قراءة حول زيارة نتنياهو إلى إفريقيا

لتحميل الصدى أنقر على : زيارة نتنياهو إلى إفريقياpdf

العلاقات الإسرائيلية الإفريقية

تعود العلاقات الدبلوماسية بين إسرائل والدول الأفريقية إلى بداية ستينيات القرن الماضي، عندماكانت القارة تشهد حركات التحرر من الإستعمار الأوروبي، لكن تلك العلاقة تقلصت مع قطع معظم دول القارة علاقتها مع الكيان الصهيوني في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام1973 ، حيث وقفت معظم الدّول الإفريقية إلى جانب العرب ، و انحازت للقضية الفلسطينية. فالاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات وجها ضربة قاسية إلى علاقة إسرائيل مع الدّول الإفريقية، إلى جانب عامل آخر أكثر قوة، وهو إقامة إسرائيل علاقة دافئة مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قبل سقوطه في عام1994، فقد كانت إسرائيل من الدول المؤيدة لذلك النظام. مما جعل الدول الأفريقية تنظر إلي إسرائيل على أنها دولة احتلال تحتل أراضي الغير بالقوّة العسكريّة، ومنذ ذلك التاريخ كان الاحتلال يحاول كسر عزلته في المجال الدّولي، وذلك بكسب ود الدول الأفريقية ومحاولة ترميم علاقته معها.

وحسب تصريح نتنياهو غداة انطلاق جولته الأفريقية التي وصفت بالزيارة التاريخية، فإنها تكون بمثابة العودة إلى القارة السمراء والولوج إليها من البوابة العريضة، وأن إسرئيل لديها فرصة كبيرة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بعض الأسواق الناشئة الواعدة في إفريقيا، وتعتبر زيارة نتنياهو هي أولى زيارة من نوعها يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء منذ زيارة إسحاق شامير التي شملت أربع دول في غرب أفريقيا عام1987.

وقد استهل نتنياهو جولته الأفريقية بمطار عنتيبي الأوغندي، حيث شارك في الاحتفالات التي أقيمت بمناسبة مرور40 عاماعلى الغارة الإسرائيلية على المطار، لتحرير رئاهن إسرئيليين اختطفهم فلسطينيون فدائيون في طائرة الخطوط الفرنسية التي كانوا على متنها عام1976 ، حيث قتل شقيقه يونثان نتنياهو(يونى) الذي كان قائد تلك العملية، وقد التقي نتنياهو بقادة وزعماء سبع دول إفريقية من بينهم الرئيس الأوغندي يوري موسيفينى والرئيس الكيني أوهورو كينياتا،والرئيس الرواندي بول كاغامي ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسيلين ([1])

وكان الوفد المصاحب يضم أكثر من 80 رجل أعمال من 50 شركة إسرائلية بهدف خلق علاقات تجارية مع دول وشركات أفريقية، وكانت هذه الزيارة تتوج سسلسة الجهود الإسرائيلية الرّامية إلى استعادة العلاقات بين بعض البلدان الأفريقية وإسرائيل.

أهم أهداف هذه الجولة

ويمكن حصر أهداف هذه الزيارة فيمايلى:

أوّلًا: تعزيز التواجد الإسرائيلي داخل القارة الأفريقية

فمع قطع معظم الدّول الأفريقية علاقتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني إلّاأن إسرائل ظلّت على علاقة وثيقة ولو بشكل غير رسمي مع معظم تلك الدول، مما يدل على ذلك أن التجارة الإسرائيلية مع أفريقيا في الفترة مابين عامين1973وحتى 1978 قد تضاعفت من54.8 مليون دولار إلى 104.3ملايين دولار. وتركزت هذه التجارة بالأساس في الزراعة والتكنولوجيا([2])

ومن المفارقات العجيبة واللافت للنظر أن إسرائيل تمتلك مصداقية كبيرة لدى بعض الدّول الأفريقية في ميادين الاستخبارات والتدريبات العسكرية، وقد استمرت مساعداتها العسكرية المقدّمة لتلك الدول حتّى في ظلّ سنوات القطيعة الدّبلوماسيّة بينها وبين الدول الأفريقية،خاصة في  مجال تدريب قوات الشرطة، وقوات الحرس الرئاسي لعدد [3]من الدول الأفريقية مثل زائير(الكونغو الدمقراطية حاليا) والكاميرون، كما تنشط هذا المساعدات في إثيوبيا ودول القرن الأفريقي، حيث ساهمت في نقل الخبرات الفنية إلى تلك الدّول عن طريق برامج تدريبية معينة

ويرمي رئيس الوزراء الإسرائيلي من خلال هذه الزيارة إلى تعزيز تلك العلاقة وتقويتها على مستويات الدبلوماسيّة والتجارة والأمن، كما ومساعدة الدّول الأفريقية المعنيّة بالزيارة في مجالات مختلفة مثل تكنولوجيا المياه والزراعة والطاقة المتجددة وأمن الاتصالات والمعلومات والبنية التحتية ، والثروات المعدنية، وبناء السدود على نهر النيل.

ثانيا:التنسيق الدبلوماسي

 وذلك عن طريق توسيع العلاقات الدّبلوماسيّة مع الدّول الأفريقية المطلّة على حوض النّيل للتّأثير على هذه الدّول فيما يتعلق باستخدام مياه النيل بين دول المنبع والممر والمصبّ ، وتشجيع إثيوبيا على المضيّ قدما في بناء سدّ النهضة، والذي يثور جدل حول تأثيره على حصّة الدّول العربيّة، وخاصّة مصر، كما تحاول الخروج من العزلة الدّولية التي يواجهها الكيان الصهيوني في المحافل الدّوليّة ، لذا أقر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل بداية هذه الجولة فتح مكاتب الوكالة الإسرائيلية للتنمية الدّوليّة في البلدان الأفريقية الأربعة التي زارها نيتنياهو لتساهم الوكالة مع هذه الدول النامية في نقل التكنولوجيا والخبرات الإسرائيلية، كما أقر المجلس تخصيص مبلغ13مليون دولار لتعزيز الاقتصاد والتعاون مع الدول الأفريقية في مجالات الأمن والزراعة والصحة.

ثالثا:محاولة الخروج من العزلة

ومما لاشك فيه أن الكيان يعاني من عزلة دولية حيث يتعرض لانتقادات شديدة بسبب مواقفه المتعنتة  والمتشددة حول الاحتلال واستمرار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة،ورفضه لمباردة السلام العربية وحلّ الدّولتين. وتأتى هذه الزيارة في إطار محاولة إسرائيل الرّامية إلى كسر تلك العزلة، وخاصّة بعد الاتفاق الذي وقّعه الكيان مع تركيا قبل أسبوع، حيث تحاول إسرائيل كسب شركاء آخرين في القارة السمراء، والهدف من ذلك كسب أصوات الدول الأفريقية في المحافل الدّولية، كما تسعى إسرائيل الى الحصول على عضوية مراقب في الإتحاد الأفريقي، وطالبت بذلك كلًّا من كينيا وإثيوبيا مرارا، لما يحققه ذلك من ضمان تواجدها في القارة لأن الانضمام إلى الاتحاد يعني لها علاقة غير مباشرة مع دول شمال أفريقيّة، لكن هذا المسعى لا يمكن تحقيقه في هذه الظروف، حيث رفض الاتّحاد الأفريقي استقبال نتنياهو في مقره بأديس أبابا على هامش زيارته إلى إثيوبيا. ممّا يعني أن الاتحاد لن يوافق على منح إسرائيل العضوية، إذ أنّه إذاكان الاتحاد يرفض استقبال نتنياهو فكيف يوافق على إعطاء الكيان الإسرائيلي صفة عضوية مراقب، وهو ما لا يسمح به ميثاقه.

رابعا: فتح أسواق جديدة في إفريقيا

تهدف إسرائيل كذلك إلى فتح أسواق جديدة في إفريقيا لمنتجاتها العسكرية والتكنولوجية وغيرها في ظل وجود أزمة اقتصادية عالمية ومحلّيّة، خاصة وأن أفريقيا قارّة صاعدة تم تصنيف سبع دول فيها من بين أعلى عشر دول في العالم من حيث معدّلات النمو، هناك نمو اقتصادي بحاجة ماسّة إلى استثمارات وتمويل إضافي فى ظل الأزمات الاقتصاديّة التي يمرّ بها العالم،كما يتطلع الأفارقة إلى الدخول إلى أسواق المال العالمية عبر بوبة إسرائيل، لكنّ الذي يستهويهم في هذا الصدد ويثير اهتمامهم هوالخبرات والتكنولوجيا الإسرائيلية في مجال الأمن ، وتشير بعض الأرقام إلى ارتفاع مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في أفريقيا، والتي بلغت أكثر من 200مليار دولار قيبل ثلاثة أعوام([4])

ويبدو أن إسرائيل تحاول إحداث تغير في موازين القوة السياسية في القارة الأفريقية عن طريق دعمها لبعض الدول الأفريقية ذات الأهمّيّة الاستراتيجية بالنسبة لها على حساب الدول العربية الأفريقية.

لماذا الاهتمام الإسرائيلي المتزايد بإثيوبيا؟

مما لاشك فيه أن الاهتمام الإسرائيلي بإثيوبيا لا يأتي من فراغ، وإنما هنالك دوافع اقتصادية وسياسية واستراتيجية وجيو استراتيجية، منها وجود أقليّات يهوديّة فيها خاصة تلك المعروفة بالفلاشا،وقد تم تفويج أعداد من هذه الأقلّية إلى إسرائيل في فترات سابقة، كما يأتي هذا الاهتمام في سياق  سعي إسرائيل إلى توطيد علاقتها مع الدول الأفريقية التي لها تأثير مباشر على الدول العربية المجاورة لأثيوبيا كالسودان والصومال، أوالتي تربطها مع إثيوبيا مصالح استراتيجية مثل مصر والسودان. ويربط كثير من الخبراء بين الاستفزازات الإثيوبية لمصر بخصوص سدّ النهضة وبين الدّعم الإسرائيلي الخفي لأديس أبابا لتمضي قدما في مشروعها.

وتتطلع إسرائيل من خلال هذا الدعم إلى ضمان أمنها المائي والحصول على حصة ثابتة من مياه النيل وهي فكرة قديمة تعود إلى فترة ماقبل تأسيس الدولة اليهودية. وهناك شراكة حقيقة مهمة بين البلدين في مجالات متعددة مثل المياه والرّي والتعاون في مجال الفضاء وتوطيد العلاقة في المجالات التكنولوجية والأكاديمية، ويبلغ رأس المال الإسرائيلي المستثمر في إثيوبيانحو مليار و57مليون دولار أمريكي في281 مشروعا 11 منها تحت التنفيذ([5])

وعلى الرغم من أنّ إثيوبيا دولة حبيسة إلا أنها تجاور بلداناً أفريقيّة –عربية ضعيفة ومفككة مثل الصومال وجيبوتي، ولهذا تسعى اسرائيل من خلال تعزيز علاقتها مع إثيوبيا إلى تحقيق الأهداف الآتية:

  • محاصرة الدول العرييّة المطلّة على البحر الأحمر ومحاولة زعزعة أمنها واستقرارها عن طريق الحصول على قواعد عسكرية في المناطق القريبة من البحر الأحمر، والسيطرة على منابع النيل.
  • محاولة الحصول على تسهيلات عسكرية في دول القارة الأفريقية خاصة إثيوبيا كاستخدام القواعد البحرية والجوية وقواعد التجسس وإنشاء محطات للإنذار المبكر والاستطلاع لخدمة أنشطتها الاستخباريّة، ومشاركة إسرائيل في بناء وتنظيم الأجهزة الأمنية لبعض الدول في إفريقيا، وعقد صفقات تسويق إنتاجها العسكري(.[6])

المراجع

[1] أنظرصحيفة جرى ىسلام بوست الإسرائيلة على الرابط وتم تصفحه بتاريخ9/7/2016

http://www.jpost.com/Israel-News/Politics-And-Diplomacy/Netanyahu-departs-today-for-5-day-visit-to-Africa-459420

[2] حمدى عبد الرحمن:اسرئيل وافريقيا في عالم متغير في موقع الجزيرة نت وتم تصفحه بتاريخ10/2016 من يوليو على الرابط

http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/449795d8-9c7a-413b-8ce9-b863c5bb9be8

[3]مرجع سابق أنظر إسرائيل وأفريقيا في عالم متغير

[4] http://www.roayahnews.com

[5]  انظرالأ سباب الخفية لزيارة نتنياهو(بتصرف) على الرابط

http://www.cairoportal.com/story

[6] انظر خالد وليد محمود التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء على موقع الجزيرة للدراسات تم تصفحه بتاريخ 11يوليو2016-07-12

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2012/01/2012124112751652.html

 

زر الذهاب إلى الأعلى