وقفات مع تحدّيات أمام المبعوث كيتينغ  

على عكس أسلافه يمضى ميشيل كيتينغ معظم أيّامه متنقلا بين نيويورك ولندن، كما أنّه قليلا ما يقوم بجولات إلى الإدارات الإقليميّة داخل البلاد فى وقت تتطلّب فيه الدبلوماسيّة الأممية بذل المزيد من الجهود لمساعدة الصومال لتخطّى تحدّيات 2016 وما ينتظرها من المخاض العسير التي ستشهدها البلاد في هذه المرحلة المفصلية، وما يصاحبها من أعراض بدأت تظهر بوادرها بقوة بعد التأجيلات المتكرّرة للمواعيد الانتخابيّة.

تمّ تعيين ميشيل كيتينغ خلفا لمواطنه البريطانى نيكولاس كى فى بدايات العام الماضى ليكون المبعوث الخاصّ للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصومال، وكذلك رئيس بعثة المساعدات الدولية إلى الصومال. وعلى الرغم من أن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة الصومال كان يفترض أن تنقل مقرّها الرئيسي بالكامل إلى العاصمة مقديشو، وأن تفتتح مكاتب لها في كل من مدن جروي وهرجيسا وبيدوا حسب ما أعلن عنه المبعوث السّابق نيكولاس كاى قبل ثلاث سنوات، إلّا أنّ مكاتبها لا تزال غير فعّالة على الأرض وينحصر نشاطها فقط فى مجمّع حلنى بمقديشو ناهيك عن باقى البلاد بينما تقوم بمزاولة جلّ أعمالها من كينيا المجاورة.

وعلى الرغم من الخبرة الطويلة للرجل السبعينى الحائز على ماجستير فى أدب التّاريخ من جامعة كامبريدج –لندن ومشاركته فى العديد من الأدوار القياديّة ضمن البعثات الدولية إلى ملاوى وباكستان وأفغانستان وسوريا وغيرها إضافة إلى شغله منصب نائب مدير المعهد الملكى للعلاقات الدوليّة إلّا أنّ أسلوبه فى التّعامل مع القضيّة الصوماليّة لا يرتقى إلى مستوى التّطلّعات ولا ينمّ عن فهم عميق لمكوّنات السّياسة الصوماليّة المتخبّطة وتعقيداتها القبليّة المتشعّبة

يصفه البعض بـ المتغطرس والمتعالى كونه لا يحبّذ الإختلاط مع القيادة الصومالية كما كان يفعله ولد عبد الله وماهيغا وحتى سلفه نيكولاس كاى حيث كانو جميعهم يحرصون على الظّهور ببساطة وتلقائيّة معهم فى اللّقاءات والمناسبات بمظهر الشريك لا بصفة الآمر والنّاهى ولعلّ هذه البراغماتيّة عند التّناول مع المسائل الحسّاسة هى الّتى ساعدتهم نسبيّا فى أداء مهامهم كونها بمثابة المخدّر للحضور والتغلغل فى المشهد , لكنّ آخرين يرونه أكثرهم انضباطا وأقلّهم استخداما للتّدخّل والتّأثير.

المبعوث فى كلّ مرة يتحدّث عن الشأن الصومالى وعن الاستحقاقات القادمة، يحبّ التأكيد على أمرين أوّلهما: ضرورة إقامة انتخابات نزيهة وشفّافة، وهو أوّل من يدرك استحالة النّزاهة والشفافية فى بلد يحتل صدارة قائمة الدّول الأكثر فسادا بلا منازع طيلة السّنوات الأخيرة , كما أنّ نظام الانتخاب غير المباشر والّذى يعتبره أكثر تمثيلا وشموليّة لا يقلّ سوءًا عن نظام التّعيين عن طريق 135 من وجهاء القبائل والثّانى : أهميّة إعطاء المرأة تمثيلاً نسويًّا فى البرلمان القادم بنسبة 30% , وتعتبر هى الأخرى جملة روتينيّة للاستهلاك الإعلامي فقط؛ لأنّه يتعذّر عمليّا حجز مقاعد بالنّسبة المذكورة فى ظلّ سباق عامّ لا يرحم القوىّ فيه الضّعيف ولا الذّكر بالأنثى , كان يلزم اقتطاع نصاب الثّلث المذكور من جملة المقاعد البرلمانيّة وتخصيصها خصّيصا للمرأة لا يسمح بالتّرشّح لها إلاّ لهنّ، حتّى تكون النّسبة مضمونة وإلّا فإنّ ذلك مستبعد الحدوث فى ظلّ سباق مفتوح  خصوصا أنّ هذه النّسبة من التّمثيل البرلمانى (التّعجيزى) للمرأة غير موجود حتّى فى بريطانيا بلد المبعوث نفسه.

الرجل كثيرا ما يتذبذب بين إعطاء الحكومة الفدرالية الكلمة الفصل فى شأن اتّخاذ القرارات المصيريّة ومطالبتها بعدم اتّخاذ أىّ موقف إلّا بموافقة جميع القيادات السبع داخل منتدى التّشاور الوطنىّ ( تشكيل لجنة الانتخابات مثالا) حيث رحّب بالخطوة العام الماضى عند تشكيلها وأعرب عن مباركته لها غير أنّه عاد وأكّد على ضرورة إشراك كلّ الأطراف فى الأمر , هذا الأسلوب الغامض والتّعامل مع الأعراض لا مع المسبّبات استنزف من الوقت والمال الكثير ولا يزال يكلف المزيد في استكمال الأعمال الانتخابية المتبقي معظمها. ومن أهمّ إخفاقاته أيضا:

  1. موافقته على النّظام الانتخابى الّذى لاتزال تعقيداته غير مبشّرة , فى حين يكتفى السّيد المبعوث بالاستنكار والشّجب فقط حال حدوث تخلّف عن الموعد المقرّر لإجرائه بدل المتابعة والعمل على تذليل العقبات من الأساس كجزء من عمله، والجدير بالذّكر أنّ التّنديد الأخير بعمليّة التأجيل للمرّة الثّانية فى معرض حديثه عن الصومال لدى الأمانة العامّة فى نيويورك يوم الثّلاثاء يختلف عن سابقيه ليس لأنّه أعرب عن شعوره بالإحباط وإنّما فى اتّهامه القيادة الفدراليّة بالاستفادة من ذلك من أجل احتكار القوّة والتأثير على العملية الانتقاليّة، هذا التصريح قد يشكّل تحوّلا جديدا فى موقف الرّجل وسيتّضح ذلك خلال الأسابيع القادمة الحاسمة
  2. تكملة تشكيل الإدارات الإقليمية (العجزعن تشكيل إدارة لإقليمى هيران وشبيلى الوسطى نموذجا) حيث لم تحاول البعثة الأمميّة نزع فتيل أزمة الثّقة بين الحكومة الفدراليّة وبعض وجهاء القبائل القاطنة هناك فى الأطوار الأولى من المسألة.

 الآن وفى هذه المرحلة تبدو الحلول شبه مستعصية وخارجة عن نطاق السّيطرة

  1. ضعف التّنسيق مع الجيش الوطنى وقوات الأميصوم حيث شهدت فترة المبعوث كيتينغ تراجعا كبيرا فى أداء قوّات الأميصوم متمثّلا فى سلسلة من النّكسات أمثال ليغو وجنالى وعيلعدى
  2. التّجاهل التّام لمعاناة النّازحين الصوماليّين المهجّرين قسرا من المخيّمات الكينيّة ولا يزال بعضهم معلّقين على حدود البلدين فى وضع أقلّ ما يمكن وصفه بـ الكارثى

زر الذهاب إلى الأعلى