سيـرة العلّامة: الشيخ حسن حسين هلولى “الفذ في علمه والفريد في فهمه”(3)

رابعا: لمحة تاريخية عن قبيلة الشيخ :

وطالما  تحدثنا في الحلقة الماضية  عن نسب الشيخ  حسن هلولى  رحمه الله  رحمة واسعة سوف نتناول في هذه الحقلة لمحة تاريخية عن قبيلته، واسمها جرّي أو غرّي، وقيل كرّي بالكاف و أبناء القبيلة في داخل الصومال عادة ما يستخدمون الكاف ، أما الباقي  في خارج الجمهورية الصومالية في الأقطار المجاورة فيستخدمون بالجيم أو الغين. وورد ذكر غري – بالجيم – في كتاب فتوح الحبشة في القرن السادس عشر الميلادي  ضمن القبائل الصومالية التي قاتلت مع الإمام أحمد جري . وقبيلة “جرّي ” إحدى القبائل الصومالية المعروفة في القطر الصومالي ، إذ تعتبر أكبر قبيلة في قبائل دغل من حيث العدد . أما أماكن إقامة هذه القبيلة وسكناها فتتمركز  في  أقاليم  شبيلي السلفي وباي وجوبا السفلى والوسطى، وهذا في داخل حدود جمهورية الصومال، أما خارجها  فتسكن القبيلة  في كل من منطقة الصومال الغربي  التابع لأثيوبيا، وكذا في منطقة الحدود الشمالية التابعة الآن لشمال شرق كينيا. وهناك رواية تقول بأن جزءا من قبيلة “جرى” يقطن في جمهورية تشاد منهم الرئيس السابق حسين هبري الذي أطيح به في نوفمبر 1990م{1}.  ومن المصادر والآثار التاريخية ما يدعم مثل هذه الفكرة إلّا أنها تحتاج إلى تنقيب ودراسات أنثروبولوجيا موثقة.{2}

وإذا رجعنا إلى جمهورية الصومال فتقطن  القبيلة تحديدا في إقليم شبيلي السفلى في كل من مناطق قريولي   “qoryooley ” وأفجوي ” Afgooye ”  وأوطيغلى  Aaw dheegle””، ومركة  وونلوين، وفي إقليم جدو في منطقة عيل واق، وأجزاء من إقليم باي والمناطق الحدودية الصومالية مع كل من إثيوبيا وكينيا.  ولا يقتصر وجود هذه القبيلة في إقليم  معين فقط بل تقطن  أيضا كذلك في أجزاء من إقليم الصومال الغربي في إثيوبيا، أما في كينيا فتتمركز القبيلة في مدن منديرا و مويالي ، وتشتهر هذه القبيلة برعي الإبل والتجارة المتعلقة بلحومها ومشتقاتها.

أقسام الجري وفروعها: وتتفرع  قبيلة جري إلى فرعين رئيسيين هما :  الأول: توف (Tuuf) والثاني قرانيو Quraanyoow

فأما توف الذى ينتمى إليه المترجم له الشيخ حسن هلولى رحمه الله رحمة واسعة  فينقسم إلى:

  • أدولى” Adoole” الذى بدوره  يتوزع إلى  تسعة بطون وهم: كالوين  ” Kaalwiine  “و مقابلي  ” Muqaabule” وتباذة   “Tubaade  “وأبتجاى “Abtugaay  “ودول ” Dool” ” وميت  ”  “Meeytوكذمذى “Kudumude “
  •  على “Ali ” ويحوى ثلاثة بطون رئيسية وهم سبطو “Sabdhawe” وكالهل  “Kaalhule ”  وتاعلا ” “Taacule  .

وأما القسم الثاني: قرانيو (Quraanyoow) وهم أخوال المترجم له الشيخ حسن هلولى رحمه الله رحمة واسعة بدوره ينقسم الى:

  • أسرّى ” Asarre””  ويحوى فخذين رئيسيين   فقط وهما كلى “Kiliye  ” وبنى Bane” ” .
  • فركشى “Furkishe”” الذى يتكون من تسعةبطون: كالويشي “Kaalweeshe ” وبركايى “Berkaaye ” درّاوى  “Darraawe” وأورديق  “Uurdeeq ” وأويترى  “Ooytere ” أودكوى” Oodokooye “وسكترى” Sukture” “{3}

ولقبيلة “جرى” نظام تقليدي صارم،  إذ يحكمها سلطان منتخب من كافة ممثلي الأفخاذ والبطون ويتولى شؤون أمرها بالاستشارة مع مساعديه في جميع البطون والأفخاذ كذلك ، ففي عهد ما قبل الاستعمار قادها سلطان   “عبدى” {4}المجمع عليه والموصوف  بحكيم  دهره  حينئذ ، إلى أن وصل الإيطاليون إلى جنوب الصومال في نهايات القرن التاسع عشر، ثم تنازل طواعية عن حكمه مبررا ذلك بأنه  حكم  القبيلة لفترة طويلة وبالتعاليم الإسلامية {5} و لا يروق له أن يعمل تحت إمرة الاستعمار فنقل صلاحيّاته إلى نائبه الأول – معلم أيذن عثمانوا  – الذى حضر بدوره مؤتمر برلين  في عام 1885م ، ضمن وفد شيوخ الصومال الموفدين إلى هنالك  ممثلا لقبيلته ،{6}  في حين كان النائب الثاني السلطان : معلم أليو الكالويشى  يدير الشئون الداخلية ، ثم عقبها عهد السلطنتين  : سلطنة توف : وبقيادة السلطان أو أجاس  مهاد أبجوا سنلاوى  وسلطنة قرانيوبى أو القرآن : وبقيادة الزعيم السلطان : أليو طيرى  .  تسلسلت السلطنتان وبنفس المسار وفى حقب تاريخية مختلفة إلى أن وصلت إلى عهد الانحطاط في قيادتي سلطان برولى “”Baroole وفرولى”Faroole   ” المتزامن مع مساعي الاستقلال في جمهورية الصومال ، واليوم تتبع القبيلة نفس النهج اذ يعتبر السلطان/ آدم على المشهور بأجاس بنين  سلطانا لفرع توف وهو الآن حي يرزق و على الرغم من أنه يعيش في الآونة الأخيرة في المهجر إلا أن له وكيلاً يدير الأمور في الداخل نيابة عنه ، ولأهل قرانيو  سلطان مماثل وهو السلطان محمد معلم حسن ، فحالته الصحية لم تعد جيدة، مما حمّل  أهله ان ينتخبوا  ابنه  السلطان أبوبكر خلفا له من هذا العام الجاري في منطقة أفجوي في إقليم شبيلى السفلى  .

هذا على مستوى جمهورية الصومال أما سلطنة “جري”  في إثيوبيا فلها قصص كثيرة لا يتسع المقال لسردها، إذ يعتبر السيد / محمد حاج حسن جبايى   هو السلطان الحالي ، {7} وقد تولى زمام السلطنة وهو في التاسعة من عمره بعد أن قتل أخوه السلطان روبوا  في عام  1964م في خضم معارك عنيفة جرت بين قبيلته وقبائل بوران الأرومية ، ومن قبلهما والدهم المشهور الحاج حسن جبابى “Xaaji xassan Gabaabe “الذى مات مقتولا  بعد الحرب  العالمية الثانية تقريبا . أما السيد /جبابى ” Aaw gabaabe”جدهم الأكبر فقد عاش في القرن التاسع عشر ، وقد بدأت السلطنة ما قبله ، ولكن المتفق عليه أنه هو المؤسس  الثاني لميلاد سلطنة جري في أثيوبيا الواسعة الانتشار و المعترف بها لدى السلطات الرّسمية الإثيوبية.

