الخلاف بين مقديشو وجروي يهدد مستقبل البلاد

على مدى التاريخ، لم تكن  علاقة بونت لاند مع الأنظمة في مقديشو على مايرام. كانت تنظر اليها دوما بعين الريب والشك متوجسة من ان تتحكم فئة خاصة بمصير البلاد، وهي مخاوف تشاطرها أطراف سياسية اخرى في البلاد . غير ان تلك الثقة المهزوزة اخذت في السنوات الأخيرة منحنى خطيرا ، وازداد توجس أو قلق  بونت لاند من  أهداف الرئيس حسن شيخ  محمود والدائرة الضيقة المحيطة به، وبلغ هذا القلق ذروته  عقب انشاء إدارة جلمدغ التي يترأسها عبد الكريم جوليد الذراع الأيمن للرئيس في مناطق تعتبرها بونت لاند جزءا من إدارتها .

جاءت خطوة إنشاء إدارة منطقة جلمدغ كالصاعقة على بونت لاند، وردت بسلسلة قرارات كانت آخرها مقاطعة  أعمال منتدى الشراكة الوزاري الرفيع المستوى حول الصومال الذي إلتأم لأول مرة في العاصمة مقديشو في ٢٩-٣٠ من الشهر الماضي دون الالتفاف الي اهمية هذا المنتدى الذي يعمل في يعمل من اجل توفير دعم دولي لبرنامج الحكومة الرامي الي تحقيق عملية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف لبناء السلام واعادة بين  بناء المؤسسات الوطنية.

ويجتمع أعضاء المنتدى كل عام مرة لمراجعة الوضع في البلاد. عقدت أولى جلساته في بروكسل  عام ٢٠١٣، في حين عقدت  نسخته الثانية  عام ٢٠١٤  في كونبهيجان بالدنمارك. 

وكذلك حذت حذو بونت لاند، وسارت على خطاها، جوبالاند التي تشاطر الأولى تخوفها من سياسات الرئيس حسن شيخ وحلفائه. فهي لم تشارك في اعمال المنتدى تضامنا مع بونت لاند، وتعبيرا عن قلقها المتزايد ازا ء مستقبل العملية السياسية في البلاد وخصوصا بعد ان صوت البرلمان الفدرالي على حل برلمانها الاقليمي مطلع شهر يونيو الماضي، وتأكيدا على مدى الشرخ الهائل الموجود بين مختلف المكونات السياسية في الصومال الأمر الذي يستدعي الي ممارسة مزيد من الضغط على الرئيس وحلفائه بغية تضييق هوة الخلاف بين الحكومة والاطراف السياسية الاخرى.

اتخذت بونت لاند قرار مقاطعة أعمال المنتدى رغم ما يشكله من أهمية لمستقبل المسار السياسي في البلاد لتوجيه رسالة قوية الي الرئيس حسن شيخ، ولتبرهن مدى قدرتها على الوقوف أمام ما تراه سياسات اقصائية يمارسها الرئيس ومستشاروه . وأوضحت ذلك في بيناها الأخير، واتهمت الرئيس بانتهاك الدرستور وخلق ازمات سياسية في البلاد، والنكوص عن التعهدات والاتفاقيات السابقة التي ابرمت الحكومة الفدرالية مع بونت لاند.

لا يستبعد كثير من المراقبين بان رئيس  الوزراء عمر عبد الرشيد بارك  قرار مقاطعة بونت لاند منتدى الشراكة الوزاري ، واعطى الضوء الأخضر لها  خلال زيارته الأخيرة لمناطق بونت لاند التقى خلالها رئيس إدارة بونت لاند عبد الولي غاس وقوى المهيمنة على دوائر صنع القرار السياسي في بونت لاند . وان صح هذا الخبر فسيكون له تأثيرات على مستقبل العلاقة بين الرئيس ورئيس وزرائه. وان تظهر مطالبات بإقاله احدهما في أيام المقبلة أمر غير مستبعد.

لم ترُم بونت لاند مقاطعة المنتدى للتعبير عن غضبها حيال انشاء إدارة جلمدغ فحسب وانما رمت أيضا لغاية بعيدة، ولم يكن قرار المقاطعة سوى الاعلان عن بداية  صيف ساخن، ومرحلة جديدة من التوتر مع الحكومة المركزية  الأمر الذي سيلقي بظلاله على الاستعدادات الجارية لعقد مشاورات حول مستقبل العملية السياسية في الصومال والإتفاق على آليات الإنتقال الي مرحلة مابعد ٢٠١٦.

فيما يبدو بونت لاند مقتنعة تماما من انه اذا مرر برنامج الرئيس حسن شيخ حيال المسار السياسي في البلاد فان ذلك سيؤدى حتما الي عودته الي السلطة مرة ثانية. وان برنامج الرئيس الذي لم يلعن بعد بشكل رسمي يشمل مقترحين بحسب المحلل السياسي الصومالي  فيصل روبلي، التمديد أو اختيار اعضاء برلمان المستقبل على اساس المناطق، بحيث يعطى للإدارات الاقليمية حصصا متساوية من البرلمان، فهي توزع بدورها على العشائر القاطنة في تلك المناطق وفق معيار ٤.٥ وبالتالي فاذا تم التوافق على هذا البرنامج فانه يعني مباشرة تشكيل برلمان تسيطر عليه اغلبية مؤيدة للرئيس وحلفائه باعتبار ان الإدارات الاقليمية الخمسة باستثناء بونت لاند وجوبا لاند مؤيدة للرئيس.

وعلى هذا الاساس يبدو ان بونت لاند وحليفتها جوبا لاند عقدا العزم على مواجة النظام باتباع مسارين متوازين، احدهما سياسي يضعان خلاله كل ثقلهما على اقناع المجتمع الدولي والتيارات السياسية في البلاد والبرلمان بعقد مؤتمر تشاوري وطني في جروي والذي سيقرر طريقة الانتقال الي ما بعد عام ٢٠١٦. والمسار الثاني تصعيدي، حيث سترفض اي تحرك دبلوماسي  لا تلبي حقوقها وستعمل كل ما في وسعها للنيل من شرعية الرئيس، والتأكيد للعالم بانه ليس رئيسا للجميع.

لا شك أن الأمور في الأيام القادمة ستتجه نحو التصعيد، لكن البعض  يحذر من وصولها الي نقطة اللاعودة، ويرون ان عدم احتواء الخلاف السياسي بين بونت لاند ومقديشو  في أسرع وقت ممكن سيترك أثرا سيئا على  مسار التحول الديمقراطي في البلاد، بل سيدفع بونت لاند الي الإعلان عن الانفصال  أسوة بصومالاند. وهذا هو القرار الوحيد  الذي لم تتخذه حتى الآن، لأن الخلاف بين الطرفين جوهري ويمس عددا من القضايا تتعلق ببناء الدولة، والدستور، وتقاسم السلطة والثروة. وهي أمور لا يمكن حلها في غرف الصوماليين فقط، بل تحتاج الي ضغط ايجابي من  المجتمع الدولي.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى