السباق الرئاسي محددات النجاح

الانتخابات الرئاسية الصومالية لغز بحد ذاتها قبل الخوض في محددات النجاح، ومطبات السقوط والفشل فيها، فهي عملية تصويت يشارك فيها الكل إلا المواطن صاحب الحق الأصلي في التصويت، والذي وبسبب عوامل سياسية وأمنية ودستورية، تمّ تغييبه لصالح من أطلقنا عليه صفة (الكل) هذا (الكل) يتجسد في المجتمع الدولي والقوى الاقليمية المجاورة وشريحة من النخبة السياسية الصومالية المنتفعة من هيمنة القوى الدولية والاقليمية على القرار الصومالي.

والفوز بمنصب الرئاسة في الصومال وفي ظل الهيمنة الأجنبية التي أشرنا إليها في المقدمة تحتاج إلى محددات تساعد صاحبها على الصمود في وجه العاصفة التي تتحرك مدفوعة بمصالح دولية واقليمية ومحلية تتقاطع في معترك السباق إلى كرسي الرئاسة الصومالية، وأهم هذه المحددات:

القبول الخارجي – المال – القوى المحلية – مستوى المنافسة – الوجه الجديد – الفريق المؤهل.

أولا: القبول الخارجي: القرار الصومالي – كما أسلفنا في بداية المقال – لم يعد بيد المواطن الصومالي، ولهذا يأتي القبول الخارجي الأول في ترتيب محددات النجاح في سباق الرئاسة الصومالية، فالقوى الدولية ومخالبها الاقليمية قادرة على تفويت الفرصة لأي مرشح لا يأتي وفق رغبتها وشروطها، وفي حال تسلل وتمكن من الفوز فمصيره الإذلال والمضايقات حتى يستسلم، أو دفعه للهروب نجاة بجلده، ومن الشواهد على ما ذكرناه عبد قاسم صلاة حسن، فاز على الانتخابات الرئاسية في عام 2000م لكنه لم يكن محبوب الجماهير، جماهير (الكل) صاحب القرار الصومالي فلم تكمل حكومته سنتين من عمرها إلا وهي طريحة الفراش تنتظر رصاصة الرحمة من مؤتمر إلدوريت – إمبغاتي في كينيا، وعبدالله يوسف الرئيس التالي لعبد قاسم رغم أنه كان الرجل الأول لإثيوبيا ومن ورائها في الصومال، لكنه عند ما فشل في ترجمة طلاسم مقديشو الناتجة عن تزاوج العشيرة مع الدين لم تشفع له صداقة سوالف الأيام وتم التضحية به في عام 2008م لصالح مترجم فوري (نور عدي) والذي نجح في تفكيك هذه الطلاسم وتدجين ما توحش من قيادات وسياسيي تحالف أسمرا، وأخيرا محمد عبدالله فرماجو شاب صومالي مغترب درس وعاش في أمريكا ثم أصبح رئيسا للوزراء في الصومال، لم يدرك أنه رئيسا لحكومة تمثل (الكل) وليس الشعب الصومالي كما ظن، فحاول مزاولة مهامه كما هي مكتوبة على الأوراق دون أن يستطيع قراءة ما بين السطور، فتمّ التضحية به في الصفقة المعروفة بكمبالا كورد في عام 2011م، ولم تشفع له ما لقيه من تعاطف محلي من قبل المواطن الأصلي المغيَب عن المشهد.

الثاني: المال هو عصب الحياة ويعتبر تواجده في قلب أي حدث أمر لا غرابة فيه، وإن تختلف التبعات القانونية والأخلاقية لمصادره ووسائل دفعه من قطر لآخر. في الصومال وبالتحديد في مجال الانتخابات لا تتسم معظم التعاملات المالية التي تحدث بالصفة القانونية، في الانتخابات الأخيرة تمّ الفرض على كل مرشح بدفع مبلغ عشرة آلاف دولار لخزينة الدولة، وهو التعامل المالي القانوني الوحيد في هذه الانتخابات، لكن صفقات شراء الأصوات وما يصاحبها من نشاطات فهي تحدث وتتكرر في كل موسم انتخابي دون أن يتم إدانتها فضلا عن ملاحقتها قانونيا، ولهذا على كل مرشح لديه رغبة أكيدة في اعتلاء هذا الكرسي أن يتأكد كم من مبالغ مالية في جعبته وبالعملة الأمريكية فقط، التكهنات أشارت إلى أن أقوى المرشحَين في الانتخابات الماضية أنفقا مجتمعان ما يقارب ثمانية ملايين دولارات أمريكية.

ثالثا: دور القوى المحلية، رغم تأكيدنا لتغييب دور المواطن الصومالي لصالح من أطلقنا عليه (الكل) المتمثل في المجتمع الدولي والقوى الاقليمية وشريحة من النخبة السياسية الصومالية المنتفعة من هيمنة  القوى الدولية والاقليمية، فهناك قوى محلية لها مصالحها، والتي استمرارها يعتبر من ضمانات الاستقرار الأمني والسياسي، وهذه القوى متمثلة في ثلاثي (العشيرة، الاسلاميون المعتدلون، التجار)، وهذه القوى أصبحت ورقة لها أهميتها في يد القوى الاقليمية والدولية، والتي أُكتشفت خلال الاجتياح الإثيوبي للصومال في اواخر عام 2006م، وبعد أن فشلت الحكومة المؤقتة ومعها خمسين ألف جندي إثيوبي في حسم صراعها مع مقاتلي المحاكم الاسلامية وفرض الأمن والاستقرار في مقديشو العاصمة، تمّ تحريك هيئة العلماء، ومجلس وحدة عشائر الهوية، ولجنة التجار الصوماليين، ولجنة تجار سوق بكارة، وذلك من أجل إقناع مقاتلي المحاكم بوقف إطلاق النار وإعطاء القوات الاثيوبية فرصة وممرا آمنا للانسحاب من العاصمة، ومنذ ذلك الحين هذه القوى الثلاثة لا تزال فعالة في الميدان، وحصول أي مرشح للضوء الأخضر من هذه القوى الثلاثة يعتبر بمثابة مقويات للبقاء في حلبة المنافسة حتى آخر رمق.

رابعا: موقف رؤساء الأقاليم الفيدرالية، في الصومال حاليا أربعة أقاليم من مكونات النظام الفيدرالي، وهناك اقليم خامس في مرحلة المخاض، ولا نتوقع ولادته قبل الانتخابات الرئاسية إلا بولادة قيصرية قد تضحي بالأم لإنقاذ الجنين كما حدث في جلمدج، رؤساء الأقاليم الأربعة أصبحوا مؤثرين في الساحة وشركاء الحكومة المركزية في القرار السياسي، وسيكون لهم دورا في تعيين نواب البرلمان عن طريق رؤساء الأعيان، ودوافع هؤلاء الرؤساء سياسية أكثر من عشائرية، وعلى كل مرشح لهذا المنصب أن يتودد إلى رؤساء هذه الأقاليم من أجل تأثيرهم على نواب البرلمان.

خامسا: مستوى المنافسة، في أي عمل السباق والمنافسة هو السبيل الوحيد للحصول عليه يجب عدم استخفاف المنافس، فرغم أن المرشح قد يكون لديه معظم المحددات التي تؤهله للفوز بالسباق لكنه قد يكون ضحية لمنافس شرس استخف حاله، ويمكن أن نستشهد بهذا المشهدين الأول: مطلع عام 2009م الانتخابات الرئاسية الصومالية حدثت في جيبوتي المنافس نور عدى هو رئيس الوزراء وبطل المشهد السياسي والذي بسببه تنفس أهالي مقديشو الصعداء بعد أن ضيقت عليهم الخناق القوات الاثيوبية، ونجح في إجراء مفاوضات مع قادة المحاكم الاسلامية، والقوى الدولية كانت تراه عجوزا ليبراليا يعرف كيف يتعامل مع التعقيدات المحلية، لكنه أخفق في تقدير حجم الخصم الذي يواجهه في الحلبة وهو شريف شيخ أحمد رئيس المحاكم الاسلامية الذي دُفع خمسين ألف جندي اثيوبي لإفشال مشروعه، وعاد من الغربة وهو شريك في مصير الوطن بعد ما كان مطاردا وفي وقت تقهقر القوات الاثيوبية وتسعى للخروج من الصومال بأي ثمن، وأن المجتمع الدولي المعجب به (كنور عدي) محتاجا أيضا إلى شريف شيخ أحمد لامتصاص غضب شباب المحاكم الاسلامية المسلح، إضافة إلى عامل آخر وهو أنه خسر مؤيدين لا يقلون عددا من اكتسب منهم ثقة في صراعه مع عبدالله يوسف، ولهذا خسر نور عدي وفاز شريف شيخ أحمد، وفي عام 2012م خسر شيخ شريف الانتخابات الرئاسية بسبب استخفافه الحجم التنافسي للرئيس الحالي حسن شيخ محمود.

سادسا: الوجه الجديد، الصوماليون سريعو الملل، ودائما ينشدون التغيير وشعارهم : “مجهول مرتقب خير من تجريب مجرب” ولو رجعنا إلى ارشيف الانتخابات الرئاسية في الصومال مند عام 2000م نجد أن القديم دائما يخسر أمام الوجه الجديد، على مهدي محمد الذي أصبح رئيسا انتقاليا في عام 1991م لم يستطع الحصول على أكثر من عشرة أصوات في انتخابات عرتا عام 2000م، وعبد قاسم الذي فاز بأغلبية في هذه الانتخابات خسر أمام عبدالله يوسف في انتخابات امبغاتي عام 2004م ونور عدي الحامل لتركة الرئيس عبدالله يوسف خسر أمام شريف شيخ أحمد في جيبوتي عام 2009م، وشريف شيخ أحمد خسر بدوره أمام حسن شيخ محمود عام 2012م، ولهذا الوجه الجديد دائما أكثر حظوظا من الوجه القديم..

سابعا: الفريق الجيد، الفريق الانتخابي الجيد المتناسق، المتجرد لهدف المرشح هو صمام الأمان لنجاح المرشح، وإلا لن تشفع بقية المحددات، ومن أهم العوامل التي أدت إلى نجاح الرئيس الحالي حسن شيخ محمود في الانتخابات الأخيرة هو عنصر الفريق الجيد المتناسق والطموح للفوز بالانتخابات بأي ثمن، إلى جانب عنصري المال والوجه الجديد، بينما يرى المحللون أن الرئيس السابق شريف شيخ أحمد خسر بسبب ضعف فريقه الانتخابي إلى جوانب عوامل أخرى.

هذه كانت محاولة لتسليط الضوء على أهم العوامل التي ترجح كفة ميزان السباق الرئاسي بين المرشحين، والكاتب لا ينفي نسبية هذه العوامل، وإمكانية ظهور أو وجود عوامل اضافية سارية المفعول في هذا السباق.

محمد أحمد عبد الله جوسار

من مواليد 1974م في مدينة بلدوين، يحمل ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كمبالا، يهتم في قضايا الدين والفكر والسياسية، يعمل صحفيا مع قناة الجزيرة.
زر الذهاب إلى الأعلى