الجدير بالذكر في هذا المقام أن السلطان حاجى حسن جبابى  ” Gabaabe” أعطته القومية الصومالية في أثيوبيا لقب سلطان سلاطين القوميّة الصومالية ، ولاشك أن السلطان وأحفاده تميزوا بحكمة ودهاء منقطعي النظير في مجال إدارة الموارد البشرية. والاحتفال الذى أقيم في مدينة “مويالى ” بمناسبة اليوبيل الذهبي لحكم سلطان / محمد الحاج حسن جبابى  في تاريخ  4 نوفمبر في عام 2014م خير دليل على مكانة وهيبة السلطان في تلك المناطق بل وفى عموم أثيوبيا.{8}

وعند الحديث عن التاريخ الصومالي الحديث تعد قبيلة ” جرى ” من القبائل التي حاربت الاستعمار الإيطالي بقيادة زعيمها المعروف “أومهاد أبجو سنلاوى Aw Mahaad Abjoow Sanlaawe ” ”  رحمه الله رحمة واسعة والذى مات مقتولا في سجن براوي .  ولهذا الزعيم  وجيشه من بنى قومه قصص طويلة لاسيما الحروب الضروس التي خاضها ضد المستعمر الإيطالي في إقليم شبيلي السفلى مثل براوي والسواحل المطلة على مدينة “مركا ” إلى منطقة ” قريولي ” امتدادا، حيث بدأ الخلاف بينه وبين الإيطاليين برفض الأول دفع الجزية للمستعمر وأبلغهم أنه لن ينقاد إلى أوامرهم، علما أن بعض القبائل  كانت توالى الإيطاليين تحرث لهم  الأرض وتتزلف إليهم ،ففي تلك اللحظة التي سادت  الطاعة لجأ إلى التمرد وأثار العصيان داخل معظم القبائل القاطنة في المنطقة وذلك في عام 1902م  إلى أن أرسل له وفد من الإيطاليين للتفاوض معه ، بيد أنه قد أبلغ الوفد  أن لا تفاوض مع مستعمر أتى لينهب ثروات البلاد والعباد وليغير العقيدة الأصيلة لهذا المجتمع المسلم المحافظ، وهنا حدثت  مواجهات بين قواته الباسلة والقوات الموالية للمستعمر أولا لتتطور بعدها إلى مواجهات عنيفة ببنه وبين المستعمر نفسه ، ولقنهم دروسا في عدد من الميادين،  غير أنه تم أسره بغتة في إحدى الصباحات المشؤومة ليتم سجنه في السجن الكبير في مدينة ” براوي  ” وطلب منه مرارا التنازل عن موقفه مقابل الإفراج عنه ، غير أنه رفض رفضا قاطعا إلى أن مات مسموما في الأخير داخل هذا السجن  المذكور {9}.

وتذكر بعض الروايات الشفهية أن أنصاره  ممن كانوا يقطنون في بلدة الشان ورقيلى “Shaan  iyo Raqeyle ” ” وحواليهما قاوموا بعده إلى أن تحالفوا مع القبائل المعادية للمستعمرين كالحال في الكندرشيين الشيخاليين  من أهل مركة ، ووجود ما بات يطلق  “جرى مانيوا”Garre maanyo ” ومعناه  جرى  البحر وهي عبارة عن مجموعات من قبيلة جري القاطنة في مدن مركا وسواحلها لخير دليل في مثل هذ التحالف.

ويحكى عنه – أي مهاد – أنه كان يكره الانكسار حتى وهو مسجون ، فكلما سئل عن أحواله وصحته قال: لا أحد أحسن منى وأتمتع من الصحة بما لو وزع على جميع الخلق لكفاهم . وكان يحب أن يلبس البياض أسوة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم  كما كان يحب الخير والإحسان إلى  الناس جميعا ، ومن أروع مشاهد الزهد المروى عنه أن ابنه قتل ظلما فتنازل عن القصاص وأخذ عوضا عن ذلك  أراضي شاسعة زراعية ” في مدينة شلمبود”Shalanbood ” في إقليم شبيلي السفلى ووزعها على الضعفاء من عشيرته وجماعته ومؤيديه. وسرد قصص هذا الزعيم وبطولاته تحتاج  إلى بحوث معمقة لأنه من التحف الوطنية  النادرة التي لم تحظ  الا بالإهمال والتجاهل ربما المقصودين  والله أعلم ، وبما أن هذا البحث “سيـرة العلّامة: الشيخ حسن حسين هلولى  “الفذ في علمه والفريد في فهمه” يدور حول شخصية تاريخية مهمة في الدعوة  والعلم وكذلك في محاربة  الاستعمار ، فمن الأهمية أيضا بمقام أن نعرج ولو قليلا على أبطال أجداده، لاسيما المؤثرين منهم في المجتمع الصومالي . ومن مشاهير القبيلة القدامى كذلك : العالم أومهاد أبوبكر الذي اعتمد عليه الاستعمار في فصل كثير من الخصومات لما كان لديه من مخطوطات قديمة وكذلك القاضي الشهير قالى هورشى ”  Qaali Huurshe ” ذلك القاضى ذائع الصيت في أرجاء الصومال كافة ، والمثل الصومالى القائل  Ma qaali Huurshaa igu xukumey ،الذي يردده الصوماليون أينما حلوا ضرب فيه. والشاعر الصومالي بلهجة ماي الشيخ عبدلو إساق الذى جسد دعوته من خلال الشعر وهو الداعية المثل والقدوة في المجتمعات الناطقة بلغة ماي. كما أن لهذه القبيلة ساسة  أبرزهم  حاليا في كينيا مثلا  بلو خيرو (bilow keerow) البرلماني الكيني المعروف بمواقفه الشجاعة المناصرة للإسلام والمسلمين ، وفى جهة الصومال السيد . عبد القادر محمد نور المحافظ السابق  الذى حكم إقليم شبيلي السفلى في الصومال لعقد ونيف من الزمان وكذا السياسي المشهور السيد عبد الكافي معلم حسن برلماني  ووزير سابق وفى عدة مرات . والسياسي المشهور أبوبكر مردادى الذى تقلد عدة مناصب مهمة كوزير للدفاع والثروة الحيوانية والبيئة  ، وقد عين أخيرا سفيرا للصومال في ماليزيا  .

أما الرواية التي تقول بأن قرانيو أصلها من حنفتري بن مهي بن در رواية  بعيدة عن الحقيقة {10} و لا أصل لها من الصحة إطلاقا على الرغم من أنّها وردت في بعض الكتب ، ومردها تشابه الأسماء ، وقيل أن شخصاً من آل قرانييو  نهب إبله من قبل أفراد قبيلة در إثر صراع بين القبيلتين حول الكلأ والماء وكان هذا الشخص حكيما فذهب إليهم وقال أنا من قرانييو محمد المنتسب إلى حنفترى محمد، وذلك بغية أن  يستعيد نوقه دون قتال ،  فصار له ما أراد دون إراقة دماء بعد أن صدقه القوم  .

ومهما كان الأمر فإنّ قبيلة “جرى” تنتسب إلى مجموعات قبائل سمالي Samaale ، واسم سمال هو عثمان بن محمد وهو الذي هاجر من وطنه وجاء من جهة أرض اليمن إلى هذه الجهة الأفريقية الشرقية في القرن الثالث من الهجرة النبوية واستوطن بها، فولد له من الأولاد تسعة وهم: إرر، وغرطيري، وغري، وغرووي، وحمري، وحريري، وميلي، ومقاري، ويهابر.فأما إرر فهى (أي در بن أجي،  وهويه). وأما غرطيري فله من الأولاد اثنان: هوم، وأحمد عده، ومن فروعه سرنسور، وأولاده أربعة غالجعل، ودغوذي، وعيسى،ومسري. وأما جري فله من الأولاد  اثنان وهما توف وقرانيو.  وأورد المؤلف  شريف عيدروس بن الشريف علي الشريف النضيري العلوي في كتابه بغية الآمال في تاريخ الصومال بأنهم منتشرون في دوي ولبن وبراوه وكسمايو ولامو وجزائر الباجون وبواديها. وأما ميله بن سمالي فله ولد واحد وهو هيود، ومن فروعه حوادلي . وأما يهابر فله ولد واحدـ هو علي، ومن فروعه هبار (هبير). وأما حريري بن سمالي فمن فروعه آل دوي له، وآل كر وآل مياي وهم أيضا ساكنون في براوه إلى لامو أيضا مع التني. {11}.و تنتمى قبيلة “جرى”  إلى منظومة دجل ومرفلى التي تقطن غالبية الجزء الجنوبي  للبلاد وبالذات مناطق بين نهرى جوبا وشبيلي وهى من أخصب المناطق الصومالية وأكثرها كثافة . {12}

اللغة واللهجة:

وقبل أن نشير إلى اللغة واللهجات التي تتحدث قبيلة جري ينبغي أن نلفت الانتباه إلى أن اللغة الصومالية عموما من أكثر اللغات الأفريقية التي اجتذبت اهتمام اللغويين الغربيين منذ مطلع القرن التاسع عشر واعتبروها لغة كوشيه{13} وهى قسم من الأقسام اللغوية الاربع التي تكلمها شعوب القارة الإفريقية ، وتنتمى الكوشية إلى الأسرة الأفروآسيوية ولها فروعها منها الكوشية الشرقية  التي تنتمى إليها الصومالية ،

أما  قبيلة جري ونظرا للمناطق المتنوعة التي تقطنها القبيلة فإنها تتكلم  بلغات ولهجات متنوعة ، فمثلاً في إقليم شبيلي السفلى تتكلم  باللغة الصومالية ولكن بلهجة قريبة من الماي، وتعرف بلهجة غري (af gare)، وفي مويالي وحزء من مدينة منديرا في كينيا ومناطق في إثيوبيا تتكلم بلغة البوران الأورومية، وفي مناطق من باي ومنديرا ” Mandheera” تتكلم بلهجة ماي الرحنوينية ،  ومع ذلك لها لهجة أولغه خاصة لا يشاركها غيرهم من أهل الصومال حتى من أبناء قبائل دجل ومرفلي، ويسمى هذه اللهجة لهجة جرّي، ويطلق بعض الباحثين الأوربيين على هذه اللهجة لغة  أهل قريولي.

وثمة من يعتقد أن لغة “جرى ” لغة قائمة بذاتها وتلحق باللغات الكوشية الشرقية وهذا يفتح بدوره  مرة أخرى جدليّة اللغة واللهجات أثناء دراسة اللغة الصومالية ، إذ ينقسم الدارسون للغة الصومالية إلى فريقين يؤيد أحدهما وجود لهجات ” Dialects” فيها. أما الفريق الثاني فيقول بأن ليس للصومالية لهجات بل هنالك تنوع لغويّ ” Language variants “و يعتبر انريكو تحيرولى ”   “Enrico Cerulli” من أبرز الباحثين المؤيدين للنطرية الأخيرة . {14}، ويعدّ البرفسور محمد حاج مختار المؤرخ الصومالي المشهور من أهم المدافعين عن هذه المدرسة، والباحث يميل إلى مدرسة البروفيسور مختار . أما المجموعات التي تقطن جمهورية تشاد فيتحدثون بالعربية بجانب بعض اللهجات المحلية علما أن تسمياتهم نفس تسميات القبيلة في الصومال ” توف  وقرأن ” غير أنهم يسمون توف بالتوب ويقطنون في جهة ليبيا ومعظمهم ناطقون بالعربية في حين يسمون قرانيو بالقرآن وهى مستخدمة كذلك في أقطار أخرى ويقطنون في جهة السودان ولهم تداخل مع القبائل السودانية يتكلمون بالعربية بجانب لهجات خاصة لهم .

وكما أسلفت الذكر إن قبيلة ” جرى” تتكلم عدة لغات أو لهجات نطرا لتنوع المناطق التي تسكنها وبالتالي فهي متعددة اللغات غير أن مثقفيها وممن لهم إلمام في علوم اللغويات يجزمون أن اللغة الرسمية للقبيلة هي المستخدمة في مناطق “جرى ” في جنوب الصومال خاصة في شبيلي السفلى ، وما يؤيد صحة هذه  الفرضية أنهم هم الناطقون الوحيدون بها، و هي قريبة من لغة ماي  أو اللغة الصومالية المعيارية ، ويصنف الدكتور / شريف صالح محمد على في كتابه ” أصول اللغة الصومالية في العربية ”  ضمن لهجات ماي الرحويينية . وسواء صارت لهجة أو لغة فالمتفق عليه أنها خاصة لقبيلة “جرى” والفرق بين اللغة و اللهجة و العلاقة بينهما على ضوء علم اللغة لا فرق بين لغة و لهجة فكل لهجة هي لغة قائمة بذاتها بنظامها الصوتي و بصرفها و بنحوها و بتركيبها و بمقدرتها على التعبير. و يرى البعض أن اللغة هي التي تغاير لغة أخرى بأصواتها و بمفرداتها وبتراكيبها مغايرة لا يستطيع معها أن يتفاهم زيد و عمرو .أما إذا كانت الفروق في الأصوات و المفردات و التركيب من النوع الذي يمكن فيه التفاهم بين الجماعات فإن هذه تُحسب لهجات ، و هذا الرأي يجعل التفاهم مقياساً للفرق بين لهجة و لغة و هذا الزعم يسقط من تلقاء نفسه إذا نظرنا-مثلا-إلى لهجة أهل البندقية و لهجة أهل صقلية باعتبارهما لهجتين(لا لغتين) إيطاليتين؛ لكن أهل البندقية لا يفهمون أهل صقلية و كذلك أهل صقلية لا يفهمون أهل البندقية فالتفاهم بينهما غير ممكن ، و قل مثل هذا في اللهجات الرومانية أي: الإيطالية و الفرنسية و الإسبانية؛ فإنها تسمى لغات لا لهجات و هي في الواقع التاريخي لهجاتٌ لاتينية كذلك العربية و العبرية و السريانية و الحبشية فإنها لغات في نظرنا إليها ولكن التاريخ ينظر إليها باعتبارها لهجات انحدرت من أم واحدة؛ فالتفاهم إذن لا يمكن أن يكون الفارق بين لغة و لهجة.  {15}ولكن إذا كانت اللهجات  خصائص لغوية إقليمية تنفرد بها لهجة عن غيرها من اللهجات في النطق والمدلول كجزء من اللغة الأم  فمن الجائز حينئذ القول : بأن للصومالية لهجات عديدة منها على سيبل المثال لا الحصر : الشمالية – الماى – البنادرية – الحمرية –  المهاو  وهى لهجة أل جرى – وهذه الفكرة هي التي يميل اليها الباحث العملاق في الدراسات الصومالية  الدكتور شريف صالح رحمه الله رحمة واسعة. ومن اللافت للنظر في هذا السياق ما يعتقد الشيخ محمد محمود أحمد المشهور بشيخ أبا  رحمه الله رحمة واسعة من أن لغة “جرى” هي أصل لغة آل سمال{15}. بل الأغرب من ذلك  في الأمر أن هنالك دراسات علمية بحثية عميقة أجريت حول لهجة “جرى” ومنها على سبيل المثال لا الحصر دراسة الباحث إلايطالي البروفسور/ ماورو تاسكوا  Mauro Tosco”” الذى كتب بحثا نوعيا حول لهجة “جرى” بعنوان : Schizzo grammaticale del dialetto Karre di Qoryooley”  وتم نشره في عام 1995 م  في المجلد التاسع في الدراسات الصومالية . هذ الباحث عمل- مدرسا للغة الإيطالية في الجامعة الوطنية الصومالية، مقديشو (1986-1989) كما عمل منسقا فنيا في الأكاديمية الصومالية للعلوم في مقديشو عام 1990م. ويعمل حاليا أستاذ مشارك في علم اللغويات الأفريقية في قسم دراسات الإنسان (STUDIUM) من جامعة تورينو في إيطاليا . هذه الدراسة كانت ضمن عمل ميداني قام به البروفسور في الصومال  (1986-1990). جمع البيانات اللغوية لمختلف اللهجات الجنوبية الصومالية، على وجه الخصوص: Karre (القواعد الأساسية نشرت  أيضا في عام 1989، باللغة الإيطالية)،{16}

