ضرب الأطفال.. بين التأديب والتعنيف

تربية الأطفال من أهم المهام المنوطة بالمربّي، سواء أكان والداً أم معلّما، فالأبناء أمانة في أعناق المربّين، فإذا كانت أفضل مرحلة للتربية هي مرحلة الطفولة؛ لتميُّزها بالمرونة والاستجابة للفعل التربوي من المربّي، فإن الهدف من التربية أساسا هو إعطاء إرشادات وتوجيهات للطفل لينمو نموّا سليما، ويكون ذا شخصية متوازنة، بما يهيئه ليتبوّأ مكانته في المجتمع.

وما دفعني إلى كتابة هذا المقال، هو عندما رأيت في أوساط مجتمعي ما يمارسه المربّون على الأطفال من ضرب وعقاب بدني بحجة تربيتهم وتهذيب سلوكهم المِعوجّ؛ حيث يلجؤون بطرق شتى لمعاقبة الطلبة، كأن يستخدموا عصا غليظة أو أشياء أخرى تجرح أحيانا أماكن حساسة في جسدهم، مما يؤدي إلى جروح عميقة أو يترك ندوبا في تلك المناطق، واستخدامهم في بعض الأحيان طرقا أخرى أشد من الضرب؛ كاللطم واللكم. هؤلاء المربّون يظنون أن فعلتهم هذه تهذّب سلوكا، ولكن بالعكس، قد تؤثر في نفس الطفل تأثيرا سلبيا يترك عواقب غير محمودة.

فتأديب الأطفال أمر ضروري، ولكن باستخدام أساليب تربوية فعّالة، تغرس سلوكا حسنا ولا تدمّر عقلية وتفكير الطفل. ولهذا ﻳﻘﻮﻝ “ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ” ﻓﻲ (ﺗﺤﻔﺔ ﺍﻟﻤﻮﺩﻭﺩ): “ﻭﻣﻤّﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺝ ﺍﻻﻋﺘﻨﺎﺀ ﺑﺄﻣﺮ ﺧُﻠُﻘﻪ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻨﺸﺄ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﻮّﺩﻩ ﺍﻟﻤﺮﺑّﻲ ﻓﻲ ﺻﻐﺮﻩ”.

ومع أن التربية مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق المربّين – ليخرّجوا جيلا قويا وقادرا على التغيير والإصلاح- إلا أنّ لها قواعد وأصولاً يجب اتباعها من حيث الإثابة والعقاب. فقد ذكر الأستاذ “محمد يماس” في كتابه (كيف تغيّر سلوك طفلك) ثلاث عشرة وسيلة تربوية للتغيير، سأعرض لكم بعضا منها بالإيجاز:

– التعريض: وهو أن ينقد المربّي السلوك الخاطئ قبل أن ينقد الطفل أو يوجه إليه الحديث مباشرة، وبذلك يكون هناك فرصة للطفل لمراجعة سلوكه وتصحيح أخطائه.

– التوجيه المباشر: كمجالسة الطفل والتحاور معه والحرص على قوة المزاج النفسي بين الطفل والمربّي، وبذلك يتقبل ما يمليه عليه من توجيهات سلوكية وإيمانية وتربوية.

– الانطفاء: وهو التغافل عن الطفل حين يعمل شيئا مذموما، لأن التغافل عن كثير من جوانب السلوك المزعجة سيؤدي إلى اختفائها تدريجيا، خاصة إذا كان السلوك الخاطئ محاولة من الطفل للضغط على مشاعر الأهل ليلبّوا مطالبه.

– عدم تخويف الأطفال بوالدهم كعقاب، بل من المستحسن أن يباشر المربّي عقاب الطفل.

– آخر الدواء الكي: العقوبة الجسدية تكون بالضرب والتهديد والصراخ في وجه الطفل عندما يصدر منه سلوك غير مرغوب فيه، وفي حال اضطّر المربّون للجوء إلى هذا الأمر كحل نهائي، عليهم أن يتدرّجوا في استخدامه، فلا يقعوا على الطفل بالضرب المبرّح أو يستعملوا الآلات الحادّة.

وفي الختام، يستطيع المربّون أن يستفيدوا من هذه الوسائل مع المهارة والخبرة المتطورة التي تمكّنهم من تربية جيل ناضج؛ علميا وتربويا، وقادرا على المساهمة في بناء المجتمع وتطويره، دون اللجوء إلى تعنيفهم عند مباشرتهم أمر تهذيب سلوك الأطفال.

نعيمة حسن حسين

خريجة الجامعة الإسلامية بمقديشو، وأستاذة في مؤسسة الإمام الشافعي.
زر الذهاب إلى الأعلى