زلزال الشرق وتداعياته

من وحي مأساة الشام واستحضار الواقع في العراق واليمن وسرعة إيقاع الحوادث التي تعج بالحديث عنها وتحليلها صفحات الصحف والمواقع، ووسائل التواصل الاجتماعي..وكل هذا دفعني للتفكر في طبيعة التغيرات الكبرى المتلاحقة في عالم ديناميكي سريع التغير بحيث لا شيء يبقى في حالة ثبات ..الحضارات..الدول ..الأسر الحاكمة ..الحالة الديمغرافية ..أنماط الحكم..النظريات العلمية والتربوية..الوسائل الدعوية..الحركات.
سألت نفسي ما شكل خريطة العالم المتوقعة في ظل هذا التغالب المدمر ؟ يا ترى ما الذي سيحدث في فضاء العالم الاسلامي الأوسع خلال 40 أو 50 سنة المقبلة انطلاقا من المعطيات الراهنة والصراع المتصاعد حاليا في كل الأصعدة.
التساؤل الآخر هو هل هذه التغيرات تحدث قسرا وبشكل فجائي مثل الهزات الأرضية تماما أم تحدث بشكل منضبط يصمم ايقاعاته اللاعبون الأقوياء في مسرح اللعبة ومن خلال وسائل الصراع كالحروب والتحركات الدبلوماسية والمال والتكنولوحيا؟
والأمر الجدير بالاشارة هو :

أن التغيرات الكبرى رغم تأثيرها اللامحدود فانها لا تحدث بدون ممهدات وطبقا لقوانين وسنن ولكن بشكل بطيء وغير مرئي للمتابع العادي مثل ظاهرة النوم الذي يخدر المشاعر بشكل بطيء دون قدرتنا على تحديد اللحظة التي يتغلب فيها النوم على الشعور.
عودة الى السؤال السابق وهي التغيرات المتوقعة في عالمنا..سواء على صعيد الواقع السياسي أو الصعيد الفكري فأن أول شيء تجدر الاشارة اليه هو أنه من المستبعد في المنظور القريب أفول الحضارة الغربية بفعل مزاحمة أقطاب أخرى لكونها ما زالت تتمتع بالفاعلية في صناعة الحاضر وتوجيه المستقبل بل هي في حالة يقظة وتأهب. واذا افترضنا سقوط بعض أجنحتها فان أقطابا أخرى مرشحة لمواصلة المشوار.
المعركة الحالية تحركها غريزة حب البقاء وكسب الثروة وتأمين موطئ قدم في قطار المستقبل السريع بالاضافة الى روح الأنانية وحب الاستعباد والسيطرة.
المنطقة التي طالها التغيير وسيطالها التغيير الزلزالي بشكل مباشر هي المنطقة التي تطلق عليها حاليا الشرق الأوسط وتشمل بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية ومصر وتبعا شرق افريقيا وشمالها لكونها من منافذها..في حين لا نتوقع حدوث تغيرات جذرية شبيهة بالزلازل في شبه القارة الهندية وفي الصين أو في افريقيا تحت الصحراء.. أو في أمريكا الجنوبية!!
منطقة الشرق الأوسط التي كانت جاثمة تحت البراكين المصنوعة من الخلافات العرقية والدينية منذ أقدم العصور ثم زاد من احتقانها الاستبداد والتفاوت الطبقي والاستخراب الثقافي.
المنطقة المنكوبة بمجاورتها مع المنبوذة اسرائيل التي ما زالت محظوظة باستمساكها بالحبل الغربي الذي يحوطها بالفيتو وبالدعم الاقتصادي.
الصياغة المتوقعة لخريطة المنطقة ستكون وفق معادلات وحسابات تتطابق مع شهية اللاعبين الكبار من خلال استعراض القوة والدبلوماسية التي يجري اعدادها حاليا بشكل مرئي ومشاهد ومكشوف اللمسات ..وفي المشهد الحالي تنقسم فيه الدول الى ثلاثة أصناف:
#الصنف الأول الدول الفاعلة التي تقع بعيدا عن موقع المعركة وهي أمريكا والدول الأوربية وروسيا وقد تصلها ارتدادات يسيرة مثل الزلزال القوي الذي يحدث بعيدا عنك.
#الصنف الثاني: دول متجاورة مع الأزمة وكل همها منصب في البقاء على قيد البقاء ودرء الأخطار عنها كما أنها تسعى لتطويع المخرجات لصالحها، والمشاركة في المغانم، وهي تحديدا ايران وتركيا.
#الصنف الثالث: الدول التي سيشملها التقسيم وتغيير الأسر الحاكمة الى حد يصعب التنبؤ بمستواه، ومن هذا الصنف جميع دول الخليج بما فيها السعودية واليمن والعراق وسوريا وفلسطين.
على صعيد تدافع الأفكار داخل العالم الاسلامي ماذا ستكون المناهج الفكرية والتأويلات الدينية التي سيكون لها الغلبة تبعا لهذا التغير الزلزالي على الصعيد السياسي؟. ويتفرع عنه سؤال آخر وهو ما مصير المذهب السلفي الذي يسود حاليا بلاد الحرمين المدعوم من الأسرة السعودية منذ مائة سنة الأخيرة تقريبا؟.
من بدهيات الحراك السياسي أن الثورات راديكالية أي تحدث تغييرا جذريا وليس شكليا وبالتالي فإن وريثة السعودية لن تتبنى طبعا المنهج الفكري الديني الذي كان سائدا على سابقتها، وحتى نفهم هذه النقطة أكثر من المهم مراجعة خط سير تدافع الأفكار في العالم الاسلامي منذ عصر الصحابة والى يومنا هذا، وعليه سنجد أن الصراع الفكري ظل مستمرا ومتلاحقا بشكل لولبي وحلزوني وقد تعاقب المجددون والمصلحون في الظهور في حركة متقاربة.
من الملاحظ أيضا في تاريخ الأفكار والتجديد وجود مبدأ الزوجية حتى في عالم الأفكار فوجدت الفكرة وضدها فوجد الغلو والاعتدال، والتشيع والنصب، والقدر والارجاء والطريق السني الوسط، وجدت الفلسفة والاعتزال ووجد ضده ووجد التصوف والمغالاة في التقشف في كل مظاهر الحياة والى جانبه الترف والبذخ…وهكذا استمر قطار الأفكار دون توقف أو ركود.
منذ ظهور الثروة النفطية حدث التزاوج المصلحي بين الأسر الخليجية وبين الغرب القوي المستعمر حامي الكيان الصهيوني، وبسبب الحاجة الى النفط الخليجي صار من أولويات السياسة الغربية اعتبار الأسر الخليجية شريكا مهما في دعم الهيمنة الغربية، وضبط ايقاعات مجرى الحياة بدأ من السياسة والاقتصاد والسلاح وحتى التأثير على الدين والتوجيه، ومن أشد ملامح السياسة الغربية في المرحلة القادمة هو تضاؤل الحاجة الى النفط الخليجي لظهور مصادر طاقة بديلة واكتشاف نفط في مناطق أخرى.
من ملامح الفترة القريبة المقبلة زوال الأسرالملكية الخليجية إما بشكل عنيف ثوري ودموي وهذا محتمل جدا، وعلى رأسها السعودية راعية الحرمين حاليا ولا ندري حجم ارتداد الزلزال ومن تصيبه شظاياه.
ومما تجدر الاشارة اليه بهذا الصدد أنه تبعا لهذا الزلزال السياسي في خريطة الشرق الأوسط فان ذلك سيستتبع تغيرا في المذاهب والتيارات الفكرية السائدة، وسيطال هذا التغير التدين الرسمي السائد حاليا على الحرمين ، وسيتم استبداله بنمط آخر يتم ترويضه وإعداده الآن، قد يكون هو منهج التصوف الذي ظل يتجرع المرارة منذ خروج الحرمين من قبضة أسرة الأشراف على يد الملك عبد العزيز -رحمه الله- في الربع الأول من القرن العشرين، ومنذ أخرجت الفتاوى الرسمية في السعودية الأشاعرة والماتريدية من دائرة (أهل السنة والجماعة) الخلص.
بالنسبة لشرق افريقيا فان المعطيات الراهنة ، وملاحظة شريط الأحداث فانها تشير الى أن الجارة اثيوبيا في حالة تأهب للعب دور قيادي كبير في المنطقة وهذا يتطلب تلقائيا إضعاف القوى الأخرى في القرن الافريقي، ومنها الصومال والسودان وهذا سيكون له تأثير على الخليج واليمن.
هذا التحليل السوداوي للأحداث المتشائم بعض الشيء اعتمد فيه صاحبه على تأمل بسيط في شريط أحداث التاريخ والسنن وظهور الأسباب التي تتلوها مسببات حتما.

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى