الواقع التعليمي للمدارس في الصومال ما بعد انهيار الحكومة المركزية

المدرسة هي المؤسسة التعليمية التي يتعلم بها التلاميذ شتى العلوم، و تكون الدراسة فيها في عدة مراحل وهي الابتدائية و المتوسطة أوالإعدادية والثانوية – حسب أغلب التقسيمات المتبعة.

وتهدف المدارس إلى تربية وتعليم الناشئة لإحداث التغيير المطلوب لديهم في جميع المجالات السلوكية والمعرفية والوجدانية، وفقاً للأهداف التربوية التي وضعها المجتمع بالاشتقاق من تقاليده وثقافته وقيمه المحلية.

 وبعد انهيار الحكومة المركزية في الصومال في بداية التسعينات من القرن العشرين واجه التعليم في الصومال صعوبات كثيرة من أهمها انهيار المؤسسات التعليمية التي كانت تدعمها الحكومة الصومالية.

 ومع ذلك يُعتبر قطاع التعليم أكثر القطاعات التي جرت محاولة إعادة استمراريتها بعد الحروب الأهلية، حيث انتشرت ثقافة إنشاء المدارس في جميع مناطق الصومال، وأصبح اليوم فتح المدارس من أهمّ النشاطات الحياتية التي يستثمر فيها أصحاب رؤوس الأموال الصوماليين، مما ساعد على تكاثر المدارس على اختلاف نوعياتها المتخصصة والعمومية ومستوياتها الأساسية والثانوية بحيث صار من النادر مصادفة حيّ من أحياء مدينة مثل مقديشو أو غيرها أو مربع من مربعاتها خالياً من المدارس.

إنّ الجوانب الإيجابية لهذه الصورة لا تقاس بأيّ إنجاز آخر؛ حيث توفير التعليم للأهالي القادرين على تحمّل التكاليف، ومنهم الكثيرون الذين أكملوا تعليمهم العالي وحصلوا على شهادات عليا في مختلف التخصصات من الشخصيات الذين يديرون حاليّا العمل السياسي وينشطون في أكثر المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالبلاد. كما وتوفير فرص عمل لقطاعات واسعة من العاطلين في هذا المجتمع ليس لديها مصادر دخل ولا فرص عمل. في وقت انهارت فيه كل الخدمات وطال الدمار والخراب كافة نواحي الحياة.

ولكن ذلك لا يمنع من وجود الملاحظات الكثيرة على إدارة وتخطيط هذا النشاط، أو إخلاله بمعايير الجودة التعليمية. وهذا ما سنقدم إضاءات حوله في الأسطر القادمة. حيث نتساءل عن مدى توفير هذه المدارس المتطلبات المطلوبة لقيام تعليم حقيقي وفعال، من بيئة دراسية، وكوادر مؤهلة، وأثر القصور المحيط بهذه الجوانب على العملية التعليمية التعلمية في هذه المدارس برمتها.

 فعن البيئة الدراسية في هذه المدارس يلاحظ أن مقرّاتها في أغلب الحالات عبارة عن فلل أو شقق سكنية مستأجرة، غير مهيأة لتكون فصولاً مدرسية، نظراً للمساحة الضيقة للغرف والفناء التي لا تتسع للطلاب وتجهيزات الفصل من سبورة ومقاعد وأدراج، ولا تسمح بإنشاء المرافق المدرسية الأخرى من المكاتب الإدارية، وساحة النشاطات العامة كطابور الصباح، والملاعب الرياضية، والحدائق.

 ومن المعروف تربويا أن مبنى المدرسة من العوامل الرئيسية الهامة التي تساعد بصورة مباشرة على النجاح في تحقيق الأهداف المنشودة من التربية. فإن المدرسة في تكاملها العام تمثل البيئة  التي تدور فيها العملية التربوية. وقد تغيرت الصورة التقليدية للمدرسة فأصبح المبنى المدرسي الحديث يخضع لشروط ومواصفات علمية من حيث اختيار الموقع، والتنظيم العام للمبنى، وتوزيع الإضاءة، والفصول المدرسية، والمقاعد المناسبة، ووجود حجرات متعددة الأغراض، والملاعب والورش والمعامل والمخازن والمكتبة والمتحف، وغيرها من العناصر الهامة في تشكيل المدرسة. وأصبح من الضروري أن يكون مبنى المدرسة في تنظيمه العام على أساس وظيفي يسهم بصورة مباشرة في العملية التربوية، ويكون في خدمتها.

  وعن الكوادر المؤهلة، من الملاحظ أن قليلاً من المدرسين لهم علاقة بمجال التربية، ومما يدلّ على ذلك أن الجامعات الموجودة في الساحة الصومالية قل ما يتوفر فيها تخصص التربية، وإذا وجدت فالطلبة الموجودة في قاعاتها لا يتجاوزون العشرة، وإذا تمّت قسمة هذا العدد القليل على أعداد المدارس في الساحة الصومالية نجد الناتج لا يغطي؛ لذلك أكثر المدرسين في هذه المدارس لديهم تخصصات غير التربية.

 والمعلم يقوم بتربية الطفل حتى مرحلة النضوج العقلي، ومرحلةُ التربية والتعليم مِن أهمِّ المراحل التي يتمّ تشكيل شخصية الأولاد من سنِّ الطفولة حتى سن المراهقة، والمدرس التربوي هو الذي يوقظ المواهب وقدرات الكامنة في الأولاد في المراحل  التعليمية المختلفة.

وهذه الأسباب أسهمت في فقدان المدارس دورها التربوي المنشود للجيل الناشئ، وصار التعليم فيها لفظيًّا آليّا يهمل الجوانب الوجدانية والتطبيقية وربط المعرفة بواقع الحياة.

لذا نوصي بتلافي هذه الآثار السلبية بالتأكيد على المنظور التربوي والبنائي للعملية وتغيير النظرة الاستثمارية التي تجعل من التربية عملا تجاريا لتحقيق الأرباح، وتفرغها من مضمونها وتحرفها عن هدفها، ونوجه الجهات المعنية بالتدخل لإعادة العملية إلى مسارها الصحيح.

احمد عبدالله محمد

باحث في الشؤون الاجتماعية
زر الذهاب إلى الأعلى