قراءة للجدل حول مسودة السياسة الوطنية للجندر في الصومال

مركز مقديشو للبحوث والدراسات – ثار جدل كبير حول مصادقة مجلس الوزراء الصومالي لمسودة سياسة الجندر في الصومال National Gender Policy (NGP ) التي أعدتها وزارة المرأة وتنمية حقوق الإنسان وصادق عليها مجلس الوزراء في 26 شهر مايو 2016م.

وقالت هيئة علماء الصومال في البيان إن السياسة الوطنية للجندر التي وافق عليها مجلس الوزراء تطالب بمصادقة الاتفاقيات الدولية بشأن المرأة، ومنها اتفاقية CEDAW عام 1979 وقرارات بكين في عام 1995 ومؤتمر القاهرة في عام 1994.

وأضافت هيئة علماء الصومال في بيان يوم الثلاثاء 23 رمضان 1437هـ  28 يونيو 2016م أن تلك الاتفاقيات الدولية تتعارض مع الشريعة الإسلامية والتراث الصومالي، حيث وصفت تلك الاتفاقيات بأنها تشجع على انتشار الرذيلة في المجتمع واستخدام وسائل منع الحمل وزواج المثليين، كما أشارت الهيئة إلى أن تلك الاتفاقيات توجب شغل المرأة المناصب العليا في الدولة، وكذلك المناصب الدينية مثل إمامة المساجد.

الجدير بالذكر أن الهدف من المقترح الجديد للسياسة الوطنية هو أن تكون إطارا عاما لقضايا ومسائل ما يسمى بالجندر، وهي حزمة مسائل ترمي إلى حماية المرأة والطفل والمعاقين في الصومال، بما فيها الولايات الفيدرالية.

والمطلع لواقع الصومال الحالي يجد حضورا قويا للمنظمات الأممية الساعية بكل جهدها لإحراز نصر في مجال المرأة، وإزاحة العوائق التشريعية والعرفية وإحلال محلها سياسات وقوانين تعطي مشاركة أوسع حسبما يتوافق مع المعايير الحضارية الغربية. وبخصوص الإطار المقترح للسياسة الوطنية للجندر فإن الهدف منه يتمثل في تنظيم الجهود الرامية لإحداث تغيير في دور المرأة الاجتماعي تمهيدا للعبها دورا أكبر في العلمية السياسية.

الحقيقة التي لا يتنازع عليها اثنان هو تدني الأوضاع الإنسانية في البلاد، وبشكل أخص حالة تدهور حقوقية تعيش عليها المرأة الصومالية وتشمل الأبعاد الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فعلى سبيل المثال رتفاع وفيات الأمهات بسبب الإهمال الصحي، وغياب العناية الصحية اللازمة للأم الحامل في مراحل الحمل، فحسب التقارير الصحية فإن واحدة من كل 12 سيدة تموت لأسباب تتعلق بالحمل، وأن 9% فقط من النساء يحصلن على كوادر طبية مؤهلة عند الولادة. كما أن المضاعفات التي تترتب على الولادات المتقاربة تعرض حياة كثير من الصوماليات للخطر حيث تقدر نسبة النساء اللواتي يلتزمن بفواصل زمنية متباعدة بين حمل وآخر بـ1% فقط ( الجزيرة نت 21/08/2014).

دلالات نداء الهيئة والتأثير المحتمل

من الواضح أن لهيئة علماء الصومال نظرة تشوبها الريبة والشك من الجهود ومبالغ الأموال المقدمة من قبل المنظمات الدولية، وتعتبر المناشدات والسياسات حول المرأة مجرد تباكي على حقوق المرأة كوسيلة  فعالة لإحداث تغيير في النسيج الاجتماعي بعد إحداث تغيير في الهيكل الوظيفي للجنسين.

 وقد أوضح بيان الهيئة الصادر عقب مؤتمر صحافي أن مسودة سياسة الجندر تتضمن دعوة صريحة لتبني معاهدات عالمية لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية ومنها معاهدة سيداو وفيها معارضة صريحة للدين والأخلاق حيث تقلل من أهمية الزواج وتدعو إلى الإباحية والانحلال وبييح الزواج المثلي بحجة الحرية في اختيار شكل الأسرة وتسهيل موانع الحمل، وتأخير سن الزواج ، وإلغاء دور الأم وتحديد صلاحيات الأب. وغيرها من المفاسد التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية .

ولكن الأمر الذي أثار استغراب المتعابعين هو أن بيان الهيئة أعرب عن تضمن المسودة لإباحة الشذوذ الجنسي حيث لم يكن ذلك صريحا في ورقة السياسة إلا بتأويل بعيد في حالة موافقة الحكومة الصومالية لمصادقة الاتفاقيات الدولية بشأن المرأة وحقوقها وهو أمر تكتنف الشكوك حول وقوعه نظرا لنص الدستور بأن الشريعة الإسلامية هي الحاكمة للدستور بشكل عام .

وفي الحقيقة فإن موقف هيئة العلماء يوحي بعدة احتمالات: 

 الاحتمال الأول هو وجود قطيعة تخيم على العلاقات بين هيئة العلماء والحكومة ، وانقطاع قنوات الاتصال بينهم، وهذا الاحتمال مستبعد لما نرى في وسائل الإعلام من لقاءات بين أعضاء من هيئة العلماء ولقاءها مع أعلى سلطات الدولة من الرئيس ورئيس الوزراء. وثمة احتمال أقوى وهو أن الهيئة تستشعر بضالة الفائدة من تنبيهات وتذكير يقدم للحكومة لكونها مصممة على تمرير المشروع.
ومن ثم احتاجت الهيئة الى رسالة ملفتة للنظر تبعث عبر وسائل الإعلام.

والهدف من الرسالة هو استباقي ووقائي لخلق الاضطراب والضعف والتلاوم في صفوف الحكومة نفسها، وقد نجحت الهيئة في ذلك أيما نجاح.
ثانيا استصحاب شخصيات تمثل شيوخ العشائر الصومالية في الجلسة له دلالة أخرى وهو تعاضد مؤسستين مهمتين وهما المؤسسة الدينية والمؤسسة التقليدية وهي مؤسسة قوية بل هي أعلى سلطة في البلاد بشهادة الأمم المتحدة التي أسندت اليها اختيار أعضاء البرلمان الذين سينتخبون الرئيس. فوجود هذه المؤسسة الى جانب العلماء كسب مهم أيضا يصعب عليهم مواجهة أفراد معينين من الهيئة.
 ويبدو أن بيان الهيئة أصبح ضربة قاصية لسياسة سهرت الوزارة لاعدادها ، ولا شك أن البرلمان سواء الحالي أو المستقبل لن يجرؤ على المصادقة مالم يجر عليها تعديل جذري عليها. حتى لو انضم الى البرلمان عدد مؤثر من النساء.

المرجعية لهذه السياسة

فيما يتعلق بالمرجعية التي تعتمد عليها السياسة أشارت إلى تكريم الله للإنسان ، دون أن تشير إلى الشريعة الإسلامية، وفصلت مسودة السياسة في الاتفاقات الدولية التي تمنع من التمييز ضد المرأة وسردت معظم تلك المعاهدات الدولية مثل السيداو (1979) والاتفاقية الإفريقية لحقوق الإنسان، وبروتكول مبوتو (2003) واتفاقية سلومان، ومبادئ مؤتمري بكين (1995) والقاهرة (1994) وقراري 1325 و 1820 من قرارات الأمم المتحدة. وأشارت السياسة إلى أن التركيبة الاجتماعية القائمة على القبلية تعتبر أرضية خصبة تشجع الممارسات ضد المرأة والعادات القبيحة مثل الختان الفرعي ، وإبعاد المرأة من المشاركة في دوائر صنع القرار ، والزواج القسري. وقد أشارت السياسة إلى أن هذه  الممارسات لا تستند إلى الشريعة الإسلامية بحال من الأحوال.

وأوضحت السياسة في مقدمتها أن من ضمن مسئوليات وزارة المرأة والطفل في الصومال تحقيق المساواة التامة بين الجنسين، وتمكين المرأة في المشاركة السياسية، وتشير من بين أعمالها تطوير سياسات وقوانين تحفظ حقوق المرأة والطفل، والكفاح لأجل مصادقة الاتفاقات الدولية التي تمنع من التمييز ضد المرأة. كما تحدثت عن أثر الحروب الأهلية على المرأة الصومالية نفسيا واقتصاديا رغم صبرها اللامحدود.

هيئة علماء الصومال

هيئة علماء الصومال مظلة مستقلة تضم في صفوفها نخبة متعلمة من العلماء والدعاة ، وقد تأسست في بدايتها لمحاربة المشاريع التنصيرية والاستشراقية الرامية لإضعاف الهوية الإسلامية للبلاد، وتتألف الهيئة من تجمعات وحركات من جميع التيارات الإسلامية من الاخوان والسلفيين ومجاميع الصوفية ، ومن المستقلين وأعضاؤها حاليا يزيدون على 700 عضوا، وقد تأسست عام 2009م بعد أن حلت رابطة علماء الصومال التي تأسست عام 2002م بمبادرة علماء من جماعات مختلفة لمحاربة جهود بعض المنظمات المشبوهة التي شاع أنها تنتشر التنصير ، وحاليا تنحصر جهود علماء الهيئة في كونها إحدى جماعات الضغط التي تهتم بالشأن العام ، وتصدر البيانات حول المسائل السياسية، كما تقوم بالمصالحة بين القبائل، وتحذر من التشيع والتشدد الديني ، وبجانب الهيئة تجمعات أخرى مثل مجمع العلماء الذي يتزعمه الشيخ يوسف عينتى، وتجمعات أخرى من المجاميع الصوفية الرافضة للانضواء تحت لواء الهيئة لوجود خلافات منهجية تاريخية معروفة.. وتشير أنباء حصل عليها مركز مقديشو للبحوث من شخصيات مطلعة بأن الحكومة الصومالية بصدد انشاء المجلس الأعلى لعلماء الصومال، وهو يمثل كل الأطياف كجهة حكومية رسمية ، ولا يدرى بعد ذلك مصير الهيئة ومثيلاتها.

ما المقصود بالجندر؟

مصلطح الجندر  أو النوع الاجتماعي  Gender وقد ظهر استخدام مصطلح الجندر في المواثيق الدولية اعتبارا من اتفاقية ( السيداو 1979م) ومؤتمر السكان بالقاهرة عام 1994 والمقصود به حسبما جاء في (المادة الخامسة) من (السيداو) ، وهي المادة التي تطالب – وبشدة – بتغيير الأنماط الاجتماعيَّة والثقافية لدَور كلٍّ من الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العُرفية، فهو يختلف عن الجنس بأن الجنس هو الاختلاف البيولوجي الخلقي بين الذكر والانثى ، بينما الجندر هو الدور الذي ينوطه المجتمع والثقافة بكلا الجنسين فهو قابل للتغيير باستمرار بينما الأول غير قابل للتغيير، فاذا كانت ثقافة معينة هي التي أعطت الرجل دور القيادة – في نظرهم- فإن هذا قابل للتغيير في مجتمع اخر  والعكس صحيح، وهكذا في كل الأدوار الاجتماعية بما فيها الطلاق والنفقة وقيادة المجتمع.
وفي النظرة الاسلامية فان الاسلام خصص لكلا الجنسين مسئوليات معينة بحكم قانون الفطرة وبما يتفق مع المقاصد والغايات العقدية التي تلعب دورا في التشريع. فمثلا لم يوجب على المرأة الجهاد ولا صلاة الجماعة، ولم يجعلها تؤم الرجال في الصلاة، ولم يجعل ملك الطلاق بيدها ، وهكذا… والمشكلة أن مهندسي المجتمعات الذين يرون معيارية الحضارة الغربية ، والمتطرفين من دعاة النسوية يتعاملون مع التشريعات الاسلامية بمثابة الأعراف القبلية التي من السهل القضاء عليها ولا يرون أنها مرتبطة بالعقيدة ومعللة بالمقاصد الشرعية وغاياتها الكلية مثل المحافظة على الدين والنسل وهكذ.

مركز مقديشو للبحوث والدراسات

زر الذهاب إلى الأعلى