جنوب السودان وتحقق مقولة ( الصراع الافريقي يبدأ ولا ينتهي)

استمر صراع جنوب السودان مع السودان الكبير قرابة نصف  قرن من الزمان ، حيث ان سكان جنوب السودان كانوا يشتكون من التمييز والتهميش العنصري لهم من قبل سكان شمال السودان، لذا اصبح صراع جنوب السودان من اكثر الصراعات الاطول زمنا في افريقيا، إلا ان توصلت حكومة السودان مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في اتفاقية نيفاشا بكينيا عام 2005م  الى اعطاء اهل جنوب السودان حرية الاستفتاء وتقرير مصيرهم .

وسعى معظم السياسيين في جنوب السودان الى تحريض شعب جنوب السودان ضد حكومة شمال السودان ، موهمين لهذا الشعب ان التصويت لصالح الاستقلال عن السودان سيساهم في تطوير وتغيير حياتهم الى الافضل.

وبهذا الامل نحو التغيير والتطوير صوت سكان جنوب السودان الى الاستقلال عن شماله في عام 2011 باغلبية قاربت 100%من اجل تغيير حياتهم الى الافضل وانشاء دولتهم الصغير ذات الخيرات الطبيعية من النفط والمواشي والاراضي الزاعية الكبيرة والجو المعتدل والخيرات التي حباها بهذه الدولة الجديدة.

وانتخب السيد سلفاكير ميارديت رئيسا لاول حكومة في جنوب السودان بعد الاستقلال ، واختار من جانبه السيد رياك مشار ليكون نائبا له وشكل حكومة كانت هدفها الرئيس قيادة هذا البلد الوليد الى بر الأمان وتحقيق طموحات واماني شعب جنوب السودان في الحصول على الحرية والتطور والتنمية والامن والاستقرار.

وتمكن الرجلان حوالي سنتين من العمل الجماعي في تشييد الامن والاستقرار في دولة جنوب السودان.

إلا ان حكومة جنوب السودان لم تستطع تجنيب الصراع والخلاف للدولة الوليدة ، حيث نشب الخلالف بعد عامين فقط من الاستقلال عام 2013 بين سلفاكير ونائبه ، حيث قام سلفاكير بعزل نائبه مشار متهما اياه بمحاولة انقلاب الحكم ، الا ان مشار رفض من جانبه هذه الادعاءات واتهم سلفاكير بمحاولة استئثار الحكم في الدولة الجديدة.

ونشب صراع كبير بين انصار الجانبين ، ودخلت جنوب السودان في اتون حرب اهلية بين سلفاكير الذي كان يعتمد على قبيلته الدينكا بينما وجد رياك مشار الدعم الكامل من قبيلته النوير، مما ساهم في اشعال وتيرة الحرب بين الجانبين ، وحول الصراع السياسي بين الرجلين الى صراع عرقي وقبلي واثني بين الجانبين .

واسفر هذا الصراع الى قتل المئات خلال هذه الحروب وتشريد ما يقارب المليونين عن مناطقهم واللجوء الى مخيمات النزوح والى الدول المجاورة.

وقد حاول المجتمع الدولي والدول الافريقية ومنظمة الايغاد الى التوسط بين الجانبين واعادة السلام والاستقرار في جنوب السودان ، حيث تم التوصل اخيرا الى اتفاقية سلام بين الجانبين برعاية منظمة الايغاد في مدينة اديس ابابا عاصمة اثيوبيا ، ورغم تحفظ سلفاكير في البداية عن الاتفاقية الى انه اعلن في الاخير قبوله لهذه الاتفاقية والمصالحة مع قائد المعارضة رياك مشار.

وتضمنت الاتفاقية تقسيم السلطات بين الجانبين ، وتمت اعادة تنصيب رياك مشار نائبا لرئيس جمهورية جنوب السودان ، واجازت الاتفاقية لمشار بالاتيان بحوالي ثلاث آلاف جندي الى العاصمة جوبا التي وصلها في ابريل من هذا العام 2016م وتولى مهامه كنائب لسلفاكير.

وقد اشار المحللون في ذاك الوقت الى ان الاتفاقية التي ابرمت بين الجانبين كانت هشة ولم تأتي برضا كامل بين الجانبين بل فرضت على الجانبين من قبل المجتمع الدولي الذي هدد بفرض عقوبات على من يرفض اتفاقية احلال السلام في جنوب السودان.

وخلال ثلاثة شهور لم يستطع الجانبين مواصلة تنفيذ اتفاق السلام بين الجانبين ، حيث نشبت معارك ضاربة بين الجانبين خلال هذا الشهر يوليو ، وتبادل الجانبان الاتهامات حول المسئول عن بدء هذه الصراعات والحروب بين الجانبين.

ورغم دعوات السلام والتهدئة من المجتمع الدولي الا ان الحروب والنزاع نشب في العاصمة جوبا ، وتمكنت قوات سلفاكير من دحر مناصري مشار واخراجهم من العاصمة لحد الآن .

ومن الملاحظ خلال الحروب الاخيرة في جنوب السودان رغم توقيع اتفاقية احلال السلام ان مقولة ( الصراع الافريقي يبدأ ولا ينتهي ) قد تحققت في جنوب السودان، فهاهي الحروب النزاعات قد عادت من جديد ولا يمكن لأي حد الوصول الى حل لتوقيف هذه الحروب التي اكلت الاخضر واليابس ، والتي تضرر منها شعب جنوب السودان والذي كان يطمح الى الحصول على الاستقرار والامن والتنمية والتطور والازدهار.

وفي الاخير يمكننا ان نقول انه من الصعوبة بمكان الوصول الى اتفاق حقيقي بين الجانبين ، حيث ان الشكوك وعدم الثقة ما زالت تسيطر بين الجانبين ، وان الخروج من هذه المحنة والنزاعات سيأتي ان وجدت نوايا طيبة من قيادات الاطراف المتحاربة في جنوب السودان، وان قيادات جنوب السودان امام مسئولية تاريخية لتجنيب شعب جنوب السودان الخوض والعودة من جديد الى اتون الحرب الاهلية التي اضعفت البلد وشردت اهله وساهمت في احباط هذا الشعب المسكين، وتحقيق تطلعات شعب جنوب السودان في الوصول الى الامن والاستقرار والرفاهية والرخاء.

عبدالله عبدالقادر آدم

كاتب وباحث صومالي، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة افريقيا العالمية، حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة الزعيم الازهري
زر الذهاب إلى الأعلى