قانون “جاستا” والحملة الإعلامية على العربية السعودية (الأهداف وسبل المواجهة)

لتحميل الملف أنقر على: قانون جاستا والحملة الإعلامية على العربية السعوديةPDF

مقدمة

قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب والمعروف اختصارا باسم JASTA هو قانون أقره الكونغرس الأمريكي يضيق نطاق مبدأ الحصانات السيادية الأجنبية ويتيح للمواطنين الأمريكان رفع دعاوى قضائية ضد أي دولة إذا ما تم تحديدها كدولة راعية للإرهاب من قبل وزارة الخارجية الأمريكية. ويسمح هذا القانون بمحاكمة حكومات المتورطين بالعمليّات الإرهابية وليس المتورطين أنفسهم فحسب، بحيث يتاح للأسر المتضررة حق مطالبة هذه الدول بتعويضات ماديّة من خلال اللجوء إلى محامين لمرافعة هذه الدول ومثولها أمام المحاكم الفيدرالية، ومن ثمّ إلزامها دفع التعويضات في حال تمّت الإدانة، أي أن القانون باختصار شديد يسمح للأفراد بمقاضاة الدول!

وعلى الرغم من معارضة البيت الأبيض لهذا المشروع إلا أنّ القانون صدر بإجماع مجلس الشيوخ. ولا يتضمن القانون نصًّا صريحا على أهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولا إشارة واضحة إلى المملكة العربية السعودية بالاسم، ولكنّ صياغته توحي ضمناً بأنه يسمح لأهالي وأسر الضحايا بتقديم دعاوى قضائية ضد الدولة التي كان منفذو هجوم11 من سبتمبر ينتمون إليها للمطالبة بتعويضات بحكم كون بعض منفذي الهجوم من مواطنيها. وبهذا قد تطال المطالبات المتوقعة دولا عربية عدّة منها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات واليمن، لكن المستهدف الأكبر هنا هي المملكة العربية السعودية لأسباب نذكرها في ثنايا حديثنا عن هذا القانون.

ما الهدف من قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب؟

  • إظهار أمريكا نفسها بمظهر راعى السلام الأقوى والقادر على الاقتصاص من الجناة أفراداً أو دولا مقصّرة لا تعترف بحدود الحصانات السياديّة.

فأمريكا بهذا القانون تبرئ نفسها من أيّ خطأ أو تهمة بارتكاب أعمال إرهابية أو القيام برعايته بأي شكل من الأشكال، وتقدّم نفسها على أنها الراعية الأكبر للسلام والأمن في ربوع العالم، والمدافعة الأقوى بلا حدود عن حقوق ضحايا الإرهاب من رعاياها ليس ضدّ التنظيمات والأفراد فحسب بل كذلك ضدّ الدول والحكومات التي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد والتنظيمات لمسؤوليتها التقصيريّة فيما ارتكبوه من أعمال.  ناسية أو متناسية وجود أعداد كبيرة تقدّر بالآلاف من مواطنيها في سوريا والعراق وأفغانستان مقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وطالبان والقاعدة. ومستخفة ذكاء العالم بمحاولة إقرار أن ذمّة أمريكا خالية من المسؤولية تجاه هؤلاء وأنهم هم من يتحملون المسؤوليّة الكاملة عما يقومون به من أعمال إرهابيّة، وأنهم لا يمثلون أمريكا وإنما يمثلون أنفسهم، في حين أنها في هذا القرار تعتبر المقاتلين الآخرين يمثلون دولهم كما هو مبطن في عمليّة إصدار هذا القانون الأحاديّ الجانب من محاكمها المحليّة وغير المخولة لممارسة أدوار الأمم المتحدة.

كما أن أمريكا بهذا القانون تريد إلغاء مبدأ الحصانة السيادية للدول لتكون عرضة لاستباحتها الدائمة وملاحقتها كالأفراد، تحاكم هذه بمزاعم رعاية الإرهاب، وتهاجم تلك بنفس الدواعي، لتتأثر العلاقات الدولية سلبا وتنهار الثقة بين الدول نفسها، وبين الدول والأمم المتحدة من جهة أخرى، مما ينقل إليها مستقبلا سلطات وأدوار الأمم المتحدة.

