لن يحيد المركز عن مبادئه الوطنية

في 21 من شهر يوليو الماضي، داهم مبنى مقر مركز مقديشو للبحوث والدراسات في مقديشو أفراد من قوات المخابرات الصومالية، وقاموا باعتقالي مع عدد من  الباحثين الذين كانوا يمارسون مهام عملهم اليومي بالإضافة إلى سائق سيارة المركز. كما صادروا أجهزة الكمبيوتر وآلات التصوير والأوراق والكتب المهمة التي كان المركز يعمل بها ،

ونقلنا إلى سجن “جيلعو” ووضعونا قيد الاعتقال. ومن هذه الساعة دخلنا في عالم آخر وفي حياة جديدة امتدت لمدة 48 يوما تنقلنا خلالها من سجن لسجن حتى انتهى بنا المطاف إلى السجن المركزي وسط مقديشو، إلى أن حلّ يوم السادس من شهر سبتمبر الذي استنشقنا فيه عبق الحرية،

خلال فترة الاعتقال والتحقيق لم نتعرض بأي أذى غير الحرمان عن الاهل والأحبة وعن العمل، وكان المحققون يعاملوننا  معاملة حسنة.

الحديث عن تلك الأيام وكيف قضيناها والظروف التي مررنا بها والأسئلة التي وجهت إلينا، لا جديد في هذا الأمر فهي واحد من تلك المواقف التي تعكس أزمة حرّية التعبير حول العالم، وخاصة في منظومة البلدان النامية في إفريقيا وآسيا ومنها الصومال، وتلقي فيها الأوساط الصحفية والجهات الحقوقية المحلية والدّولية باللائمة على الأنظمة التي تتهمها بممارسة تضييق الحرّيات، وتحتسب الحق لأصحاب الآراء والفكر، فلسنا بحاجة إلى الخوض في تفاصيل أكثر عن حديث الاختلاف حول مفهوم حريّة التعبير وحدوده واحتساب السلطات الحق لنفسها مقابل احتسابنا الحق لأنفسنا.

لكن الأهمّ من كلّ ذلك والإيجابيّ هو أن هذه المناسبة مثلت فرصة لوقوف السلطات على حقيقة المركز من حياده وانحيازه لخدمة العلم والمعرفة والحقيقة فحسب، وتأكّدها من بطلان كثير مما يروجه المغرضون بشأن المركز من الدعايات الرخيصة التي أقلّها أنه واجهة لجهات معارضة للنظام، ولا نخفي اعتقادنا بأنّ هدف الاستيثاق من صحة هذه الدعايات كان المحرك الرئيس لحادثة الاعتقال. وقد تأكّد الآن لدى السلطات نصاعة عمل المركز ونصاعة طاقمه، واستقلاله التام وحياده وعدم تبعيته لأيّ جهة سياسية بما يسدّ الباب على أصحاب الدسائس الذين يقلقهم خير هذا المجتمع ويسعون للإيقاع بين سلطته وأصحاب الرأي والتنوير فيه. وهذه هي حقيقتنا التي ظللنا نؤكّد عليها ونكرر تأكيدها هنا بأننا لسنا جهة سياسية معارضة للنظام أو مؤيّدة له، وإنما نحن مركز للبحث والعلم والمعرفة يبحث عن كلّ ما فيه استقرار هذه البلاد وتقدمها على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والتعليمية والاقتصاديّة، ويطرحه ويقترحه ويبذل المشورة لذوي الاختصاصات سواء في الحكومة أو في لجان المجتمع المدني. وينوّه ويشيد بتحقيق مصلحة المجتمع سواء على يد النظام أو على يد المجاميع الشعبية الأخرى بغض النظر عن مواقف الجهة الفلانية أو الجهة الفلانية.

استنشقنا نسيم الحرية  في السادس من شهر سبتمبر الجاري، بعد 48 يوما من الجهد ومساع حثيثة بذلها مسؤولون في البرلمان والحكومة ونشطاء وقيادات المجتمع المدني، ووقفة رائعة وشجاعة من الأصدقاء وزملاء المهنة و العمل وعلى رأسهم الدكتور محمد حسين معلم، والشاعر محمود عبدي، والكاتبة سمية شيخ عبد القادر، والكاتب عبدالله فارح مري، والكاتب محمد سعيد فارح،والكاتب القدير عبده مهد أحمد(شرحبيل)، وعدد كبير من زملاء القلم، إضافة إلى اطمئنان السلطات نفسها على طبيعة عملنا وبعدنا عن الافتراءات التي يثيرها أصحاب الأغراض الدنيئة حولنا.

شكرا لجميع الأخوة والأخوات الذين وقفوا وتضامنوا معنا في هذه المحنة. تلك الوقفة وذلك التضامن مع باحثي وموظفي مركز مقديشو التي لم تكن سوى وقفة مع حرية الصحافة، ورفض لكسر سنّ الأقلام الحرة، وتوجيه رسالة إلي كل العاملين في مجال الإعلام والصحافة مفادها أن لا نكوص ولا تراجع عن مبدأ البحث عن الحقيقة وكشف الزيف والتضليل مهما كانت التضحيات والتحديات.

شكرا للدكتور وشكرا للكاتبة … وشكرا للجميع.. وجزاكم الله ألف خير.

ونحن من جانبنا نؤكدّ لكم أن مركز مقدشو بعد هذه الحادثة سيبقى نفس مركز مقدشو قبل الحادثة، منبراً للعلم والمعرفة والأفكار البنّاءة ، منتشلاً الحقيقة من أن تضيع في متاهات المزايدات بين الأنظمة والمعارضات، واختلاف التيارات والفئات والأطياف، خدمة للوطن والمجتمع، ونعاهد كم بأننا ماضون على الدّرب بقوة، ولن ينال من عزيمتنا أو يغير موافقنا وثوابتنا  بطش الأقوياء، وتقريظ المحبين، أو يثنينا عن مواقفنا ومبادئنا الثابتة والقوية المبنية على الوطنية والسلمية والحيادية والموضوعية وبما يتوافق مع القوانين المحلية والمعايير الدولية في مجال الصحافة التي كنا نلتزم بها خلال السنوات الماضية، وسنواصل نضالنا وكفاحنا من أجل تغير هذا الوضع وإرساء قواعد إعلام حرّ ومهني لا ينحاز إلا إلى الحقيقة.

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى