في ظلال الإستقلال الناقص!

 في يوم 26 يونيو(حزيران) عام 1960م رفع أجدادنا علم الإستقلال وهم ينشدون ((Sarreeyow ma-nusqaamow, aan siduu yahay eegnee, Kaana siib Kanna saar )) وكانت لحظة تاريخية في مسيرة نضال شعبنا، حيث تحرر الشعب من أغلال المحتل الأجنبي، وحدد مصيره الوجودي واسترجع هويته وسيادته.

إن ذكرى عيد الاستقلال هي من أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب الصّوماليين، لما لها من مكانة عظيمة في الذاكرة الوطنية، وما تمثله من رمزية ودلالات عميقة تجسد انتصار إرادة الشعب وإلتحامها الوثيق دفاعاً عن السيادة الوطنية وإستقلال القرار.

ففي هذا اليوم العظيم، يتذكر الصّوماليون في كل مكان تاريخهم المجيد، ويقلّبون صفحاته المشرقة، ليعودوا بالذاكرة إلى تلك المحطة الحاسمة التي إستقل الجزء الشمالي من وطننا الحبيب من الإحتلال البريطاني، وهبّت نسائم الحرية على الجزء الجنوبي كي يسجل خروجه من الوصاية والتبعية يوم 1/ ايلول عام 1960م إلى أفق الحرية والسيادة، وحين وقف الصوماليون صفاً واحداً وأختاروا الوحدة ورفعوا ذلك علم الأزرق ذو النجمة الخماسية، لمواجهة قوى الإنتداب وسلطاته وأطماع دول الجوار، فكان لهم ما أرادوا، حينما قامت الحكومات المدنية وبعدها حكم العسكر بحماية ذلك الاستقلال وسيادة الصومال، فأصبح وطناً يحتل مكانته الكريمة تحت وجه الشّمس، ويعلن نفسه موئلاً للأحرار ومقصداً للمضطهدين، فخاضوا بذلك حروبا عدة لصون كرامة أبنائه وإعادة إستقلال مابقي من أرضه تحت الاحتلال.

ولكن لم تدم تلك الروح النضالية وشهية التطلع إلى الأمام فسرعان ما تلاشت وظهرت ملامح التبعية وفقدان أرادت الوطنية، فهرول الصومالييون (حكومة ومعارضة) إلى أحضان دول الخارج صديقة كانت أم عدوة، يتلقون إملاآت ويربطون مصيرهم بتلك القوى.

ومنذ إنهيار الدولة المركزية عام 1991م إلى يومنا هذا استمر مسلسل هدم جدران الوطن وإستباحة سيادته، فتغير مفهوم الإستقلال لذى الصوماليين الذي كان إستقلال في السياسة وإدارة الدولة والتصرف والبناء وإقامة علاقات متوازنة مع الآخرين في المحيطين الإقليمي والدولي، واصبحت التدخلات الخارجيه وإملآتهم عنوانا لمشهد السياسة الصوماليه في الآونة الأخيرة.

وبعد 55 سنة من إستقلال الصومال، ما زال يشكو من وهنِ في وحدة ابنائه الوطنية، ومن شعور ابنائه بأنهم ليسوا مستقلين في تقرير مصيرهم، وتصرف شؤون بلادهم، مما يدل على أن هناك نقص في السيادة الوطنية التى حارب من اجلها الأجداد وبذلوا من أجلها كل غال ونفيس.

ومن صور التدخل وفقدان السيادة أننا لا نستطيع أن ننتخب رئيساً ولا وزيراً، إلّا إذا وافقت عليه دول الجوار أو يسمى بـ (المجتمع الدولي)، ومن المؤسف جداً أنّ أمن بلدنا في يد قوات أجنبية بعضهم كان خصما لذودا في الماضي القريب، وأن سيرعملية السّياسة برمتها في أروقة الدول الأقليمية والدولية.

و من المخاطر المحدقة بالوطن واستقلاله وسيادته أيضا: الحروب الأهلية، القبلية، الإرهاب، دعوات الإنفصال، أطماع دول الجوار، وأخيراً الفساد والتطرف الديني والسياسي.

وبما أن المفهوم التقليدي للسيادة والإستقلال لم يعد قائما أو محترما في عالمنا اليوم؛ بسبب العولمة ومصالح القوى العظمى إلأ أنّه يجدربنا أن نصون ما تبقى من كرامة بلدنا الحبيب، وأنّ يستمر نضالنا من أجل صيانة استقلالية القرار السياسي وأستقرار الجبهة الداخليه للوطن.

ولكي يكون إستقلال بلدنا تاما لابد من توافر الدعائم الآتية:-

  1. أن يكون القرار السياسي ينبع من إرادة داخلية تعبر عن هوية الوطن ومصالحه، بعيدا عن إلإملآت الأجنبية وأطماعه.
  2. تأسيس دولة لها مؤسساتها القوية وتعبرعن إرادة الشعب بعيدا عن المحاصصة القبلية وتجاذباتها، وأن تتولى هذه المؤسسات رعاية وإدارة شؤون المواطنيين، استنادًا إلى مبدأ الحقوق والواجبات، كما تتولَّى حماية الأرض وتنظيم استغلال العادل للثروات، وأهم هذه المؤسسات مؤسسة الجيش التى ينبغي أن تكون قوية وراسخة لكي تحمي الوطن داخليا وخارجيا.
  3. ومن دعائم السيادة والإستقلال تقوية وحدة أبناء الوطن ومحاربة الفرقة والعنصرية، هذه الوحده هي حقيقة يفرضها الواقع والعقل والتاريخ، فالشعب الصومالي واحد وهويته واحدة، ولا مجال لتكريس الإنقسام والقبلية.

        إنّ استقلال الصومال أمانة في أعناق الصوماليين أينما كانوا، وعليهم جمع الكلمة ورأب الصدع لتكون الصومال بلدا مستقلاً كامل السيادة ينعم أبناءه بالأمن والسلام.

محمد سعيد فارح

مدير مركز النجوم للتديب والبحوث في سناج
زر الذهاب إلى الأعلى