بين “عــــــلـــي راجـــــي” ومنتقديه

الاختلاف في وجهات النظر أمرٌ  طبيعي، والتنوّع في الأفكار سنّة الله جل وعلا في خلقه ، لذلك جاءت الشريعة بضبط هذا الاختلاف ووضع آداب مُحددة بين المختلفين ، لو طبقنا هذه الآداب في سلوكنا عند الاختلاف لتجاوزنا الكثير من المشاحنات الموجودة التي خرجت من دائرة اختلاف وجهات النظر إلى الإساءة الأخلاقية والتجاوز الشرعي في حق الآخرين .

ما دعاني لكتابة هذه السطور عزيزي القارئ هو أني  تابعت في الأسابيع الأخيرة الجدل الذي يدور حول وسائل التواصل الاجتماعي  الصومالية والتي تتعلق بأفكار الشيخ “عــلــي راجــي” والتراشق الذي يدور بين أتباعه وبعض ممن ينتقدون الرجل،

الكثير من العلماء الصوماليين اتهموا الرجل بأنه  ينكر حجية السنة كمصدر ثاني من مصادر التشريع الإسلامي، كما أنه أباح سماع الغناء في كثير من المقاطع التي سجلها وهذا ما خلق جدلا كبيرا بينه وبين الكثير من العلماء الصوماليين إلى حد أن قام بعض العلماء بتكفيره وتحذير الناس منه.

بداية، لا يناقش هذا المقال  المسائل التي يدور الجدل فيها بين بعض العلماء الصوماليين وبين الأستاذ “علي راجي” و أتباعه ولكنه يناقش التداعيات التي خلفها هذا الجدل بين أتباعه ومنتقديه، واللغط الذي يدور حول وسائل التواصل الاجتماعي حيث أصبحت هذه القضية قضية ساخنة وربما هي الأكثر تداولا في هذه الأسابيع.

لا بدأن نسلم أولا  أن الاختلاف بين العلماء حول مسألة ما من مسائل الدين أمر طبيعي  وليس بالجديد، والناس متفاوتون حسب فهمهم، مع أننا لا بد أن نسلم أيضا أن كل المسائل لا يصوغ فيها الخلاف، وطبعا كل  خلاف ليس معتبرا، حتى يكون له مستند علمي مقبول عند أهل العلم وقد أحسن في تعبير  هذا الشاعر  بقوله

وليس كل خلاف جاء معتبرا ….. إلا خلاف له حظ من النظر .

ولكن الخلاف له آدابه ومقتضياته الأخلاقية، ولسلفنا الصالح الذين نتأسى بهم منهجم في التعامل مع المخالف مهما كان حجمه ومهما كانت المسائل التي يتم الخلاف حولها، فالانكار على المخالف ورده بالحجج والبراهيين وتحذير العامة  منه إن اقتضى الأمر كلها أمور يمكن تقبلها، ما لم تتجاوز الحد المسموح به، وحتى  إنكار المنكر والنصيحة جاءت الشريعة الغراء بضبطه ووضع ضوابط واضحة لحماية شعيرة النصيحة وإبقاء مضمونها الأخلاقي على ألا يخرج إلى الفضيحة أو التجريح أو الانتصار الشخصي .

ومع أن الكثير من العلماء الصوماليين  كان لهم رأيهم الشرعي حول المسائل التي أثارها “علي راجي” ولكن الكثير من أتباع الفكر السلفي في الصومال تحاملوا على الرجل، ولم يقتصروا على مجرد إنكاره في المسائل بل تجاوز الأمر إلى حد الاعتداء عليه شخصيا والنيل من كرامته وتشويه سمعته ومحاولة إسقاطه بطرق عير شرعية .

بل إن الأدهى من ذلك أن بعض ممن يدعون بأنهم يغارون على الدين قاموا بنشر صور غير مناسبة للرجل وهو يلبس لباسا عاديا ويقوم بواجباته العادية، مثلا قام أحدهم بنشر صور للرجل وهو في محل  حلاقة للشعر ، وآخرون نشروا صورا للرجل وهو يأكل في إحدى المطاعم الشعبية، والغرض الوحيد الذي وراء نشر مثل هذه الصور في مواقع التواصل الاجتماعي هو محاولة لتشويه صورة الرجل وتهييج العامة عليه وتصويره بأنه رجل لا يرتقي لمستوى العلماء.

والحقيقة أن القيام بمثل هذه التصرفات ومحاولة تشوية سمعة الرجل بهذه الطريقة دون مناقشته نقاشا علميا ورده بالحجج والبراهين  أيا كان الفكر الذي يحمله لا نجد لها مبررا، غير أنها سقوط أخلاقي وإفلاس حضاري وفقر  علمي وسلوكي يعاني به من يقومون بمثل هذه التصرفات،  لأن الفكرة تناقش بالفكرة وليس هناك ما يدعو  إلى نشر مثل هذه الصور الغير اللائقة واستخدام منهج الاسقاط والتعرية .

سألت أحد الأشخاض ممن وضعوا بعض الصور الغير  اللائقة واستخدم الكثير من ألفاط السباب والشتام والإهانة ضد الرجل، سألته ما الذي يدفعه لفعل كل هذه الأمور ولماذا لا يتوقف عن حد الإنكار والمناقشة دون التعرض للشخصية فقال لي “الرجل هو وضع نفسه بهذا الموقف ولا أبالي أي كلمة قلتها بحقه ما دام أنه مصر على أفكاره هذه”.

ولكن يغيب عن هذا الشخص وأمثاله أن الإسلام مبادئ أخلاقية في الدرجة الأولى ولم يسمح الإسلام الاعتداء على الأشخاص والحرمات،  ومهما بلغت درجة المخالف وحدته فإن على المسلم أن لا يتنازل عن آدابه وأخلاقه وأن يراعي الأدب مع المخالف، وأنه عند الرد على شخص  لا يكون الهدف منه إظهار المساوئ والتجريح والإهانة، ولكن بيان الحق وإظهاره، والصدق والإخلاص في القول، وأن يتقبل الرأي السديد، وليس من عقيدتنا التجريح والطعن في المخالف.

أعرف أن البعض سوف يتهمونني بعد قرآة هذا المقال مباشرة بأني أدافع عن الرجل ولكن لا بأس  فهذه سمة من كرس حياته للدوران حول ذوات أشخاص المخالفين لحربهم، وأهمل ما هو أهم من ذلك وهو المنهجية العامة في البناء العلمي والتربوي سواء كان ذلك بنشر العلم أو بالنقض على المخالفين ورد شبههم دون جعل الشخص محوراً لذلك، ولكن مجرد إطلاق الاتهامات والتعدي على الآخرين في نياتهم وأعراضهم وتشويه سمعتهم جريمة وفساد في التفكير والسلوك.

ما نشهده اليوم في الساحة من اتهامات متبادلة وأوصاف غير لائقة يخرج من نطاق الأدب الشرعي ويخرج من نطاق الشهامة والمروءة ، فالمسلم مطلوب منه أن يُحصّن لسانه ومطلوب منه أن يُظهر الخير و  يطمر  الشر ، وإن كان المحرّك له النصيحة فالنصيحة لها أوصافها وضوابطها ، وعليه أن يحميَ دينه وخلقه من التلطّخ في أوحال الألفاظ النابية والتعدي على حرمات الناس.

المأسف أن البعض أصيبوا بنوع خطير من الإنحراف العلمي والسلوكي عند التعامل مع من يخالفونهم،  وهو  استخدام  السب والتجريج والإهانة واسقاط الشخصية لمن خالف طريقهم أو شيخا من شيوخهم، أو اجتهد في أمر يخالف قولهم فيها، وقد يظن هؤلاء أنهم يقومون بعمل صالح يدافعون به عن الإسلام ولكن الحقيقة أن هذا التصرف بعيد جدا عن الإسلام وأخلاقه.

 

حسن عبد الصمد عبدالله

حاصل على درجة الماجستير في الشريعة والقانون من جامعة إفريقيا العالمية، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من أكاديمية السودان للعلوم
زر الذهاب إلى الأعلى