  • استحلال ودائع الدول العربية في البنوك الأمريكية:

تواجه أمريكا أزمة اقتصاديّة عامة وعجزاً في الميزانية نتيجة الإنفاق العسكري ,والمعونات المقدّمة لإسرائيل، ولذلك تستهدف التفليس العمديّ المنهجيّ المنظّم للدول العربية وخصوصا تلك التي أودعت أموالها في البنوك الأمريكية بغرض ابتلاع  هذه الأموال والاستيلاء عليها من خلال استصدار قانون يسمح بمحاكمات تؤدّي إلى السطو على هذه الودائع.

لا تتوفر إحصاءات بحجم الودائع والاستثمارات العربية في البنوك الأمريكية لكن يعتقد بأنها بالتريليونات من الدولار لأمريكي، وليس من شك أن هذه الأموال والاستثمارات العربية بالخارج أصبحت في خطر داهم. معرضة للتجميد والمصادرة إذا طلبت أسر ضحايا 11 من سبتمبر تعويضات من أيّ دولة عربية، ولتكن مثلا السعودية – حسب ما أثير عن ذلك إعلاميا – وحاولت تلك الدولة رفض هذا الطلب وأنكرت التهمة الموجهة ضدها برعاية الإرهاب فإنه لا شكّ سيتم تجميد ودائعها أو تصادر بعد محاكمة غيابية، ومن ثم تصرف إلى أسر المتضررين ليصبحوا أثرياء ويحلوا محلّ أثرياء العرب!

  • الوقيعة بين الشعوب وحكامهم.

عندما توجه اتهامات وتثار شائعات ضدّ بلد ما وتشوّه سمعته من خلال وصمه برعاية ما يسمى الإرهاب، من شأن ذلك أن يؤدّي إلى انعدام الثقة بين الشعب وحكومته وتصبح العلاقات الاجتماعية ضعيفة مهزوزة وتنمو الروح السلبية والعدائية من الشعوب تجاه حكامهم، خاصة إذا رضخت حكومتهم لمطالبات تعويض ضحايا 11 سبتمبر وانصاعت لقانون الابتزاز(جاستا) لما يعنيه ذلك من الاعتراف الضمني بالجريمة، أو الضعف عن دفع الأعمال العدائية التي تستهدف سمعة البلاد ومكانتها بين بلدان العالم.  وبالتالي تصبح وحدة المجتمع وتماسكه مهددة بخطر جدي حيث تكثر احتمالات التمرّد والثورة ضدّ الحكومة، وخصوصا أن تهمة رعاية الإرهاب هذه تأتي في وقت يواجه فيه العالم العربي التهديد الإرهابي والإيراني، لأن اللوبي الأمريكي بارع في اختيار مواسم عصف الرياح لاصطياده.

  • ورقة ضغط تستخدمها أمريكا متى شاءت:

أمريكا بارعة في اختراع أساليب متنوعة لإخضاع الدول، فحيث لم يفلح فرض العقوبات على الدول التي تعتبرها معادية لسياساتها أو تشكل بشكل أو بآخر تهديدا على أمنها القومي، وحيث لم تفلح كذلك سياسة الهجوم العسكري، كان لزاما عليها ابتكار وسيلة جديدة لابتزاز وإخضاع الدول.

قانون جاستا يندرج في إطار الخطة الأمريكية العامة التي تستهدف حفظ مكانتها كأقوى دولة في العالم، وبالتالي هذا القانون ليس إلا وسيلة من وسائل حفظ المكانة وإخضاع الدول التي تحاول الظهور، لأنه جاء بعد أن هبت المملكة العربية السعودية والدول العربية والإسلامية معها في التحالف للدفاع عن الدول العربية والإسلامية من الأخطار التي تهددها، فهبت لنصرة اليمن وبعدها سوريا عسكريا وإنسانيّا، وذلك دون حتى استشارة أمريكا التي أعطت لنفسها دور عرّاب دول المنطقة.

هذه السياسة النوعية، سياسة إنقاذ الدول من التفكك والانهيار والدمار مع إغاثة المحتاجين والمتضررين التي تنتهجها السعودية، لم تعجب الولايات المتحدة الأمريكية بل وجدتها تشكل خطرا عظيما يهدد مكانتها في العالم، لأن سياسة السعوديّة في هذه القضايا – كما في رأي أمريكا – أهملت وحيّدت دولة عظيمة كانت تتولى زمام المبادرة في كل شيء!

الحملة الإعلامية على المملكة العربية السعودية (الإطار الكبير لهذا القانون)

من المعلوم أن الحملة الإعلامية الشرسة والخبيثة التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية من قبل أمريكا وبعض الدّول الأوروبيّة ليست وليدة الظروف والتقلبات السياسية الراهنة، كما أنها ليست مواقف فردية مبنية على رؤى فكرية قاصرة يتبناها متطرفون من حملة الإعلام في الغرب خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001

لكنها حملة منظمة وممنهجة وظفت لها المؤسسات الإعلامية في الغرب إعلاميين وصحفيين وكتاب رأي كبار يحملون ضغائن وأحقادا دفينة وكراهية مقيتة ضد الملكة العربية السعودية وشعبها، مستهدفة مكانتها ومقدراتها ومحاولة النيل منها وتلطيخ سمعتها في الخارج بل وتجييش الرأي العام المحلي والعالمي عليها بهدف زعزعة أمنها واستقرارها وتفكيك نسيجها الاجتماعي وضرب اقتصادها، وكانت الحملة الإعلامية ضد السعودية فيما مضى موجهة إلى النظام القضائي وتطبيق بعض العقوبات مثل عقوبة الاعدام على مروجي المخدرات مثلا، وإلى وضع المرأة وحقوقها وغير ذلك من القضايا التي  من حق كل الدول اختيار أو سن ما يناسبها من القوانين بالنظر إلى ثقافتها وخصوصيتها فيها،. بيد أن تلك الحملات باءت بالفشل بسبب وقوف الشعب السعودي إلى جانب قيادته ومواجهته لتلك الحملات التشويهية بصرامة.

نقاط ارتكاز الحملة الجديدة:

أما هذه الحملة الجديدة فتتركز على ثلاث نقاط رئيسة هي:

أولاً: محاولة جادة من بعض الكتّاب لربط المملكة العربية السعودية بالتطرف والإرهاب. حيث يتنقد أولئك مستوى تعاون السعودية مع التحالف الدولي لمحاربة ما يعرف بالإرهاب، والذي تشكل المملكة جزءا مهما من أعضائه، متهمين إياها بعرقلة نقل المعلومات التي من شأنها أن تساعد في الحرب على الإرهاب والتقصير في أداء دورها، وهو ما تنفيه المملكة جملة وتفصيلا.

أما النقطة الثانية: فهي محاولة وصمها بالإرهاب من خلال استهداف المؤسسة الدينية ذات التوجه السلفي أو ما يطلق عليه أحيانا بالفكر الوهابيّ نسبة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي الذي قاد حركة إصلاحية تدعو إلى توحيد الله واتباع الكتاب والسنة والتخلص من البدع ونبذ الطقوس والممارسات المشوبة بشبهات الشرك، فالمساس والتشهير بهذه المؤسسة ورميها بالتعصب الدّينيّ والمذهبيّ وتصويرها بأنها تفرخّ الإرهاب وويلاته في العالم، هو ما ترمي إليه هذه الحملة الهجوميّة على المملكة وعلمائها.

الحقيقة أن المتابع لأحوال العالم الإسلامي يعرف تماما موقف علماء المملكة ومؤسسة الفتوى فيها والمتمثلة بهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة من التطرف وشجبها واستنكارها لكل ألوان التطرف واللجوء إلى العنف وحمل السلاح في وجه الحكومات الشرعية. وتشويه سمعة هذه المؤسسة هو هجوم مباشر على المملكة العربية السعودية التي تعتز بهذه المؤسسة.

في حين تتمثل نقطة الارتكاز الثالثة لهذه الحملة في وصف المملكة بأنها صانعة الإرهاب وإجراء مقارنة بينها وبين التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام المعروف بداعش. يقول أحد الكتاب في مقال له ترجمته صحيفة نيو يورك تايمز ذات الانتشار الواسع بعد أن أجرى مقارنة بين ما أسماه داعشًا أبيض وداعشًا أسود يقول: “إن الغرب يشن حربا على واحدة بينما يصافح الأخرى“. ويضيف قائلا: هذه آلية الإنكار والإنكار له ثمنه، والحفاظ على التحالف الاستراتيجي الشهير في خطر، والخطر هنا يكمن في نسيان أن المملكة كذلك تعتمد على تحالف مع رجال دين “علماء” هم من ينتج ويشرع، وينشر ويدعو ويدافع عن الوهابية التي هي الشكل المتزمت للإسلام الذي تتغذى عليه ” داعش”. ويقول في نهاية مقالته “كما أن لدي داعش أمّا وهي غزو العراق، فلها أب كذلك وهو المملكة العربية السعودية ومجمعاتها الصناعية الدينية – لاحظ تعبير المجمعات الصناعية الدينية – وما لم يتم فهم هذه النقطة فقد تنجح المعارك على الأرض، ولكن ستخسر الحرب. والجهاديّون سيقتلون فقط ليولدوا من جديد في الأجيال القادمة، وينشأوون على نفس الكتب”. وهذا الهجوم المباشر على المملكة العربية السعودية ومؤسساتها الدينية غيض من فيض ما تتعرض له من حملات إعلامية ممنهجة وشرسة تقف وراءها دول وسياسات.

وعلى الرغم من أن هذه الحملة ليست جديدة إلا أنها تزامنت هذه المرة مع صدور هذا القانون الذي يستهدف المملكة بشكل مباشر، وهي حلقة من سلسلة حملات يخطط أصحابها لتستمر إلى أن تحقق أهدافها المرسومة، ولن يكون هذا القانون آخرها.

المملكة دولة إنسانية لا إرهابية

تمثل المملكة العربية السعودية مركز الروح الإسلامية في العالم، وهي رمز لأكثر من مليار وربع المليار مسلم حول العالم بصفتها مهد الإسلام الأول، وحاضنة قبلته، وموطن الحرمين والمشاعر الإسلامية المقدّسة، وقائمة على خدمتهما وخدمة الحجاج المسلمين من شتى أصقاع العالم. كما أنها تتعاطف مع قضايا العالم الإسلامي وخاصة القضية الفلسطينية التي هي قضية إنسانية قبل كونها قضية عربية أو إسلامية، ومواقفها من هذه القضية وغيرها من قضايا العالم الإسلامي كقضية مسلمي الروهينجيا ثابتة منذ مؤسسها الأول الملك عبد العزيز يرحمه الله.

والمملكة تحتل الصدارة في مساعدة المحتاجين واللاجئين في البلدان التي تشهد صراعات وكوارث دون النظر إلى عرقهم أو ديانتهم، فقد كانت سباقة إلى تقديم المساعدات العينية للشعوب والدول التي تضررت نتيجة الحروب والمجاعة. وتأسيس الهيئة العليا لمساعدة متضرري الجفاف والمجاعة والحرب في الصومال والبوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها، وما حققته في هذه البلاد من إشباع للبطون الجائعة، وإنقاذ لحياة البشر خير دليل على إنسانية المملكة، وهيئتها كانت تتعامل مباشرة مع ضحايا الكوارث في كل مكان في العالم بخلاف الهيئات الغربية التي كانت “سائحة في الكوارث “وراقصة على جماجم الضحايا” حسب تعبير أحد الكتّاب.

كذلك تقدّم المملكة مساعدات ومنحا ماليّة إلى الدول الفقيرة لدعم البنى التحتية فيها وتطوير القطاعات الحيوية المختلفة. وقد بلغ إجمالي مساعدات السعودية المالية المباشرة للدول العربية خلال 40 شهراً أكثرمن85 مليار ريال أي ما يعادل 22.7مليار دولا ر حسب تقرير نشره موقع رووداو السعودي في الثامن عشر من شهر أيار /مايو 2015.

ووفقا لتقرير آخر أعدّته كل من الوزارة الخارجية السعودية ووزارة المالية، والصندوق السعودي للتنمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المملكة بلغت المساعدات الإنسانية الخارجية خلال عقدين أكثر من مليار متخطية نسبة المساعدات الإنمائية الإجمالية للدخل القومي عالميا، حسب ما نشره موقع العربية نت في السادس عشر مايو من هذا العام 2016، واستفاد من هذه المساعدات الإنسانية أكثر من 80 دولة في العالم، مما يجعل المملكة من الدول السباقة إلى دعم الدول الفقيرة

سبل مواجهة قانون “جاستا “

وسواء تمّ تمرير قانون جستا من قبل الدوائر المختصة به في الولايات المتحدة أو تعثّر تمريره، فإنّ مجرّد الإعلان عن إجراء كهذا أو ظهوره إلى العلن يشكّل استفزازاً سافرا للدول المستهدفة، ويكشف عن نيّة مبيّتة مقيتة لدى صناع القرار الأميركي تجاهها، وعن زهادة في علاقاتها ومصالحها معها والعزم على التضحية بها إذا تطلّب الأمر، مما يستوجب الرد عليه بخطوات عملية لتفويت الفرص على تطبيق هذا القانون حال إجازته، وإسقاط اعتبار الدولة المستفزة بالمثل، بدل عبارات الشجب والاستنكار والإدانة، وانتظار وضع السكين على الرقبة.

  • التكاتف الدولي ضد القانون.

بناء على ما يمثله هذا القانون من تلاعب في قوانين ومبادئ العلاقات الدولية القائمة على الحصانة السيادية، ونسف لاحترام سيادة الدول، وما يمكن أن يترتب على ذلك من فوضى في هذه العلاقات، حيث يتوقع أن ترد الدول المستهدفة بسن قوانين مماثلة من باب المعاملة بالمثل، والباب يكون مفتوحاً أمام دول أخرى غير معنيّة بهذا القانون بينها خلافات سياسية وسوء تفاهم لتسن لها قوانين مماثلة تستخدمها ضدّ بعضها. مما يهدد بفوضى عارمة في احترام سيادات الدول وسلامة العلاقات بينها.

من أجل ذلك أمام السعوديّة فرصة لتقود مسعىً دوليّاً ضدّ هذا القانون للحفاظ على العلاقات وأسسها بين الدول، وسدّ الباب أمام الفوضى التي من شأن مثل هذا القانون أن يقود إليها، وذلك عبر المنظمات الدولية كمجلس الأمن ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، وغيرها من الهيئات العالمية والإقليمية.

  • استخدام الورقة المالية

وذلك من خلال سحب الودائع فورا، وهو ما يشكل ضربة اقتصادية على أمريكا، إذ تقدر الودائع السعودية في البنوك الأمريكية بما يربو على التريليونين دولار أمريكي، وفي حال تمّ سحبها سينعكس ذلك سلباً على سيولة هذه البنوك، كما أن التهديد الذي وجهته المملكة على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير ببيع الأصول الاستثمارية للسعودية في أمريكا ينبغي ألا يبقى في حدود التهديد بل يخرج منه إلى التنفيذ الفعلي، لأثر ذلك في فقدان الدولار الأمريكي قيمته واستقراره.

إن الجانب الاقتصادي هو الأقوى تأثيرا في مواجهة هذا القانون، حيث إنّه بالإضافة إلى الخسائر التي يلحقها بالاقتصاد الأمريكي كذلك يسحب ورقة الضغط الرئيسية في يد الولايات المتحدة على الدول المستهدفة للامتثال لهذا القانون، بالنظر إلى أنّه ليس أمام أمريكا وسيلة ضغط على الدول للانصياع لقانونها وحضور المرافعة سوى التهديد بتجميد الأرصدة. لذا تكون المملكة العربية السعودية قد استبقت هذه الضغوط إذا هي بادرت منذ الآن إلى سحب ودائعها والشروع في بيع أصولها في أمريكا، خاصة وأنه لا يوجد في الولايات المتحدة قانون أو تعهّدات تمنع السعودية من سحب ودائعها حاليًّا. لكن المملكة تكون قد أهدت بنفسها إلى المبتزّ وسيلة الضغط عليها إذا هي فضلت خيار التأنّي وراهنت على عدم إقدام الولايات المتحدة على حماقة كهذه يكون لها أسوأ الأثر في مرتبة تصنيفها الائتماني المتقدم بين دول العالم.

  • توجيه الإعلام نحو أمريكا:

وذلك بهدف الكشف أمام العالم العدوانيّة التي تمارسها ضدّ المملكة العربية السعوديّة بما تشن عليها من دعايات كاذبة في سياستها وجهازها للإفتاء بهدف تشويه سمعتها، وتوضيح براءة السعودية من هذه الدعايات المغرضة، وتقديم سجلّها الناصع في مجال الحرب على الإرهاب والمجال الإغاثي الإنساني، وبالمقابل فضح الوجه الإرهابي للسياسة الأمريكيّة في المنطقة القائمة على اللعب بأوتار الطائفية والعرقية والتحيز الجائر للاحتلال الإسرائيلي، حيث إنها المسؤولة عن تقسيم العراق وتأجيج فتنة السنة والشيعة وصراع الأعراق في المنطقة، كما وإدانة دعمها تنظيمات إرهابية شيعيّة من أمثال مليشيات الحشد الشيعي في العراق وحزب الله في لبنان، وكيف أن أمريكا تسببت في قتل الأبرياء في العراق وأفغانستان والصومال، ويوغسلافيا، وغيرها من البلدان التي خاضت فيها حروباً لسبب أو لآخر، كما أنها المتسبب الأكبر في ظهور التنظيمات الإرهابية المتطرّفة في المنطقة بتحيزها المطلق للاحتلال الإسرائيلي، وبسعيها المجنون وغير المحسوب وراء أطماعها الاقتصادية ومصالحها السياسية على حساب استقرار وأمن شعوب المنطقة، ولو اقتضى ذلك قتل الأبرياء والمدنيين وتدمير بلدان بأكملها.

  • الحل بالطرق الدبلوماسية.

وذلك من خلال العمل على حشد المجتمع الدولي ضد هذا القانون الذي يهمل دور الأمم المتحدة، ورفع دعوة إلى أمينها العامّ الجديد الذي قال السفير الفرنسي في حقه “أن الأمم المتحدة سيكون لديها (مع غوتيريس) أفضل ربان في هذه المرحلة من العواصف، واصفاً إياه بأنّه قائد قادر على تحديد النهج ولم الشمل، مسؤول كبير قادر على الإصلاح والابتكار، وإنساني لديه مرجعية أخلاقية كبيرة”. ليستهل عمله الأول بالأمم المتحدة بإبطال قانون جاستا الابتزازي، وسدّ الباب أمام ظهور قوانين مماثلة.

وختاماً، بهذا القانون نحن أمام سابقة خطيرة في السياسة والعلاقات الدولية تنذر بمرحلة من الفوضى والعداء لا بين أمريكا والدول المستهدفة فحسب، بل بما يشكّله هذا القانون من فتح لحرب من نوع جديد بين دول العالم أجمع، وهي حرب القوانين، بأن تسنّ كلّ دولة لنفسها قوانين تخولها انتهاك سيادة الدول الأخرى وابتزازها والاستيلاء على ثرواتها. مما يوجب وقفة دوليّة ضدّه يكون فيها للدول المستهدفة حاليًّا دور المبادرة والدعوة إليها.

وعموماً هذا القانون في حال تثبيته لا يبشر بخير، والنجاح في إبطاله مرهون بوعي الدول العربية بالسياسات التي يرمي إليها، ومن ثم مواجهته بالإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية الصارمة والجديرة بثني الإدارة الأمريكية عن تشريعه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى