واقع المثقف الصومالي

المثقفون في كل مجتمع هم الذين يقع على عاتقهم  رفع مستوى وعي مجتمعاتهم وتغييرها نحو الأفضل، وكذلك وضع الحلول لمشاكل مجتمعاتهم لأنهم هم الذين تلقوا من التعليم والثقافة  ما يؤهلهم ليتبوؤا هذه المنزلة، وإذا لم يقم المثقف بدوره تجاه هذا الأمر فإنه يكون بذلك قد خيب آمال أمته ويكون بذلك جزأ من المشكلة بدل ما كان من المفترض أن يكون جزأ من الحل، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يحق لنا أ ن نتسائل ما هو دور المثقف في المجتمع الصومالي وهل أدى دوره في محاولة  إخراج البلد من الاضطراب السياسي والأمني والاقتصادي الذي يقبع فيه قرابة ربع قرن من الزمان؟ وهل تُرى بصمات مثقيفنا على مجتمعنا؟

لم يمر الصومال على امتداد تاريخه الطويل بمثل المأزق السياسي والأمني والاجتماعي الذي يمر به ، وبمثل الأزمة والمحنة الحقيقية التي يعيشها اليوم، إنها محنة شاملة في كل تفاصيل الحياة، وتجد تعبيراً وتجسيداً لها في الانهيار الأمني والتفكك الاجتماعي والفشل  السياسي ، وانعدام الثقة بين أبناء الشعب الواحد الذين تجمعهم الدين واللغة والعرق وكل ما يعد من عوامل الوحدة التي ربما يفتقر إليها الكثير من شعوب العالم والتي تنعم بالأمن والاستقرار  والرخاء  الاقتصادي ورفاهية العيش،  إنها  أزمة مجتمع كبير وعريق، لم يتخيل أحد انه سيصل يوماً الى هذا الدرك والانهيار في المستوى الحياتي والمعيشي والسياسي  .

إن الصومال  يمر في مرحلة خطيرة وصعبة، ويتسم بخصوصية تميزه عن بقية الأقطار والبلدان،  إنه ما زال يعاني من آثار  صراعات قبلية وسياسية ودينية وانهيار اقتصادي حاد وتدخل أجبني لا ينم عن مصلحة الصومال ، ومن عملية سياسية مشؤومة بنيت على أساس المحاصصة القبلية البغيضة  التي تهدد بنيته ونسيجه الاجتماعي، فضلاً عن تبني نظام فدرالي كان واضحا في البداية أنه أسيئ فهمه ولم يتم فهمه بالصورة المطلوبة ولم يأت تبنيه بعد دراسة محكمة، ولعل ما يبرهن هذا القوال هو المزيد من الصراعات التي أحدثها على الساحة الصومالية، ولعل الحروب الأخيرة التي شهدتها مدينة جالعيو بين نظامي بونتلاند وجلموذغ والتي راح ضحيتها الكثير من القتلى والجرحى، كما أنه أدى إلى نزوح ما يقرب من خمسين ألف شخص حسب تقدرير المنظمات، وليس إقليم مذغ أو جالكعيو وحدها وإنما الصراعات المبنية على الاستحواذ على الأراضي لصالح القبيلة  طالت إقليم شبيلى السفلى وكذلك إقليم  هيران، ومع أن الصراع في هذه الأقاليم صراع متجدد وله تاريخ طويل إلا أن تبني نظام الفدرالية وإنشاء الولا يات الفدرالية أذكى هذا الصراع.

كل هذه الأمور التي تجري تضعنا أمام مسؤولية كبيرة في المساهمة ولو بشيء بسيط في محاولة إخراج البلاد من المأزق الذي يعيشه وخاصة النخبة المثقفة من أبناء هذا الشعب الذين تلقوا من التعليم والثقافة ما يؤهلهم للقيام بدورهم في هذا الأمر ، ولكن يجب أن نتسائل أين هو دور النخبة المثقفة اليوم في الساحة ولماذا لا نرى تأثيرا إيجابيا لهم في مجريات الأحداث والوقائع ولماذا لا تظهر بصماتهم؟.

الحقيقة أننا لا نرى اليوم دورا إيجابيا للنخبة المثقفة في محاولة إخراج البلد من المأزق الذي يعيشه سياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا، ولو أخذنا مثالا بسيطا لسوء توظيف القبيلة كمثال لأهم معضلة تعيشها الصومال فإننا لا نرى أي دور للنخبة المثقفة في محاولة وضع الحلول لهذه المعضلة فالمثقف الصومالي اليوم لم يستطع الخروج من عباءة قبيلته، والتفكير خارج نطاق الصندوق، ومن الصعب أن تقنع أحدا من النخبة المثقفة اليوم أن يفكر في إطار خارج تفكير شيخ العشيرة الذي ينتسب إليه إلا القليل منهم، فحال النخبة المثقفة اليوم أصبح كما قال الشاعر الجاهلي

وما أنا إلا من غزية فإن غوت    غويت وإن ترشد غزية أرشد.

وحتى في مجالات أخرى فإننا لا نرى اليوم أي دور إيجابي للنخبة المثقفة في مؤسسات القطاع العام والخاص  فعلى الرغم من أن الكثير من الكوادر من النخبة المثقفة الذين تلقوا تعليمهم الجامعي من داخل الوطن وخارجه يعملون في هذه المؤسسات إلا أن الوضع الذي تعيشه هذه  المؤسسات  في الصومال كلها من تفشي للمحسوبية والرشوة والفساد المالي والإدراي المستشري  وتدني مستوى  الخدمات التي يتم يقديمها للشعب كل هذا مؤشر على أن النخبة المثقفة لم تقم مردودا جيدا في هذه المؤسسات .

واقع المثقف الصومالي اليوم  الذي تلقى من التعليم والتأهيل في الداخل والخارج ما يؤهله لخدمة مجتمعه لا يبشر بخير مع أننا نتفق كما تؤكد التجارب في الأمم والشعوب الاخرى، بأن شريحة المفكرين والمثقفين، في الغالب، هي التي تقود الطبقات والشرائح المجتمعية الأخرى، أو يفترض أن يكون الأمر كذلك، وهي التي تتحكم في دفة التوجيه، وتنشر الوعي بين من أهم أقل وعيا، وأقل معرفة ببواطن الامور وخفايا المخططات السياسية مما يحيط بهم، ويسمم حياتهم، ويجعلها لا تليق بالكرامة الانسانية.

إن الشكوك تحوم حول هذا التراجع المخيف  للمثقفين والمفكرين عموما، في قضية الوعي والثقافة، ففي ظل مثل هذه الأوضاع التي يعيشها الصوماليون  منذ ثلاثة عقود من الزمن، وفي ظل تداخل الأوضاع واشتباكها واختلاطها، الى درجة فقدان الرؤية والسلوك معا، وعدم معرفة  الخيط الأبيض من الأسود ، ومع الحاجة القصوى لمساعدة الشعب على الابصار، ومضاعفة البصيرة لدى الشرائح الأقل وعيا، مع هذا كله، نلاحظ تراجعا غريبا لدور المثقف والمفكر في استنهاض قدرات الشعب .

 

حسن عبد الصمد عبدالله

حاصل على درجة الماجستير في الشريعة والقانون من جامعة إفريقيا العالمية، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من أكاديمية السودان للعلوم
زر الذهاب إلى الأعلى