مهددات الوحدة الوطنية في ذكرى الإستقلال

في يوم 1 يوليو (تموز) من كل سنة يخلد الصّوماليون ويحتفلون بذكرى عيد الاستقلال، و توحيد شطري الجنوبي والشّمالي للصومال، ويهدف هذا الإحتفال والتخليد إلى التذكيرالمستمر للشعب الصومالي وبالأخص الأجيال الجديدة، بالثمن الباهظ الذي دفعه أجدادننا من أجل تحرير البلاد، وإخراج القوى الغازية المستعمرة من تراب الوطن، وهو أيضا تعبيرعن الإمتنان والإحتفاء الأبدي للأجداد الذين ضحوا بحياتهم خلال الكفاح من أجل استقلال الصومال، وتوحيد أراضيه الذي مزقه الإستعمار إلى خمسة أجزاء تقاسمته قوى إستعمارية بائسة وهي: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والإمبراطورية الإثيوبية.

طموح الأجداد

الوحدة الصّومالية هو الحلم الذي راود أجدادنا القدامى وهم يدافعون عن وطنهم في سبيل نيل استقلاله، و كان معظمهم يتطلعون إلى توحيد الأراضي التي تسكنها القومية الصّومالية ليتشكل منها الصومال الكبير، وبذلوا لأجل ذلك الغالي والنفيس، ولم يكن لديهم غايات خفية من وراء هذا المطلب، إلّا أنهم أرادوأن يرو بلادهم قوية موحدة لتستوعب موقعها الجغرافي الحساس لوضع حد لأطماع القوى الإستعمارية الإقليمية التي تطمع بالصومال وأراضيه على مر التاريخ.

 ولم يكونوا يعرفون إلا مفهوما واحدا للوحدة وهو إعادة الهوية الوطنية واللّحمة التاريخية بين أبناء الصّومال الذين تجمعهم العرق والدّين واللغة والمصالح والتقاليد المشتركة، وكانت هذه الوحدة عاملاً مهما من عوامل إستمرار وجودهم التّاريخي والحضاري في هذه المنطقة.

ردة الأبناء:

وبعد مرور الأيام وتنامي الخلل الإجتماعي في الصومال، اشتعلت نار الفتن والحروب بين الأبناء، وحملوا السلاح بعضهم ضد بعض، كما لجأ آخرون إلى أحضان إثيوبيا، الدولة التى كانت جزئ من قوى الإستعمار، وأسسوا هناك حركات وأحزاب سياسية ، ليجدوا منها دعما، ولتكون لهم منطلقا لتحركاتهم الرامية لهدم جدران الوطن والإستحواذ على السلطة والنفوذ عنوة، وأدت هذه التحركات في نهاية المطاف إلى إنهيار نظام سياد بري عام 1991م ودخول البلاد بحالة من الصراعات المتعددة ذات الطابع القبلي والمناطقي ماضاعف الخلل الإجتماعي الذي خلفه الحكم المستبد، ولم يفلح أبناء الصومال لأكثر من عقدين في حل تراكمات هذا الخلل وما حصل من تفكك للنسيج الاجتماعي.

كما تعالت دعوات الإنفصال في شمال الصومال، وهم الذين قاد أجدادهم الوحدة، وكرد فعل غاضب على ممارسات الحكم العسكري المستبد لسياد برى عبرصوماليو الشمال الغربي عن يأسهم من جدوى الوحدة في يوم 18 مايو عام 1991م حيث أعلنوا إنفصالهم عن الجسد الأم (الصومال)، وتم تأسيس ما سمي بجمهورية أرض الصومال، وكان هذا الموقف بداية التفكيك لحلم الإجداد، وإنعدام الثقة بين أبناء الوطن، والخطوة الأولى لتقسيم ما تبقى من حلم الصومال الكبير.

تقسيم المقسم :

وبعد تبنى الصومال نظاما فدراليا بدلا من النظام المركزي في مؤتمر المصالحة الصومالية في كينيا عام 2004 م ، ظهرت في الواجهة آراء متباينة حول الفدرالية، ترى بعضها أنها تقلل من حدّة الصراع الذي دام عقدين وتعيد الثقة المنهارة بين أبناء الوطن وهي الأنسب لإستعادة الإستقرار، وأخرى متخوفة من أن تكون بداية لتفكك جمهورية الصومال وتعميق الفجوة بين المجتمع، فضلاً عن هذا وذاك فإن الصيغة الفدرالية الحالية القائمة على العنصر القبلي وطموحاته تزيد الانقسامات الداخلية، وتفيد الاطراف الخارجية للتدخل في شوؤن البلاد، وربما توفر أرضية لإنفصال بعض الولايات في المستقبل.

