معوّقات الإ نتاج الزّراعى فى الصّومال وسبل تطويره(1)

فى السابق كانت الزّراعة حرفة البسطاء والطّبقة الكادحة. فعند ذكر اسمها كان يتبادر الى الأذهان هيئة شخص متّسخ الثّياب رثّ الهيئة تبدو عليه آثار الغبار والأتربة نتيجة عمليات الحرث والعزق , بل كانت تُسند إلى بعض الأسر والعشائر محدودة الدّخل والتّأثير بينما كان هناك اعتقاد سائد أنّ بعض أفراد بعينهم يملكون أيادى سحرية تنمو النباتات الّتى يبذرونها بمعدّل أعلى من غيرهم.

وبما أنّ المهنة كانت قديمة جدّا تعود الى أكثر من 11 ألف سنة لكن بحلول النّصف الثّانى من القرن الماضى ازدهرت الزراعة حيث أصبحت اختصاص الأثرياء، ومجال الشّركات العملاقة، وبالتالى فانّ أشهر الأغنياء فى العالم حاليّا يملكون شركات فى مجال إنتاج وصناعة المزروعات أمثال هارى ستاين وكريس اسبيل وهوارد بافيت،  حيث برز على السّاحة شركات متخصّصة فى مجالات الزراعة مثل:

  1. شركات صناعة الأدوات الزّراعيّة وهندسة شبكات الرّى والصّرف الزّراعى.
  2. شركات إنتاج التّقاوى المقاومة للأمراض الزراعية السّائدة حسب ظروف المنطقة وتهجين الأصناف .
  3. شركات متخصّصة فى تربية المشاتل.
  4. مصانع تصنيع وتعليب المنتجات الزراعية

كما ظهرت محطّات الأرصاد الزراعيّة ومراكز بحث علميّة تبحث عن العوامل والاحتياجات النّباتيّة وسبل رفع الكفاءة الكميّة والكيفيّة للمحصول الزّاراعى أو ما يعرف ب(التّوسّع الأفقى والتّوسّع الرأسى)

فى الصومال اقتصر الانتاج الزّراعى على رعى الحيوانات فى المراعى الطّلقة لقرون عديدة حيث كان الصوماليّون البدويّون يعتمدون على لحوم وألبان وجلود هذه الحيوانات (الابل,البقر,الغنم) إضافة إلى بعض الثّمار الموجودة فى الطّبيعة وبعض المحاصيل المتحمّلة للجفاف كـ (الذّرة,الذّرة الرفيعىة,السّمسم) والّتى تُوضع بذورها فى الأراضى الجافّة عند اقتراب موسم المطر. وينبغى الإشارة إلى أنّ البعد الاجتماعى والفكرى المتمثّل فى الاعتقاد “بأنّ من لا ناقة له ولا حلوب لا مال له حتّى لو أوتى كنوز الأرض” يعكس مكانة هذه الحيوانات الرّمزيّة فى قلوب المجتمع خصوصا (الجمال) والتي ساهمت إلى حدّ كبير فى الحفاظ عليها.

هذا الأسلوب الرّعوى المعتمد على التّنقّل والتّرحال الدّائم كان له العديد من المساوئ الّتى تنعكس سلبا ليس على الانسان الرّاعى فقط وانّما على إنتاجيّة الحيوانات من خلال:-

  1. كانت السّبب ولا تزال فى نشوب العديد من الاحتراب والتّناحر فيما بين القبائل بسبب الضّغط الشّديد على مصادر الكلأ والمياه.
  2. تقطع الحيوانات آلاف الأمتار يوميّا عند البحث عن العشب والماء.
  3. الرّعى فى تلك البيئة لا يخضع لقوانين منظّمة تسمح بالتّناوب على مناطق الرّعىRotation system)) وانّما يكون على جميع الاتّجاهات بشكل متواز، ممّا لا يسمح باكتمال نموّ شجيرات الرّعى وبلوغها مرحلة متقدّمة من العمر overgrazing) ) تكون فيها في أفضل حالاتها للرعي، وبالتّالى فعملية الرعي أقرب ما تكون إلى عمليّة إجهاض لنموّ هذه النباتات فى أطوارها الأولى.
  4. كثرة مشى القطعان على المراعى والدّهس على النّباتات بحوافرها تؤدّى لتلف وذبول الكثير من النباتات
  5. الرّعى الجائر يؤدّى كذلك إلى استنزاف الكثير من الأشجار، وما أن تزول تلك الأشجار حتّى تبدأ المياه المصاحبة للرّمال فى اعتلاء الطّبقة السّطحيّة للتّربة وطمسها ممّا يساهم بشكل مباشر فى تدهور التربة وتصحّرها.
  6. فى المناطق القريبة من مصادر المياه تكثر النشاطات المعادية للبيئة من مثل قطع الأشجار لأغراض التدّفئة وعمل السّياج للحيوانات.

فى مطلع السّبعينيّات بدأت الحكومة الصوماليّة الاتّجاه الى الزّراعة , فبلغت المساحة المستغلّة زراعيّا 1.6% معظمها على ضفاف نهرى جوبا وشبيلى فيما تبقى 69% مراعى مفتوحة لذالك فإنّنا لا زال بحوزتنا مساحة كبيرة من الأراضى الزراعيّة.

حملات الحكومة خلال فترة السبعينات لتشجيع وتحفيز الزراعة أدّت إلى وفرة غير مسبوقة فى الإنتاج الزراعى، ممّا استدعى الاهتمام بفترة ما بعد الحصاد من خلال النّقاط الآتية:-

  • توصيل المنتج إلى الأسواق لضمان توفّره لدى المستهلك بشكل يحقّق “الاكتفاء الذّاتى” الّذي رفعت الدّولة شعاره، وبالفعل حقّقت فيه بعض النّجاح. 
  • تعليب المنتجات الفائضة لإطالة أمد صلاحيّتها ولتكون متوفّرة على مدار العام وفق ما يعرف بالأمن الغذائى الذي يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي، ويعرف أيضا ب (مدى قدرة بلد على تلبية احتياجاته من الغذاء الأساسي من منتوجه الخاص أو استطاعته على شرائه من الخارج تحت أي ظرف)
  • تصدير الفائض إلى الخارج لدرّ العملة الصّعبة. ممّا ينعش الاقتصاد المحلّى، فبالاضافة إلى تصدير  اللّبان ورؤوس الحيوانات معظمها الى دول الخليج العربى, كان هناك تصدير للموز الصومالى (البويو) ذو المذاق الرّائع حوالى 110 الف طن حاليّا فى السّنة وكذالك قصب السكّر بحوالى 500 الف طن. هذه الأرقام متدنّية جدا لكنّها كانت مشجّعة خصوصا وأنّ حملة تطوير الزّراعة توقّفت بشكل كبير عقب انهيار الدّولة على الرّغم من أنّ الليمون والسمسم ما يزالان يصدّران إلى الخارج بكميات متواضعة، وكذالك الفحم النباتي لكن بشكل غير قانونى.
  • صناعات صغيرة معظمها ذات صلة بالمنتجات الزراعيّة مثل:
  • مصنع لاسقورى للأسماك.
  • مصنع اللّحوم البقريّة فى كسمايو.
  • مصنع الألبان.
  • مصنع الجلود فى مقديشو.
  • مصنع السّكر.
  • مصنع بلعد للنّسيج.
  • مصنع الألبان فى مقديشو.
  • مصنع تكرير الزّيوت فى مقديشو.

  لا شكّ أنّ هذه الصّناعات كانت نتيجة جهد كبير تمثّل فى:

  1. إصلاح الأراضى وتسويتها وإنشاء شبكات رىّ وصرف زراعيّ. وتجدر الاشارة إلى أنّ الدّولة قامت بتأميم جميع الأراضى (انتزاع الملكيّة لصالح الدولة) فى الفترة ما بين 1970-1975
  2. إنشاء مركز لإنتاج التّقاوى القادرة على مقاومة الطفيليّات المرضيّة السّائدة
  3. تأسيس وكالة التّوسّع الزّراعى، والّتى كانت مسؤولة عن نشر وتوزيع التّقاوى فى مختلف المحافظات وكذالك حفظ السّلع الغذائيّة الضّروريّة تحسّبا لأىّ اضطراب غذائى ينتج من القحط والجفاف.

                                                                                                         محمود عيسى فارح

زر الذهاب إلى الأعلى