تأملات في سورة الإنسان

هذه السورة استحقت عن جدارة باسمها “سورة الانسان” إذ أنها ترسم الطريق لتحقيق الانسانية الحقة بما حوته من توجيهات تربوية عالية التركيز والتحفيز.
إن أهم شيء ينبغي للانسان استحضاره هو قيمة الحياة والخلق بعد العدم (لم يكن شيئا مذكورا) أي لم يكن له اسم. ثم أن مجرد ايجاد الإنسان على ظهر البسيطة ليس هو تمام النعمة بل هو عتبة الابتلاء، ثم ان واهب الحياة زودك بأدوات تمكنه من الخوض في ميدان الابتلاء ( فجعلناه سميعا بصيرا) والركض في ميدان الاصلاح ،ثم امتلاكه لهذه الأذوات دون دعم خارجي من واهب الحياة وخالق الأكوان قد يجعله راسبا في الاختبار.(انا هديناه السبيل) أي هداية دلالة وارشاد.
ولهذا يجب أن تكون الاخرة ( المحطة الأخيرة) دائما نصب عين الانسان..ويجب العيش في يقظة دائمة لتصرفاته ومالاتها فهو مطالب بالاحسان لا بالاساءة وب(الاصلاح) لا ب(الافساد) وب(العدل) لا ب(الظلم) وب(اليقظة) لا ب(الغفلة) وبالأخلاق الحسنة لا ضدها:الوفاء بالعهود ،”يوفون بالنذر” استشعار الخوف من المحاسبة،العطاء حتى في حالة العسر، الحرص على المصلحة العامة، رعاية الحقوق الاجتماعية والتمسك بالعدل حتى مع الأعداء (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (والأسير الكافر بحاجة الى الدفاع عن حقوقه ورعاية العدل معه)، استحضار الاخلاص عند أداء المسئوليات الاجتماعية (انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) الحضور الدائم للجزاء الموعود في حياة الانسان الأولى ((انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا)).
#مشاهد النار
حضور الجزاء السيئ في شعور الانسان تختصره المفردات التالية:
“سلاسل/ أغلال/سعيرا/زمهريرا/يوما ثقيلا/عذابا أليما”

#مشاهد الجنة
وأيضا حضور الجزاء الحسن وأنواعه تختصره الكلمات التالية:
” جنة/حريرا/كأس /مزاجها كافورا/عينا/يفجرونها تفجيرا/ظلالها/ذللت قطوفها تذليلا/فضة/أكواب/قواريرا/زنجبيلا/سلسبيلا/ولدان مخلدون/لؤلؤا منثورا/نعيما وملكا كبيرا/سندس/استبرق/أساور من فضة/شرابا طهورا”
الملاحظ أن مفردات الجزاء الحسن أكثر من مفردات الجزاء السيئ ولعل فيه اشارة الى أن رحمة الله سبقت غضبه وأن من تنالهم أكثر ممن ينالهم العذاب.
#وسائل_النجاح_في_الدنيا
وسائل تحقيق نجاح الانسان في الحياة رسمتها السورة كالتالي ليس على سبيل الحصر:

1-العقيدة_الصحيحة وتشمل: الايمان بالله وبرسله وبالجزاء وبمشيئة الله وبالقران.
2-العبادات الظاهرة( السجود/التسبيح/ذكر الله بكرة وأصيلا)
3- القيم والمشاعر النبيلة :ايثار الاخرة لا العاجلة/الاستشعار بقيمة القران “انا نحن نزلنا عليك الذكر تنزيلا”، التمسك بقيمة التضحية والايثار ( يطعمون الطعام على حبه)،العزيمة والارادة القوية (فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا)، الاستشعار بنعم الله الوافرة، الاستشعار بضعف الانسان ومحدودية قدراته ( لم يكن شيئا مذكورا-نطفة أمشاج) ، استشعار قيمة وسائل كسب المعرفة ( السمع والبصر) واستخدامها لرضى الواهب المانح. فهم سنة الابتلاء ( نبتليه).
#الأخلاق_الاجتماعية(عبادات): التكافل الاجتماعي”يطعمون الطعام”/رعاية حقوق الفئات الضعيفة والمهمشة/ الوفاء بالعهود/ الصبر”.
فهي بحق سورة (الانسان) تختصر مراحل نشأته وخلقه وطبيعة حياته على ظهر البسيطة، والهدف من وجوده ومصيره بعد هذه الحياة، كما أنها ترسم طريق الفوز بتركيز مبهر شديد وبشكل أكثر احكاما ودقة، بأسلوب فريد يجمع بين التصريح والتلويح ، ويخاطب العقل والمشاعر، مازجا العمل الدنيوي والأخروي والفردي والجماعي والسياسي والدعوي باحكام، وتصور حياة الانسان بأنها كفاح للاصلاح والاخلاص والعطاء المادي والمعنوي.
ألا يكفي ذلك دليلا باهرا صارخا على اعجاز القران.
اي والله وقد اختارها لتكون موعظة تقرأ على مسامعنا في كل فجر جمعة لحكمة باهرة.

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى