :  الاكتفاء بمعالجة أعراض المشكلة دون  التعمق وتشخيص جذورها للبحث عن حلول جذرية دائما ما تسرع تكرار نفس المشكلة ولنفس الأسباب, والكل يدرك سرعة عودة الأزمات والأحداث الدموية في جالكعيو بعد كل محاولة حلّ. الأمر الذي يمكن إرجاعه إلى اتصاف أطراف النزاع عند التفاوض بعدم الجدية والصراحة والجرأة, مما يجعل مضامين كل الاتفاقيات فارغة المحتوى, حيث لا تعالج جذور الأزمة ومسبباتها الرئيسية التي لخصناها في الرباعية السالفة الذكر, وفي هذا الواقع الحالي لا يمكن إيجاد حلول للأربعة كلها – وإن كان ذلك الحل الأمثل – لتصادمه مع الإملاءات الواقعية التي لا يمكن تجاهلها, حيث لا يمكن بسهولة مثلا معالجة التركيبة الاجتماعية  غير المتجانسة للمدينة, أو جعل المدينة منطقة معزولة عن السلاح والمليشيات ، إلا أنه يمكن القول أن الحل الأنجح يكمن باتخاذ القرار الحاسم بالتوجّه نحو الاندماج الكامل أو الفصل الكامل مع ما يتطلبه من الجرأة الفائقة من الطرفين على حدّ سواء، وذلك ترسيخا لدعائم السلام, وإن كانت الأولى أعني الاندماج في غاية الصعوبة, حيث يترتب منه إزالة كافة التقسيمات والفوارق الاجتماعية وبدء مسلسل الاندماج الذي لا يكون كافيا فقط بالاندماج الإداري, بل لا بد أن يتعدّى إلى الاندماج المجتمعي والموضعي متمثلا في عملية توحيد الخدمات,  والمصالح, وبالفعل يكون هذا في غاية الصعوبة نظرا للرواسب التاريخية السلبية في المنطقة, وبالتالي لا يبقى معنا خيار آخر يتواكب مع الواقع الحالي غير الفصل الكامل المقصود بوضع تقاسيم ذات معالم محددة, وتجاوز وضع التعليق الحالي الذي كثيرا ما يؤدي إلى الاصطدامات المتكررة .

زر الذهاب إلى الأعلى