الصومال أرقام واقعية ونتائج غير متطابقة  

تمهيد

فمنذ انهيار الحكومة المركزية في البلاد أوائل تسعينيات القرن الماضي عندما أطاحت الجبهات القبلية المسلحة بالحاكم العسكري الجنرال الراحل محمد سياد برى، دخلت البلاد حالة من الفوضى والاضطراب السياسي اتسمت باقتتال داخلي عنيف بين أباطرة الحرب الطامعين في السلطة، مما أدى الى تفكك البلاد واضطراب حبل الأمن، كما انفرط عقد الوحدة التي تأثرت هي الأخرى بالحرب الأهلية التي جرت في المقاطعات الشمالية بين القوات الحكومية وبين مليشيات الحركة الوطنية ذات الطابع القبلي، وبينما كانت الأقاليم الجنوبية غارقة في الفوضي وعدم الاستقرار متمرغة في أوحال حرب أهلية لم يخب أوارها بعد في أجزاء من الجنوب،كانت المقاطعة الشمالية والتي كانت تعرف سابقا باسم “المحمية البريطانية في أرض الصومال “تستعد لإعادة هيكلة مؤسساتها من جديد، وتتعافي من آثارب الحرب الأهلية، ومن ثم أعلنت انفصالها عن باقي أجزاء البلاد من طرف واحد. وتلا ذلك إعلان العقيد الراحل عبد الله يوسف أحمد(الرئيس لاحقا) عن إدارة إقليم بونت لاند بعد فشل مؤتمر القاهرة للمصالحة بين زعماء الحرب عام1998.

وجرت بعد الإعلان عن إدارة إقليم بونت لاند محاولات عدة لتشكيل إدارات إقليمية على منوالها مثلمافعل قادة جبهة المقاومة الرحنوينية RRA في إعلان تشكيل إدراة جنوب غرب الصومال المكونة من 6 أقاليم برئاسة  العقيد الراحل حسن محمد نور “شاتى غدود” وكانت هناك محاولات عدة لكنها لم تكلل بالنجاح.

وأخيرا تم اعتماد النظام الفدرالي في مؤتمر إمبغاتي في كينيا والذي انبثقت عنه عام2004 الحكومة الانتقاليّة، واختير فيه العقيد عبد الله يوسف رئيسا للبلاد.

الفيدرالية والأرقام المهولة

نظام الحكم في البلاد نظام جمهوري، ديمقراطي فيدرالي ، قائم على التمثيل الشعبي، وعلى أساس التعددية الحزبية والعدالة الاجتماعية، حسب ماهو منصوص عليه في الدستور المؤقت للجمهورية.

ونفور النخبة السياسية في البلاد عن النظام المركزي واللجوء الى الفدرالية في فترة ما بعد الحرب الأهلية له قصة طويلة حصيلتها ضعف الثقة ورغبة الحصول على خدمات أفضل”وتوزيع عادل للموارد”.  والذي يهمنا ذكره هنا أن الفدرالية تستوجب تقاسم السلطات بين الحكومة الاتحادية والولايات والمحافظات والبلديات  المنضوية تحت النظام الفدرالي؟،وأن تتمتع الإدارات الولائية باستقلاليّة ذاتيّة بحاكم خاصّ وبرلمان خاص ودستور خاص وحكومة ومدراء وأجهزة أمنية وقضائية خاصّة إلى جانب المؤسسات الاتحادية المختصة في هذه الشؤون،لكن الفدرالية المعتمدة هنا في الصومال غير مكتملة الأركان وغير واضحة المعالم،و يبدو من ملامحها أنها فيدرالية قائمة على أساس قبلي، كما نفهم أنها مستوحاة من الأزمة العشائرية ومشكلة الحكم في البلاد، يغذيها رغبة بعض دول الجوار في تطبيق هذا النظام لأسباب تتعلق بأمنها القومي.

ومن إفرازات محاولة تطبيق الفدرالية ظهور هذا الكم الهائل من الأرقام التي تمثل الإدارات الإقليمية والاتحادية المختلفة بدءًا من أعلى هرم في السطة في البلاد رئيس الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان، إضافة إلى رؤئساء الولايات الفدرالية، وهياكلها التنظيمية المختلفة. والجدير بالإشارة أن الكثرة الكاثرة من القيادات السياسية الموجودة في المناصب المذكورة أعلاه مجرد أرقام ومسميات لاقيمة لها في عالم الحقيقة. والجدول التالي يوضح الأرقام التي تشتمل عليها المؤسسات التشريعيّة والتنفيذيّة في البلاد.

الجدول رقم(1)

الرقم

الإدارة

عدد الوزراء

وزراء بلاحقيبة

نواب الوزراء

أعضاء البرلمان

1

الحكومة الفدرالية

26

14

26

275

2

أرض الصومال

20

غير محدد

20

164

3

بونت لاند

19

9

19

66

4

جوبالاند

17

5

17

72

5

جنوب غرب الصومال

34

6

34

145

6

جلمدغ

24

5

24

89

المجموع

140

39

140

811

الجدول رقم(2)  يوضح إجماليّ الأرقام مع إضافة الرؤساء والنوّاب بمختلف مواقعهم

رؤساء

7

نواب باختلاف مسمياتهم

7

الملاحظة

رؤساء البرلمانات

8

نواب 

16

أعضاء البرلمان

811

الوزراء

156

126

عدد الوزراء يتضمن وزراء الدولة في الحكومة الاتحاديةوالإدارات الإقليمية باستثناء وزراء الدولة في إدارة أرض الصومال

مدراء عام في الوزارات

126

لم نتعرض لذكر مدراء الأقسام في الحكومة الفدرالية ولافي الإدارات الإقليمية بما فيها إدارة أرض الصومال، لاختلافها باختلاف الوزارات والنظام المتبع في هياكلها من إدارة لاخرى.

أين يكمن الخلل

وبما أن الهدف من وراء اختيار النظام الفدرلي كان إعادة هيكلة نظام الحكم في البلاد على أساس يرضي جميع أطراف ومكونات الشعب الصومالي، عن طريق توسيع المشاركة السياسية،وضمان توزيع الموارد على الأقاليم والولايات بشكل عادل، وتسهيل الخدمات الحكومية لجميع المواطنين، إلا أنّ النتائج التي تمخضت عن تطبيق هذا النظام أظهرت بشكل قاطع وجود خلل ما في البناء العضوي أو الوظيفي لهذا النظام، والخلل هنا لايرتبط حسب تقييمي الشخصي بالنظام المتبع رغم عدم وضوحه بقدرما يرتبط باللاعبين أو الفاعلين الحقيقين على الأرض، لأسباب يعود بعضها إلى مفهوم الدولة والإدارة لدى الإنسان الصومالي، بينما يعود البعض الآخر إلى التركة الثقافية الثقيلة حول ممارسة الحكم والسياسية في بلادنا.

وكيفما كان الأمر فإن العوامل التالية مناقشتها يمكن اعتبارها من الأسباب الحقيقية المؤدّية إلى التباين والفجوة الحاصلة بين الأرقام والنتائج.

  1. الفساد وسوء الإدارة

يعتبر الفساد من الإشكاليات التي أفشلت النظام الإداري في الحكومة الفدرالية، والولايات على السواء. والفساد المستشرى في جسم الدولة يشمل الفساد الإداري والمالي والقضائي،بحيث جاءت الصومال على رأس الدول الأكثر فسادا؛ إذ حصلت على الصفر المئوي،* وتشير بعض التقارير الى أن 80% من حجم الحسابات المسحوبة من البنك المركزي الصومالي يتم استخدامها لمصالح خاصة وليس لتمويل مشاريع حكومية،كما أن معظم الودائع التي يتم وضعها في البنك مجهولة المصدر،كما نقلت جريد الوطن الكويتية عن وول استريت جورنال()

ومع انتشار الفساد في جميع مؤسسات الدولة فلا يوجد في البلاد رقابة ادارية على تلك المؤسسات،كما لم يتم تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد،ولاتقوم المؤسسات التشريعية بالدور الرقابي المنوطة بها نتيجة الفجوة  والقطيعة الموجودة بينها وبين السلطة التنفيذية في البلاد

إذا الفساد هو الذي أفسد الحياة السياسية في البلاد وجعل هذا العدد الهائل من الإداريين والسياسين بدون جدوى، ويشكل هذا الكم الهائل من الادارين عبئا على الدولة المتخمة بالخلافات وبالإخفاقات المتكررة.

المحسوبية

ونعنى بالمحسوبيّة هنا محاباة الأقارب أو الأصدقاء وإعطائهم الأولويّة في التوظيف والعمل والخدمات ،لا على أساس كفاءتهم وأحقيتهم وإنما بسبب القرابة.

وتكثر المحسوبية في المجتمعات الفقير ة، والتي لا تحترم سيادة القانون ولا تطبقه،فالمحسوبية في مختلف مؤسسات الدولة خلفت آثارا ونتائج كارثية أثرت بشكل سلبي على أدء  مهامها كماأثرت سلبا على ثقة المواطن بالمؤسسات الحكوميّة، مما شكل فجوة بين القطاعات الحكومية المختلفة وبين الشعب، وطبعا هناك علاقة جدلية بين المحسوبية والفساد، فهما لاينفصمان ولا ينفصلان، فحيثما وجدت المحسوبية فثمت الفساد. ولاغرابة إذا من انتشار المحسوبيّة على هذا الشكل في مؤسسات بلد يحاول لتوّه التعافي من آثار حرب أهليّة قبليّة ولا يكاد يستوعب فيه مفهوم المصلحة العامة وتطغى عليها المصالح الشخصية والفئويّة والقبليّة.

إشكالية استخدام السطلة

وهناك إشكالية أخرى ساهمت بشكل كبير في إفساد الحياة السياسية والإدارية في البلاد، والتي يمكن تسميتها “إشكالية استخدام السلطة”والتي تقف حجر عثرة في طريق الاستفادة من الخدمات الحكومية، وهذه الإشكالية القديمة ترجع إلى فهم الإنسان الصومالي للمناصب الحكومية، حيث تداعب أخيلته فكرة الملكية الخاصة والسيطرة الكاملة على تلك الأملاك، وحسب هذه النظرية فإن الوزير مثلا يعتقد أنه هو الذي يملك الوزارة ويتصرّف فيها حسب هواه، دون خوف أو وجل من المؤسسات الرقابيّة، بسبب أنه يدرك تماما حقيقة مجيئه إلى المنصب عن طريق المحاصصة القبلية، لا إكراماً ولا اعترافاً بأهليته وكفاءته. وقل مثلها في سائر المناصب الإدارية العليا للدّولة فإن القائمين على رأسها يستحوذ عليهم نفس التفكير ويتصرفون في مناصبهم من المنظور القبليّ الضيّق.

أما النتائج على أرض الواقع فهي عكسية  وغير متطابقة تماما مع تلك الأرقام المخيفة ونستعرض معكم في هذه العجالة بعض تلكم النتائج:

اولا:تدنى مستوى  الأداء الوظيفي والإداري في البلاد، ذلك لعدم أهلية معظم القائمين و العاملين في المؤسسات الإدارية والسياسية والخدمية للدولة، فبدأ من النائب في البرلمان الاتحادي والمجالس التشريعية في الولايات الفدراليةومروارا بالوزراء  والمدير العام ومدراء الفروع في الولايات لم يتم تعينهم على أساس الكفاءة والأهلية وانما حصلوا على تلك المناصب وفق المحاصصة القبلية البغيضة والتي أحدثت شرخا في النسيج الإجتماعي للمجتمع الصومالي،فلذا لايمكن أن تكون خدمة المؤسسات العامة متاحة لجميع المواطنين بشكل عادل،ومع غياب الرقابة التشريعية والقانونية فإن هذا أفرز وضعابات يشكل خطرا وجوديا على تلك المؤسسات.

ثانيا:غياب المؤسساتية،فهذه النتيجة مردها الي التكوين الشخصي للإنسان الصومالي القبلي البدوي،الذي لايؤمن بالمؤسساتية وقيمها بل يعتمد الإنتساب والولاءت القبلية في التوظيف مما يؤثر سلبا على بيئة العمل،فالعاملون في الوزارة مثلا يؤمنون بشخصية الوزير او المدير أكثر من الوزارة نفسها، وهذا نجمت منه نتائج عكسية أثرت على علها.

ثالثا:استنزاف ميزانية الدولة،فالأرقام الهائلة التي اسلفناها تشكل عبئا على الميزانية الدولة العاجزة أصلا،كما أنها تأتي على حساب الكيف والتنمية السياسية والادارية في البلاد،وتسبب تداخلافي المهام المسؤليات مما يحدث ارباكا وازداوجية في التعامل.

مما سبق ندرك أن أصل الداء هو القبلية والعشائرية التي اندمجت في الحكم مع غياب تام لفسلفة الحكم القائم على سيادة  الدستور والقانون، وما سواهما نتائج ترتبت على فشل النخبة السياسية في انتهاج نظام حكم وسياسة تضمن إخراج البلاد من هذا النفق المظلم إلى برّ الأمن والسلام.

عبد النور معلم محمد

كاتب وباحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى