الدروس المستفادة من إنتخابات مجلس الشيوخ

إجراء انتخابات الغرفة العليا للبرلمان الفدرالي في مراكز معظم الولايات بسلاسة وهدوء يعدمؤشرايجابيا وتجربة فريدة من نوعها في المشهد السياسي غير المستقر في البلاد، جاءت مفاجئة على خلاف توقعات المتابعين للشأن الصومالي، وقدتؤثر بصورة أو باخرى في مجريات الأحداث في انتخابات الغرفة السفلى للبرلمان والمنتظر إجراؤها في الأسابيع القليلة القادمة. وهذا مما لايختلف فيه معي كثيرمن القراء الكرام، ولا شك أنها خطوة ايجابية نحو الاتجاه الصحيح، واذا تم تطبيق هذه التجربة وهذا النموذج على جميع العمليات الانتخابية فإن مردودها الإيجابي سيكون إضافة إلى سجل إنجازات الحكومة.

انتخابات مجلس الشيوخ وإن كانت هي الأولى من نوعها في البلاد على مدى تاريخها إطلاقاً، ورغم الكثير من التجاذبات والمناكفات التي جرت بين القيادات السياسية والاتجاهات الفكرية والقبلية التي تمثلها، والجدل الذي أحاط بعدد مقاعده 54 الأربع والخمسون، والمحاصصة المبنية على الولايات، وحصة محافظة بنادر إلاّ أنها أخيراً بدأت تخطو خطوات ثابتة، الأمر الذي أنعش الأمل في مرور عمليات انتخاب باقي المؤسسات مثل مجلس النواب والرئيس، بهذه السلاسة وإجرائها في مواعيدها دون حدوث تمديد أوتجاوزات وتزوير.

وقد استطاعت اللجان الانتخابية بمستوياتها الولائية والقومية تنظيم تلك الانتخابات بجهود ذاتية، وبإمكانات مادية متواضعة، وبصورة اتسمت بقدر كبير من الشفافية والنزاهة، مما يعطي انطباعا ايجابيا حول اللجنة ذاتها والتي قيل عن حياديتها ونزاهتها الكثير، وخاصة في كيفية اختيار معظم أعضائها الذين كانت الشكوك تحوم حول تعيينهم بعناية فائقة من قبل قيادة المنتدى الوطني لتحقيق أهداف سياسية وأجندات انتخابية لأصحابها، لكن الانتخابات أثبتت بما لايدع مجالا للشك أن اللجنة بعيدة عن هذه الشكوك، وجديرة بالاضطلاع والنهوض بتلك المسؤولية، حيث وقفت على مسافة واحدة من كل المترشحين لمجلس الشيوخ في جميع الولايات التي جرت فيها العملية الانتخابية، ولم تسجل خروقات ومخالفات تخدش نزاهة الانتخابات بإدانة أوتشكيك في عدالتها وحياديتها، كما لم نسمع شكاوي من المرشحين الخاسرين ممن خاضوا تجربة المنافسة.

أمّا عن حجم الفساد وتأثير المال السياسي وإمكانية دعم القيادات القطرية والوطنيّة وتدخلها لصالح هذا المرشح أوذاك – مما لانتحدّث عنه في هذه العجالة لأسباب موضوعية – فمع عدم استبعادنا لاحتمال حدوثها، لكن ندرتها في هذه الحالة التي نحن بصدد الحديث عنها ندرجها في قائمة ملاحظاتنا.

هذا،وقد أظهرت نتائج انتخابات مجلس الشيوخ الملاحظات الآتية:

أولا:غياب بعض المكونات الآساسية المهمة عن المجلس: ذلك لأن القيادات الوطنية لم تدرج في قوائمها إلا القبائل المسلحة (ذات النفوذ) أو المسيطرة على المشهد السياسي في الولاية، وهناك قبائل كبرى من حيث العدد أو الانتشار في بعض المحافظات وخاصة المحافظات الجنوبية ولايتي جوبا لاند وجنوب غرب. ومع هذا لاتحظي بتمثيل لها في مجلس الشيوخ، بينما حصلت بعض القبائل على أكثر من ثلاثة مقاعد في ذات المجلس، وهذا يعمق التهميش الموجود أصلا على الأرض ويثير القلق وعدم الاطمئنان ويغذي الشعور بالضيم والكراهية لدى تك المكونات المهمشة.

ثانيا:استمرار نفوذ شيوخ العشائر وتحالفاتهم مع رؤساء الولايات: لقد لعب شيوخ العشائر دورا محوريا في تمكين بعض المرشحين في المجلس ومنع آخرين واستبعادهم من القوائم قبل الانتخابات، كما أثر دعمهم لمرشحين أثناء الانتخابات في تغير المسار وتحقيق الفوز، ذلك أن أعضاء البرلمانات الولائية التي صوتت للمرشحين هم أنفسهم اختارهم أولئك الشيوخ ليمثلوا العشيرة في مجالس النواب الولائية، وقد رشح بعض الشيوخ ذويهم وأقرباءهم ممن ليس عندهم مؤهلات علمية ولا خبرة سياسية تمكنهم من أداء واجباتهم في مجلس الشيوخ، مع وجود أعضاء مثقفين ومؤهلين وأصحاب خبرة من نفس العشيرة، وفعلا فازوا بعضويته، وهم لا شك يشكلون عبئًا إضافيا على المجلس، وبدلا من أداء وظيفتهم يساهمون في تشويه صورة المجلس أمام العالم. كما يؤدي ذلك إلى الإحباط بالمؤهلين من حملة الشهادات العليا من أبناء العشائر ممن استبعدوا من السباق ويحدث شرخا اجتماعيا في النسيج القبلي ويزعزع ثقتهم في الشيوخ.

ثالثا:استئثار أصحاب النفوذ بمقاعد المجلس: معظم الوجوه التي فازت بمقاعد مجلس الشيوخ سياسيون وبرلمانيون سابقون سواء في الحكومات الولائية أو الفدرالية مع عودة بعض أباطرة الحرب على قلتهم، وهذا يدل على أن العملية السياسية تفتقر إلى نضج أكثر، وأن النخبة السياسية ضعيفة الوعي السياسي، ولا تمتلك الجسارة الكافية لإفساح المجال أمام الجيل الجديد، وأن مسألة تدوال السلطة بمختلف أدوارها ومستوياتها بعيدة المنال في ظل هذا الجو السياسي المشحون بالاستئثار والتحقير والإقصاء السياسي، وهذا يذكرنا بالتقليد الصومالي الذي يعطي الغداء فقط لمن يملك فطوره، وانطلاقا من هذا التصور الخاطئ والقادم من صميم ترسبات العادات القديمة المتسربة نحو ممارسة سياسية أنتجتها نفس العقول، فإن سحق السياسيين الجدد أو حتي الذين لايملكون أرصدة كافية من السند القبلي أو المالي لم يكن مستغربا بل العكس هو المستغرب

وأخيرا: إن مجلس الشيوخ يمكن أن يصبح منبرا ومنطلقا لتقليل التأثير القبلي على السياسة الصومالية، وذلك لأن أعضاءه يمثلون الولايات وإن تأسست هي الأخرى على أسس قبلية أو جهوية إلا أنها لاتمثل بشكل مباشر مصالح وقبائل بعينها، حيث تمثل مجموعة من القبائل المختلفة، فهم بالدرجة  الأولي يدافعون عن مصالح الولاية التي يمثلونها ، أو هكذا يفترض بهم أن يكونوا.

 

عبد النور معلم محمد

كاتب وباحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى