الأمن القومي الصومالي… محدداته وأبعاده ومتطلباته

 تعدى مفهوم الأمن القومي  كما كان يتم تعريفه في السابق الذي هو قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواردها ومصالحها من التهديدات الخارجية والداخلية إلي مفهوم أوسع وأشمل، وذلك بسبب العولمة، حيث “لم يعد مفهوم الأمن، مرتبطا بالعامل العسكري بل تعدى إلى السياسة و التكنولوجيا والتعليم، والنمو الاقتصادي واعتماد المعلومات”(1) .

إن التطورات المتلاحقة في الأحداث الأمنية  في الصومال تلقي على عاتق الحكومة الصومالية  مواكبة مفهوم الأمن القومي في النظام السياسي الحديث والانتقال من مرحلة التركيز على الجوانب العسكرية فقط  إلي مرحلة جديدة أكثر شمولية وأوسع أفقا وذلك من خلال وضع الأسس والمناهج العلمية المعتمدة على عناصر العملية الادارية والبعد عن اتباع الاساليب  التقليدية في مواجهة الأزمات  الأمنية مما يتطلب إلي” توضيح السياسات والخطط والوسائل والأساليب الحديثة التي يمكن أن تساعد على حسن توظيف  الموارد البشرية  والإمكانيات المادية ، والاستغلال الأمثل لكل ذلك في مواجهة تلك الأزمات وإدارتها”(2)

هذا ويجب أن يتم صياغة الأمن القوى بناء على ركائز أساسية، أبرزها الإدارك  بشكل دقيق وعلمي بالتهديدات التي تواجه البلاد سواء الداخلية منها أو الخارجية، ووضع استراتيجية لتنمية قدرات وخبرات الجيش والشرطة والمخابرات لمواجهة التهديدات القائمة، واعداد سيناريوهات  للتحديات المتوقعة.

لتحقيق صياغة سياسات أمنيةوطنية شاملة نسلط الضوء في السطر التالية على محددات وأبعاد ومتطلبات  الأمن القومي الصومالي.

أولا : محددات الأمن القومي الصومالي

1- الفكر الديني.  فلكل مجتمع، أنظمته القيمية والعقائدية التي يؤمن بها ويثق بصوابها ، فيعتمدها ويعتمد عليها في تحديد معاييره الفكرية والسلوكية ، وينظم حياته وأنشطته على اساسها  فرديا وجماعيا، داخليا وخارجيا، ومن ثم فان هذه الأنظمة ستساهم بشكل أو بآخر في تحديد مفهوم المجتمع حول الأمن وشروطه وعوامل تهديده ومصادرها ومعالجتها(3) ولذلك فالشعب الصومالي شعب محافظ ويحتل الدين بالنسبة له مكانة عالية ويعتمد عليه في تحديد قراراته ومعايره الفكرية ومن الصعوبة بمكان أن يعمل بعيدا عن إطارات الدين وأن كانت بصورة شكلية.

إن الفرد الصومالي العادي يهتم بالشكليات الدينية، ويثير عادة شكوكا كبيرا  حول كل الافكار أو التصرفات أو القرارات التي لا تتطابق مع هذه الشكليات، وهذا الأمر يلزم على الحكومة، والمؤسسات الداعمة للقطاع الأمني في الصومال أن  تحرص على هذه القيم وأن تحترم  المبادئ الاسلامية التي يهتم بها الشعب الصومالي ويسعى لتطبيقها؛ لأن ذلك سيعكس على ايجابا على الأنشطة الأمنية بشكل مباشر أو  غير مباشر ، مؤقت أو دائم فعلى سبيل الميثال فاذا اقامت عناصر أجهزة الأمن الشعائر الدينية،خلال عملياتها ، كالصلاة والافطار الجماعي في رمضان وغيرهما فإن ذلك يجد دعما شعبويا واسعا، وسيعكس ايجابيا على صورة الأجهزة لدى المواطن العادي ويبدأ بشكل عفوي على مساعدتهم والتعاون معهم، لأن يرى فيهم قيما ونظما عقائديا تتطابق مع قيمه وعقائده.

2- خبراته السابقة: فالمجتمع الصومالي مجتمع بدوي وقبلي أيضا وأن للنسب القبلي مكان مرموقة لا تقل تأثيرا من العقيدة الدينية وأنه يضحى كل ما لديه في سبيل قبيلته، لأن المواطن الصومالي عاش سنوات  عديدة يعتمد على أهله واقربائه في كل شيئ في زواجه في تعليمة، في الدفاع عن نفسه وعرضة. كما أنه خاض حربا أهلية  طاحنة  لا تزال آثارها باقية في ذاكرته وأن هذا التاريخ الأليم لا يزل ينعكس على  كل جوانب حياته وقراراته حتى وصل الأمر إلى أن ينظر المواطن الصومالي إلى كل القرارات الأمنية التي تتخذها الحكومة بمنظار قبيلي، وعدم القبول بسهولة أي قرار لا تتوافق مع معايير القبلية بشأن تقاسم السلطة والثروة في البلاد.

3- الإمكانيات والموارد البشرية: ضمان الامكانيات وتوفير الموارد البشرية المطلوبة تمثل عاملا مهما ومحددا أساسيا في صياغة  مفهوم الأمن القومي الصومالي، لأن غياب هذه القدرات  تعطل أية امكانية لتجسيد المفهوم الامن القومي وتنفيذ سياساته وتحقيق أهدافه (4)، وبناء على هذا المبدأ فإن  الحكومة الصومالية تواجه تحديات كبيرة في تحقيق مفهوم الأمن القومي بسبب نقص الموارد والإمكانيات المتاحة لديها وأنها تعتمد على المساعدات الخارجية ودعم دول أخرى لا يمكن أن تدعم الصومال الا في إطار ما تسمح لها سياسات أمنها القومي وبالتالي فان هذا النقص لا شك سيعرض شروط استقرار البلاد للخطر، ويحول دون تنفيذ الاستراتيجات التي تضعها الحكومة على أرض الواقع.

 البيئة الاقليمية: بحكم الموقع الجغرافي الصومال الواقع في أحد مناطق الصراعات في القرن الأفريقي، تعتبر البئية الخاجية أحد أهم العوامل المؤثرة في تكوين مفهوم الأمن القومي وتطبيقه بالنسبة  للحكومة الصومالية في هذه المرحلة، والبئية الاقليمية لها الأثر المباشر في عودة الاستقرار  والأمن في الصومال أو من عدمه وذلك بسبب العلاقات القديمة والمليئة بالعدوات والصراعات بين الصومال ودول الجوار ولذلك ينبغي صياغة مفاهيم الدولة تجاه الدول الاقليمية بشكل مختلفة تتواكب مع متطلبات الوضع الحالي، وبما يعبر عن المحصلات العملية للتجارب السابقة، ويجب أن تتخذ الحكومة قرارات جدية لتحسين العلاقة مع دول الجوار ولا سيما اثيوبيا وكينيا. وأن تغيرات الأوضاع في الاقليم يجب أن تدفع الحكومة إلى خلق مسار جديد يختلف كليا عن مساراتها السابقة وبشكل قادر على استيعاب التحولات الايجابية في  العلاقة بين الصومال والدول الاقليمية وترسيخ تجارب جديدة تضمن لشعوب منطقة القرن الافريقي  رغد العيش والرفاهية والأمن والاستقرار.

ثانيا: أبعاد الامن القومي الصومالي:

1- البعد العسكري:  لا يتحقق الأمن العسكري الصومالي الا اذا توفرت شروط مهمة على رأسها هيكلة القوات المسلحة بشكل مهني بعيدا عن القبلية وتأثير  التيارات الفكرية ، وتسليحها وتدريبها وتطويرها باستمرار ورفع روحها المعنوية ، بحيث يتم توجيهها لخدمة اهدافها الاساسية التي أنشأت من أجلها.

3- البعد الاجتماعي. وهو أهم ابعاد الأمن القومي الصومالي،لأن الوضع الاجتماعي في الصومال ينذر بكارثة حقيقية ما لم تدرك الحكومة حقيقة هذا الوضع، ولم تتخذ الاجراءات اللازمة لضمان الحفاظ على تماسك الشعب وقيمه الاخلاقية والدينية وهوية القومية. في الحقيقة فالشعب الصومالي ليس متماسكا وتبدو منه  جميع مظاهر التردي ، السلبية والجريمة ، وانهيار القيمي والاخلاقي، والبدء بالعزوف عن الأصالة في العادات  والتقاليد الأصيلة  وقتل الهمم  وانهيار العزيمة، حتى الوصول لمرحلة اليأس وانتشار التناقضات الاجتماعية وفقدان الهوية. وبالتالي فإن أي دولة تظهر عليها هذه الآثار لا شك أنها تشد رحالها إلى الاندثار  والتفتت.

4- البعد الثقافي. وكذلك الأمر بالنسبة  للبعد الثقافي  المعبر عن قدرة الأمة على الحفاظ على ثقافتها وتراثها وانماط سلوكها والاستهلاك واللغة  والاعتزاز  بالتاريخ إلى غير ذلك ، فان المجتمع الصومالي انهارت ثقافته أوتفكك امام الثقافات الأخرى، حتى ضاعت ثقته بنفسه وفقد شخصيته وروحه المجتمعي واصبح عالة على غيره

5-  البعد الاعلامي  ويتمثل  في أن تتوفر لدى الدولة القدرة اللازمة  على دحض حجج الخصم إعلاميا ، والقدرة على توظيفه لتحقيق  أهداف الدولة وخاصة المتمثلة بايصال المعلومات التي تخدم قضاياها إلي العالم في الوقت الناسب ودون تشويه  من أحد.

ثالثا: متطلبات الأمن القومي الصومالي

ولتطبيق مفهوم الأمن القومي الصومالي ينبغي أن تقوم الحكومة بالأمور التالية:

  1. العمل من أجل تحقيق القيم والتقاليد الصومالية وتأكيد الانتماء الصومالي في كل المجالات واشراك المواطنين ومختلف القوى السياسية والمجتمعية في وضع السياسات العامة للدولة واتخاذ القرارات المصيرية.
  2. العمل من أجل تحقيق مطالب الشعب في العيش الكريم والحرية والعدال والاهتمام بالقطاعات الانتاجية كالزراعة والصيد والتجارية لأن كل ذلك تساهم في الحفاظ على الأمن القومي وتطبيق السياسات الأمنية.
  3. تطوير الأداء الحكومى وتعبئة الموارد والامكانيات بالمحافظات لدعم مقدراتها  لمواجهة المواقف الأمنية ودعم  المنظمات المجتمعية والعشائر التي تساهم في مواجهة التحديات الأمنية الراهنة في البلاد.
  4. إعادة بناء وتطوير قطاع الإعلام لتحقيق تأثيره الإيجابى على الأمن القومى
  5. تقديم مباردة جادة وحقيقية تهدف إلي وضع استراتيجية شاملة لتصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة بالمجتمع ودعم وتطوير الإمكانيات والقدرات المؤسسات الأهلية والفكرية التي تعمل في هذا المجال.
  6. ينبغي أن تضع الحكومة سياسة الأمن الوقائي واتخاذ كافة التدابير والاجراءات والترتيبات لحفظ اسرار الدولة وحماية منشآتها ضد مخابرات العدو في الداخل والخارج.

وأخيرا فالشهور أو السنوات القادمة تعتبر مفصلية بالنسبة لمصير ومستقبل الصومال، وأن الأمور ستتضح أكثر ما ذا سوف تكون القيادات الصومالية على مستوى التحديات التي تهدد كيان البلاد برمته وما اذا سوف يقدمون مصالح الشعب الصومالي على مصالحهم الخاصة ، والفئوية أو الحزبية؟؟.

المصادر:

1- http://www.beirutme.com/?p=3106

2-  إدارة الأزمات الأمنية … عبد الله سالم علوان الحبسي – مركز الإمارات للبحوث والدراسات

3-  الأمن والأمن القومي د. عبد الله محمد مسعود ود. علي عباس مراد

4-  المصدر السابق

زر الذهاب إلى الأعلى