مهددات الوحدة الوطنية:

        وفي كل الأحوال فإن الصومال وبعد 56 عاما من إستقلاله يمر بمنعطف خطير يهدد وحدته ونسيجه الاجتماعي بسبب عوامل كثيرة متداخلة أهمها:

  1. التدخلات الخارجية: وهي سياسات نافذة تشجع الإنقسامية ووضع الحواجز النفسية بين أبناء الوطن وتسهم في تفكك الصومال، لأن القوى الخارجية الفاعلة في السياسة الصومالية يرون في بقائه موحداً خطراً على مصالحهم وفي مقدمة أولئك الدول الإقليمية الجارة للصومال،حيث تسعى هذه الدول ليل نهار بهدف لوضع العراقيل في طريق الوحدة وبناء دولة قوية تتمتع بالإستقرار، لأنهم يخشون أن تتحمس الصومال مرة أخرة وتعمل لإعادة حلم الصومال الكبير، والمطالبة بالأراضي التي تسكنها القومية الصومالية في كل من كينيا والصومال، لذلك ليس من المستغرب أن تسعى هذه إلي تمزيق الصومال و تفضيل التعامل معه على شكل كيانات وجزر مقطوعة عن بعضها، كما هو الواقع الآن حيث تتمتع دول الجوار بعلاقات خاصة مع الولايات المشكلة للنّظام الفيدرالي.
  2. ضعف المؤسسات القانونية وتداخل صلاحيات المجالس الدستورية: فشلت الحكومات الصومالية المتعاقبة في وضع دستور دائم للحكم يفصل بين السلطات ويحدد الصلاحيات، واكتفت باصدار دساتير مؤقتة أو انتقالية غير مكتملة، وتخضع بالمراجعة في كل حين، وتتداخل الصلاحيات فيه، وهي دساتير موسومة بالضبابية في تحديد الهوية الوطنية، ولايرقى لطموحات الشعب الصومال، إضافة إلى ذلك فإن نظام الحكم المنصوص عليه (الفدرالية) يكرس الانتماءات المناطقية والقبلية على حساب الانتماء للوطن.
  3. المحاصصة القبلية : يخضع النظام السياسي في الصومال مند مؤتمرعرتا للمحاصصة القبلية والتوازنات العشائرية، وهو سبب لجل الأزمات السياسية والإجتماعية في الصومال، ومنطلق لإنتشار الفساد والفوضى وغياب الأمن والأمان، ويكرس هذا النظام تقسيم المجتمع الصومالي ويزيد الفرقة بين مكوناته كما يشجع على بقاء الثقافة البدوية القائمة تقديس الولاءت القبلية.
  4. الإستقواء بالخارج: المجتمعات القبلية والكيانات القائمة على فلسفتها لديها قابلية للإرتماء في أحضان القوي الخارجية المتنفذة في السياسة الصومالية خصوصا الدول الإقليمية، فعندما تتعرض احدى فئات المجتمع وكياناته لما تعتبره تهميشا أوظلما إجتماعيا أو تنعدم ثقتها بشركائها في الوطن، فإنها تتحفز للدخول في حالة صراع مريرلايمنعها من الإرتباط بالقوى الخارجية التي تستثمر مثل هذه الثغرات لأغراضها الخاصة.
  5. التعصب القبلي والمناطقي.: القبلية والمناطقية أصبحت هويات بديلة عن الهوية الجامعة لكافة أبناء الوطن، ويغذي ذلك الإعلام، والسياسيون، والخطاب السائد القائم على التخويف من الآخرين، وهذا من أخطر المهددات التي تواجه وحدة الصومال، ولابد من صياغة خطاب وطني عام يؤكد على الهوية الجامعة، وتدشين مشاريع تسهم في إذابة الحواجز النفسية بين أبناء الوطن.
  6. الإحساس بالظلم والتهميش: ثمة حالة من عدم الثقة خلفتها الحروب الأهلية بين أبناء الوطن، وكل قبيلة لها تجارب مريرة سواء مع الحكم العسكري المستبد، أو أثناء المواجهات العنيفة أثناء الحروب الأهلية، وهي في نضال وصراع وتحفز مستمر لضمان عدم تعرضها للظلم والتهميش، فغياب العدالة، والشعور بالأمان، وإنعدام الثقة هي من أكبر مهددات الوحدة الوطنية، فالحالة السياسية المضطربة في الصومال لها إرتباط عميق مع صراع مخفي بين الكيانات القبيلة للإستحواذ بالثروة والسلطة، وأكبرخلل تعرض له مفهوم الدولة هي إعتبار النفوذ والسلطة فرصة لنهب الأموال العامة، فالتكليف بالخدمة للصالح العام أصبح مرادفا لفرص ذهبية في النهب والإستحواذ على السلطة لصالح الكيان الذي ينتمي إليه المكلف وهذا ما يولد حالة الخوف المستمرة من الظلم والتهميش.

     و أخيراً  الحفاظ على وحدة الوطن والمجتمع هوهدف مصيري وسامي لكل الصوماليين ويجب السعي المستمر إليه والتمكين لكل الوسائل التي تسهم في تمتين هذا الهدف النبيل في أرض الواقع، ومها اختلفنا او اتفقنا فإن وحدة الصوماليين إرثُ تاريخي، وحقيقة مادّية راسخة على الأرض، والهويّة الوطنية متجذرة في وجدان كل الصوماليين،وهي فرصتنا الوحيدة لبناء قومية صومالية قوية ومؤثرة في الصراع الحضاري في القرن الإفريقي، فعلى الجيل الحاضر أن يعلن القطيعة مع الماضي وماحصل من مشاكل وحروب وفتن، وعليه أن يسعى وبكل قوة نحو الوحدة، وحدة الآمال والآلام المشتركة،وحدة المصير وذلك لبناء كيان وطني  جامع يحفظ هيبتنا ويعيدعزنا ومجدنا في هذا العالم الذي لا يحترم إلا الأقوياء..

محمد سعيد فارح

مدير مركز النجوم للتديب والبحوث في سناج
زر الذهاب إلى الأعلى