الى الحلقة القادمة والحديث عن نشأة الشيخ

 المراجع:

{1} أنور أحمد ميو ، القبائل الصومال النشأة والتكوين والتطور، ، طبع في نيروبي 2014 ص: “55 -56”

{2} من المؤرخين من يعزى هجرة بعض من أبناء فبيلة جرى  الى جمهورية تشاد في القرون الماضية بالهزيمة التي منيت بقوات الامام احمد إبراهيم الأشول على يد البرتغاليين  لطالما كانت من القبائل المناصرة للإمام والممر واضح حتى اليوم من إثيوبيا ومرورا بالسودان  انتهاء بجمهورية تشاد.

{3} مقابلة إسكابي مع الأستاذ/أحمد نور أدم سورى أحد مثقفي القبيلة المقيم في سويسرا .

{4} بذل الباحث جهدا في تكملة الاسم الثلاثي للسلطان، ولكنه لم يعثر على ما يفيد .

{5} ويقال انه كان ملتزما أحب العدل والاسلام ولذلك تنازل عن كرسيه كي لا يأتمر بأوامر الايطاليين .

{6} الأستاذ/ عبد الواحد حاج حسن :  برلماني سابق مقابلة معه بتاريخ 5/6/2016 م  عبر التلفون .

{7} الأستاذ محمد حسين حاجى المقيم في النرويج مقابلة معه بالإسكاب في تاريخ 7/6 /20016 م .

{8}  فعاليات الاحتفال تم نشره في 14‏/12‏/2014  بواسطة  Gur Gharre

https://www.youtube.com/watch?v=ISXXkMcFNOk

{9} محمد نور شيخ عمر مهتم بالفلكلور الشعبي وقصاص إجتماعي  محادثة معه عبر الفايبر

{10} انور ميوا نفس المرجع ص 55 -56

{11} عيدروس بن الشريف علي الشريف النضيري العلوي، بغية الآمال في تاريخ الصومال، مطبعة الإدارة الوصية على صوماليا مقديشو 1954م . ص:279-280.

{12} د. محمد حسين معلم على : الثقافة العربية وروادها في الصومال، دار الفكر العربي ط الأولى 2011م . القاهرة  ص 26.

{13} د. صالح محمد على  ، أصول اللغة الصومالية في العربية دراسة مقارنة، الجزء الأول  دار النهضة العربية ، 1994 القاهرة ، ص ج.

{14} د. صالح محمد على  ، نفس المرجع ص 174

{15} الفرق بين اللغة واللهجة : مقال منشور في الإنترنت بالرابط التالي :

http://arbtech.ahlamontada.com/t283-topic

{16} الدكتور : محمد حسين معلم على المؤرخ واستاذ التاريخ  والحضارة الاسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشوا  نقلا عن شيخ أبا شفاهة .

{17} من صفحة البروفيسور : ماورو تاسكوا ” Mauro Tosco”

http://www.maurotosco.net/cv.html

 

آدم شيخ حسن

آدم شيخ حسن : باحث وكاتب فى قضايا السياسة والسياسات . حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال ويحضر حاليا لدرجة الدكتوراه في نفس المجال.عمل في مجال الاعلام محررا ومحللا وصحفيا مستقلا مع عدة مؤسسات دولية وإقليمية. كما يشارك في العديد من الحورات في الإذاعات والمحطات التلفزيونية العالمية إضافة إلي نشره عددا من المقالات والدراسات التي ساهمت في فهم قضايا وإستراتيجيات شرق إفريقيا الحالية.
زر الذهاب إلى الأعلى