أرض الصومال.. تطالب بالانفصال ولكن لماذا الحذر ضروري؟

    في محاولة لإقناع الرأي العام الدولي ادعى رئيس أرض الصومال أحمد محمد سيلانيو مؤخرا أن أكثر من مليون مواطن، من سكان المقاطعة البالغ عددهم 3.4 مليون نسمة، قد وقعت على عريضة تطالب المجتمع الدولي باعتراف أرض الصومال.
ومنذ عام 1991، عقب انهيار نظام سياد بري في الصومال أعلنت المنطقة من طرف واحد استقلالها؛ ولكن لم تحظ باعتراف عضو واحد من الأسرة الدولية على مدى ربع قرن ، وفي الوقت الحالي فإن انفصال جنوب السودان وقبلها إريتريا أثارت تساؤلات وشكوكا جدية حول النتائج السلبية لمنح استقلال لدول جديدة في إفريقيا.
  النهج العام للتعاطي مع دعوات الانفصال في أفريقيا كان هو المنع، وهو اختيار الاتحاد الأفريقي (AU) وسلفه منظمة الوحدة الأفريقية،والحجة الأكثر تداولا ضد الانفصال هي أن منح الحق في دولة واحدة يدعو الآخرين لاتخاذ نفس الخطوة، وهذا من شأنه أن يعرض للخطر أنظمة معترفا به دوليا ما بعد مرحلة الاستعمار في أفريقيا.
دعوات الانفصال ظهرت لأول مرة في الستينيات من القرن الماضي متزامنة مع إنهاء الاستعمار وجرت تساؤلات آنذاك حول جدوى استقلال كثير من الدول في جميع أنحاء القارة. وظهرت حالتان:  الكونغو، حيث تعرضت كاتانغا للهزيمة وهي جبهة مطالبة بالاستقلال من قبل قوات الأمم المتحدة؛ والحالة الثانية في نيجيريا، حيث انتهى انفصال بيافرا من قبل القوات الاتحادية النيجيرية.
دول أفريقيا الجديدة
لقد صار لقضية الانفصال نماذج جديدة وبالتحديد في شرق إفريقيا حيث ولدت دولتان جديدتان بعد الانفصال. 

في عام 1993 تم الاعتراف بأريتريا كدولة منفصلة عن إثيوبيا، وصارت آنذاك أحدث دولة في العالم، وحذت حذوها جنوب السودان التي حظيت بالاعتراف في يوليو عام 2011م.
وكانت الظروف في كل من هاتين الحالتين متباينة ولكن الغرض هنا ليس لإعادة النظر في كيف ولماذا حظيتا بالاعتراف ولكن للنظر فيما حدث بعد ذلك.
في كل من الحالتين كان قرار الفصل يهدف إلى التعاطي مع المشاكل التاريخية وتقديم بديل مقبول في شكل دولة جديدة معترف بها دوليا ولكن هل تحققت تلك الأهداف؟
كل من الأمثلة الإثيوبية والسودانية تشير إلى أن الانفصال ليس دائما خيارا أفضل، وقد أدى الانقسام إلى نزاعات حدودية عنيفة ومضاعفات اقتصادية، وسوء العلاقات مع المجتمع الدولي بشكل عام.
بل تجدر الإشارة إلى أن منح الانفصال قد مثل وقودا لمطالب الحركات الانفصالية الأخرى، وهنا ترتفع مناشدات أرض الصومال ليتم الاعتراف بها ككيان مستقل، بدلا من أن يتم استيعابها في الجهود المبذولة لإعادة بناء الصومال، وعندما نالت جنوب السودان استقلالها في عام 2011 وصل وفد أرض الصومال في جوبا العاصمة الدولة الوليدة، وهم يرتدون تي شيرت ( فانلة) مكتوب عليها عبارة”صوماليلاند هي التالي”.
النزاعات الحدودية والتكاليف العسكرية
تنطوي أي حالة انفصال نشوء نزاع حدودي بين البلدين بعد إعادة ترسيم الحدود وقد برهنت حالة كل من إريتريا وجنوب السودان هذا النزاع الذي قد يتطور إلى حرب شاملة .
في عام 1998 ظهرت مشكلة بادمي الحدودية، وهي بلدة صغيرة بالقرب من الحدود الاثيوبية وصارت في الجزء الأريتري، وقد اشتعلت إثرها ثاني أعنف الصراعات بين الدول في أفريقيا منذ الحرب العالمية الثانية. وكان الصراع الآخر على الحدود هو الحرب العنيفة بين الصومال وإثيوبيا عام 1977 حين شنت الصومال هجوما على منطقة أوغادين في إثيوبيا لدعم مطالبتها وهي منطقة تقطنها أغلبية من العشائر من أصل صومالي.
الحدود في جنوب السودان مع السودان عززت نفس المخاوف الدولية فقد كانت ثمة اشتباكات على منطقة أبيي المتنازع عليها،
وإلى يومنا هذا لم يتم حل قضيتي بادمي وأبيي بما يرضي كلا الطرفين المعنيين، وبدلا من ذلك تستمر في التفاقم.
وغني عن البيان القول بأن النزاعات الحدودية المستمرة في كلا الجانبين أدت إلى مواصلة الاستثمار بكثافة في الجيش والمعدات. وبنفس الدرجة فإن إريتريا وإثيوبيا حرصتا على الاحتفاظ بقوات بقوات كبيرة ومكلفة في مواجهة بعضهما البعض عبر حدودهما المتنازع عليها.
وبينما وافقت جنوب السودان والسودان إلى وضع قوة مشتركة متكاملة على حدودهما المشتركة، فإنه لم يأت إلى الوجود،وبدلا من ذلك أخذت الشكوك المتبادلة والاتهامات في التفاقم باستمرار.
المضاعفات الاقتصادية
الانفصال ينطوي دائما على أسئلة حول العلاقات الاقتصادية، فاستقلال أريتريا على سبيل المثال جعل اثيوبيا بلدا حبيسا غير ساحلي، وقبل استقلالها كان بإمكان اثيوبيا الوصول إلى الموانئ البحرية في مصوع وعصب،وبعد الانفصال أيضا ولكن ظهرت اختلافات كبيرة على الفور لعرقلة هذا التعاون ،وشملت نقاط الاختلاف القيمة النسبية لعملات البلدين والرسوم الجمركية المفروضة على حركة البضائع.
ويعتقد أن تدهور العلاقات الاقتصادية قد لعبت دورا هاما في الحرب الحدودية بين البلدين، وبالمثل، كان جنوب السودان والسودان يتبادلان المنفذ البحري لتصدير النفط وبعد الانفصال أصبح هذا مشكلة. وقد بدأ السودان استخراج النفط في أواخر التسعينيات من القرن الماضي مع وجود الجزء الأكبر من منشأت النفط في الجنوب، وكان يتم تصدير النفط عبر خطوط الأنابيب إلى البحر الأحمر الذي يمر عبر الشمال.
وقد تضمن اتفاق السلام، الذي مهد إنشاء حكومة جنوب السودان في عام 2005، بنودا تنظيمية متعلقة بتقاسم عائدات النفط بين الطرفين، وحين أصبح فصل جنوب السودان واقعا في عام 2011 سرعان ما أدى ذلك إلى شكاوى ضد السودان بأنها لم تحترم الاتفاق ، وأدت إلى إغلاق خط أنابيب النفط المتوجه إلى الشمال بعض الوقت.
إرث الانفصال
مع وجود الخلافات حول الحدود والعلاقات الاقتصادية، وحتى الحرب العلنية، فمن غير المستغرب أن تتطور العلاقات الدبلوماسية بين الحكومات إلى التعقيد والصعوبات الواضحة، وأيضا من غير المفاجئ أنها تؤثر علاقتها مع المجتمع الدولي الأوسع.
الانفصال غالبا ما يعني أن الاتحاد بين الدولتين سابقا ليس قابلا للحياة، وبالتالي فإن الاعتراف الدولي بدولة جديدة يفترض أن الانفصال هو الحل الافضل لكلتا الدولتين : القديمة والجديدة. وقد أثبت الواقع أن هذا مشكوك في كلتا الحالتين وتبقى أريتريا
كمثال لدولة اكتسب سمعة سيئة باعتبارها عضوا مشاغبا مما أدى إلى أن يصبح منبوذا دوليا. من الجانب الآخر انهار جنوب السودان نحو مستنقع الفقر والصراع على نطاق واسع، مما دفع البعض الدعوة إلى وضعها تحت وصاية الأمم المتحدة مع مرابطة قوات أممية على أراضيها على المدى الطويل.
وخلاصة القول تبين أن حالات الانصال التي تم استعراضها لم تحقق الأهداف المنشودة من وراء الانفصال مما يوحي بأن الانفصال في أفريقيا على الأقل ليس خيارا سهلا، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج غير مجدية لحل المشاكل في أي من الدول المعنية.
ولهذا فإن كثيرا من الدول في أفريقيا تضع في اعتبارها هذه النتائج في تعاملها مع مطالبات أرض الصومال المستمرة لمنحها الاعتراف الدولي كدولة مستقلة. وفي الوقت نفسه تتواصل جهود إعادة البناء في بقية الصومال مع رغبة صريحة في أن تكون أرض الصومال هي جزء من العملية السياسية.

 مقال مترجم لـ Peter Robert Woodward اقرأ المقال الأصلي هنا بتصرف

زر الذهاب إلى الأعلى