في رحاب الحرمين: خواطر حاج (1-2 )

تملكتني مشاعر الفرح والسرور عندما بلغني نبأ استضافة خادم الحرمين لشخصي لأداء مناسك الحج هذا العام، وكان قلبي مشغولا بتخيل معني هذه الاستضافة وتفاصيلها وما تحمله من معان سامية لشخصي ولأمثالي من الحجاج الذين شملتهم هذه المكرمة. نعم كان قلبي مشغولا بهذا البرنامج ولم أجد جوابا لذلك حتي وصلت الي الديار المقدسة عن طريق مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة يوم  الجمعة الثاني من سبتمبر .

استغرقت رحلتي ورفقائي من الحجاج الصوماليين الذين شملتهم المكرمة الملكية يومين للوصول الي الديار المقدسة، حيث بدأت من مقديشو مرورا بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا ومن ثم الي مدينة جدة.

شخصيا بدأت ألمس فائدة البرنامج مع بداية الرحلة، حيث تعرفت علي شخصيات صومالية مختارة كنت أسمع عنهم منذ وقت طويل لكنني أصبحت اليوم قريبا منهم وأتحدث اليهم مباشرة. وكلهم شخصيات مرموقة في مجالها في الصومال: تعرفت الي دعاة أجلاء وحملة علم وحكمة، وتعرفت الي مسؤولين وسياسيين مؤثرين الي جانب مثقفين وصحفيين وسلاطين قبائل اشتهروا بالحكمة والعمل للصالح العام.

قلت في نفسي إن الذين أعدوا هذه الاستضافة كانوا  علي قدر كبير من الحكمة في جمع هؤلاء الأخيار في برنامج ضيوف خادم الحرمين للحج والعمرة وهو برنامج ضخم شمل هذا العام  2400 حاج من ستين دولة حول العالم تنوعت خلفياتهم وأعمارهم ، وكان من بينهم أيضا ألف وأربعمائة حاج من ذوي الشهداء في فلسطين المحتلة .

كان هناك هدف واضح من هذه الاستضافة النبيلة وهو جمع هذا العدد من الشخصيات لييقضوا أياما مباركة في رحاب الديار المقدسة لأداء فريضة الحج ولتدارس شؤون المسلمين المختلفة.

وقد ذهلت بمدي الحرص علي رعاية ضيوف خادم الحرمين الشرفين من لحظة وصولنا الي مطار جدة، حيث استقبلتنا كوكبة من خيرة شباب المملكة العاملين في البرنامج وكان لكل سؤال منا جواب جاهز من شاب أو آخر ، وكنت ألمس الجهد الكبير الذي يبذلونه في تسهيل أمور الضيوف القادمين من البلاد المختلفة، ومع الإجهاد الذي عانوه طوال الأيام الماضية وأحسست بأن كثيرا منهم لم يذق طعم النوم والراحة لأيام، الا ان تفانيهم في العمل وخدمة ضيوف خادم الحرمين الشريفين أشعرني وكأنني أهم شخص قادم الي الحج هذا العام، كما شعرت وكأن خادم الحرمين جاء بشخصه لاستقبالي وخدمتي، وأظن أن كثيرين من الضيوف شعروا بذلك.

عند وصولنا الي مقر إقامة الضيوف بدأت مرحلة أخري من البرنامج معدة بعناية . كان الشباب السعوديون وعلي رأسهم الامين العام لبرنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة السيد عبد الله المدلج يتوزعون علي مجموعات لخدمة الضيوف وتحول مقر الإقامة الي خلية نحل لا تعرف الكلل لتنظيم شؤون الوفود القادمة .

وكان من بين الشباب المستقبلين عدد من الشباب اليافعين ولكنهم يحملون قلوبا كبيرة ملؤها الحب والحنان للسهر علي خدمة ضيوف خادم الحرمين الشريفين وتقديم أعمال رمزية تحمل معنا كبيرا وهي سقاية الضيوف بماء زمزم المعطر والقهوة العربية والتمور الفاخرة وهي مظاهر قرأتها في كتب التاريخ او شاهدتها في الافلام، ولكنني لم اكن أتصور أنني سأراها بنفسي هنا.

عندما استلمت كأس زمزم المعطر من الشاب الصغير ذي الزي المميز ، أصابني شعور غامر بأنني سافرت في الزمن الي الوراء ، وسرح فكري بعيدا وتصورت قدماء الحجاج الذين كانوا يأتون الي مكة المكرمة لأداء الحج وهم علي ظهر رواحلهم المنهكة ، وكان ماء زمزم أكبر هدية تقدم لهم من قبل أهل الحرم فيرتوون وينطرحون ارضا وهم فرحون بأمرين: فرحة الوصول سالمين وفرحة الارتواء بماء زمزم الطاهر.

استيقظت من سرحاني بوقوف شاب آخر من شباب برنامج ضيوف خادم الحرمين يربت علي كتفي برفق ويسألني بهدوء فيما اذا كانت لدي مشكلة فقد لاحظني كما قال لدقائق وانا لا اتحرك من مكاني ممسكا بكأس الماء. شكرته علي لطفه وأخبرته بأنه ليست لدي مشكلة وانما كانت لحظة تأمل غلبتني وانا أهم بشرب ماء زمزم. أخذ بيدي وأجلسني علي أريكة قريبة وقال لي استرح شوية يا حاج! ومضي في الزحمة وواصلت طريقي الي الغرفة المخصصة لي بمساعدة شاب آخر.

بعد تغيير ملابسي  بدأت مرحلة أخري وهي التعرف الي ضيوف خادم الحرمين الشريفين. فقد قادني الفضول الي سؤال من ألتقي بهم من الضيوف عن بلدانهم وكان بعضهم يبادلني نفس الفضول، واكتشفت بأن المشمولين في برنامج الاستضافة يحجون للمرة الاولي مثلي ولكن الاهم من ذلك كان القاسم المشترك بين الضيوف وهو الاهتمام بسؤون المسلمين اينما كانوا.

وانهالت علي أسئلة كثيرة لم أكن أتوقعها عندما اكتشفوا أنني قادم من الصومال، شعرت بالخجل عند بعض الأسئلة ولكنني كنت أشرح قدر ما أستطيع ، وكان يحدث احيانا في الجلسات العابرة بأن يتم تناول أكثر من فضية للمسلمين في هذا البلد او ذاك : من فلسطين الي ميانمار الي الصومال الي بوتسوانا الي فيجي واروبا والصين… الخ

وأعتقد أن ذلك كان من بين اهداف برنامج الاستضافة التي وضع القائمون عليه نصب أعينهم وآمل أن يكون برنامج الاستضافة لبنة اخري في سبيل تعزيز شعور الأخوة بين المسلمين في أنحاء العالم.

واعتقد ايضا ان أجواء المشاعر المقدسة من شأنها ان تحيي هذا الشعور بين المسلمين عامة وبين هذه النخبة المختارة في برنامج ضيوف خادم الحرمين هذا البرنامج الذي دخل عامه العشرين ويزداد تألقا كل عام .

غادرت المشاعر المقدسة والحرم المكي لأتوجه الي الحرم المدني لزيارة ضريح المصطفي صلوات الله وأزكي تسليماته عليه. الي اللقاء.

على حلنى

صحفي صومالي يعمل ويقيم في مقديشو، ورئيس نقابة الصحفيين الصوماليين، عضو المكتب الدائم لاتحاد الصحفيين العرب، يعمل حاليا مراسلا لتلفزيون وراديو ال بي بي سي عربي.
زر الذهاب إلى الأعلى