انسحاب القوات الأثيوبية في جنوب الصومال: الأسباب والآثار

منذ منتصف شهر أكتوبر الجاري قامت القوات الإثيوبية العاملة ضمن قوات بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال بسلسلة انسحابات من عدد من المدن الواحدة تلو الأخرى خلال هذا الشهر.

فاتحة تلك الإخلاءات كانت في مدينة (عيل علي) الاستراتيجية في محافظة هيران، وفور انسحابها سيطرت حركة الشباب عليها، وقتلت عدداً من أهالي المدينة التي تبعد 70كلم عن حاضرة الإقليم بلدوين، تلا ذلك انسحاب آخر من مدينة (هَلجن – محافظة هيران)، وأحدث هذه الإخلاءات خروج القوات الإثيوبية من مدينة (تِيوغلُو – محافظة بكول)، ومن المتوقع كذلك انسحابها من المدن والمواقع الأخرى التي تقوم فيها قواتها بعمليّات حفظ سلام مثل عيل بور، ومَحس، وحُدر.

وكانت القوات الإثيوبية قد انضمت إلى قوات حفظ السّلام (أميصوم) في 2014م ويقدر عدد أفراد قواتها المسجلة لدى الأميصوم بـ 4,000 عسكريّ، ولكن يوجد كذلك أعدادُ أخرى من القوات الأثيوبية غير مشمولة بالتسجيل في قوات الأميصوم ومتوزعة في مناطق وسط وجنوب الصومال.

ويأتي إخلاء القوات الإثيوبية مواقعها وانسحابها من المدن، بعد احتجاجات شابتها أعمال عنف شهدتها ولا تزال تشهدها إثيوبيا خاصة في الأقاليم الأثيوبية التي تسكنها إثنيتا الأورومو والأمهرا.

كما تأتي في فترة يقبل فيها الصومال على انتخابات رئاسية وبرلمانية يمكن أن تؤسس لمرحلة سياسية مختلفة، ونقل السلطات لحكومة جديدة.

إضافة إلى ذلك واكب هذه الإخلاءات من جانب القوات الإثيوبية انسحاب القوات الصومالية والطواقم الحكومية في بعض المناطق، مفسحة المكان لحركة الشباب التي فرضت سيطرتها علي معظم المناطق التي تمّ الانسحاب منها

في هذا التحليل، سنحاول الوقوف على الدوافع الحقيقية وراء الانسحاب المفاجئ للقوات الإثيوبية من الصومال، وعلاقتها بالوضع الإثيوبي الداخلي والوضع الانتقالي الذي تمر به الصومال، وما يمكن أن يترتب على هذا الانسحاب من آثار ميدانية في ظل انسحاب الأطقم الإدارية والقوات الوطنية مع انسحاب القوات الإثيوبية، وتحركات حركة الشباب لفرض سيطرتها على المناطق.

أولا: الأسباب والدوافع:

بالنظر إلى مجموعة معطيات سياسية واقتصاديّة يمكن عزو الانسحاب الإثيوبي إلى عدد من الأسباب أبرزها:

  • الأزمة الداخليّة في إثيوبيا:  والتي تتمثل في احتجاجات قبائل الأورومو والأمهرا التي أدت إلى أحداث عنف دموية راح ضحيتها عشرات المدنيين والعسكريين، وتعتبر أكبر موجة احتياجات شعبية في إثيوبيا منذ عقدين، وبعد اجتماع المؤتمر الوزاري قد أعلن رئيس الوزراء حالة طوارئ المفتوحة إلى أجل غير مسمًّى ، فمن الطبيعي أن يساهم هذا الوضع المتأزم – داخل إثيوبيا – في تعجيل انسحاب قواتها المفاجئ من ثكناتهم العسكرية في الصومال، ويرى كثير من المحللين أن الانسحاب ما هو إلاّ نتيجة طبيعية لحالة الفوضى التي تشهدها الحكومة الكونفدرالية مؤخرًا، وتريد استجماع قواها لمعالجة الوضع قبل أن يستفحل وتمتدّ التظاهرات إلى إثنيات أخرى.
  • ورقة ضغط على الدول المانحة: انقطاع المنح الدولية بعد اندلاع الثورة الداخلية في إثيوبيا لا شك أنه أدّى إلى تعثر تمويل عمليات قواتها الموجودة في الصومال وخاصّة القوات غير المسجلّة رسميًّا في قوات حفظ السلام الإفريقية، كما أنّ سيطرة حركة الشباب على المناطق المنسحب منها فور خروج القوات الإثيوبية يظهر أمام المجتمع الدولي أهمّية وجود القوات الإثيوبية في هذه المناطق وضرورة إعادة تلك المنح المنقطعة لتمكين القوات الإثيوبية من البقاء فيها لوقف مدّ حركة الشباب.
  • تقليل الكلفة المالية الباهظة لجيوشها المتواجدة في جنوب الصومال: الأزمة المالية الضاغطة التي تشهدها إثيوبيا في السنوات الأخيرة، من شأنها أن تشكل ضغطا على الدولة لسحب القوات التي لا تجد تمويلا من الاتحاد الإفريقي للتخلص من عبئها الاقتصادي، وتقليل الكلفة المالية الباهظة لوجودها، فكما أكدّ وزير المواصلات الإثيوبي جيتاشيو رضا للبي بي سي: فـ “إن تلك القوات التي انسحبت لم تكن جزءا من قوات “أميصوم” الدولية”. وأن هذه الخطوة أتت بعد قرار الاتحاد الأوروبي تخفيض دعمهم لقوات البعثة الأفريقية “أميصوم”، فلأجل تقليل الكلفة المالية الباهظة لجيوشها المتواجدة في الصومال، قد انسحبت القوات الإثيوبية، إضافة إلى الأسباب الأخرى التي ذكرناها آنفاً.

ثانيًا: الأثار المترتبة عن الخروج القوات:

  • تمدد حركة الشباب في جنوب الصومال، يأتي كنتيجة طبيعية لخروج القوات الإثيوبية من المنطقة الملتهبة، وفور انسحابهم سيطرت فعلاً حركة الشباب المدن المنسحب منها الواقعة في (هيران-غلغدود- بكول)، موسعة خريطة تواجدها في جنوب الصومال، مما يصعب مهمة القوات الإفريقية لحفظ السّلام في الصومال.
  • تسيطر حركة الشباب على مساحة واسعة من جنوب الصومال حالياً، بحيث يتحركون بدون أيّ ضغط عسكريّ، مما يمكِّنهم من شنّ هجمات منظمة ونوعيّة في الأقاليم الخارجة عن قبضتهم، وليس من المستعبد تجدد الاشتباكات في محيط العاصمة في قادم الأيام، على غرار الهجمة المفاجئة للحركة على مدينة أفجوي التي تبعد من العاصمة 30 كلم فقط.
  • ومن الآثار التي تترتب على الخروج المفاجئ للقوات الإثيوبيّة أن يقع المدنيون القاطنون في تلك المدن الذين تعاملوا مع القوات الإثيوبية خلال الأربع سنوات الماضية من تواجد هذه القوات، سيكونون فريسة سهلة لحركة الشباب، وأن المجتمع سيدفع ثمن تعامله مع أثيوبيا. وفعلاً، قد نزحت منذ الآن أعداد كبيرة في تلك المدن بعد خروج القوات الإثيوبية، خوفاً من تصفية الشباب لهم كما حصل في مدينة عيل عليّ.
  • وكذلك سيشكّل الانسحاب الإثيوبي عبئًا كبيرًا على ثكنات قوات الأميصوم المتواجدة في المناطق القريبة من المدن المنسحب منها، لأن التحركات العسكرية من قبل حركة الشباب والتي تستهدف هذه القواعد ستزداد، وستجد الحركة مخزونا بشريا في تلك المدن يساعدها في إعادة رصّ صفوفها والتأهب لقادم معاركها مع القوات المتحالفة.

وفي حال تزايد الاحتجاجات في داخل أثيوبيا، فليس من المستبعد انسحاب بقية القوات الإثيوبية المسجلة لدي الأميصوم أيضاً، وحال حدوث ذلك فإن ثقلا إضافيًّا سيلقى على كاهل قوات حفظ السّلام (أميصوم)، التي تعاني حالياً من أزمة مالية خطيرة، وبين هذا وذلك يجب على الحكومة الصومالية أن تخطط مسبقاً لتقوية القوات الوطنية لكي تملأ الفراغ في حال حدوث انسحاب آخر مفاجئ في المستقبل القريب.

محمد سعيد مري

باحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى