دلالات زيارة أردوغان لمقديشو

اختتم القائد العثمانى جولته الشرق إفريقيّة اليوم الجمعة 3/6/2016بمقديشو فى إطار سعى تركيا الحثيث لغزو السّوق الإفريقى البكر صاحب النّموّ المتزايد فى السّنوات الأخيرة.

أردوغان والتّوجّه لأفريقيا

عندما جاء أوردغان إلى المكتب 2002 كانت عدد البعثات الدبلوماسية التّركيّة فى إفريقيا 12 فقط، بينما تُوجد اليوم 39 سفارة فى إفريقيا

مايميّز زيارات القائد التركى إلى مقديشو:-

  1. تحدّيه للوضع الأمنى، خصوصا وأنّ موعد زيارته لمقديشو معلنة للكلّ على عكس زيارات بان كى مون وجون كيرى مثلا.
  2. تكليف الأمن التركى وسلطات الأمن الصوماليّة فقط بحمايته هو وحاشيته دون الحاجة إلى قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام ( أميسوم )التي بدت آخذة دور المتفرّج فى أغلب الأحيان.
  3. كلّ زياراته لمقديشو كان مخطّطا لها أن تكون فى أيام الجمعة (أيّام الاستراحة عن العمل) – باستثناء زيارته الثانية فى مطلع 2015 فلم تتمّ فى يومها المخطّط لأنّها صادفت مع وفاة الملك عبدالله السعودى ممّا أجبره على تعديل الزّيارة ليشارك فى مراسم الجنازة على أن يستأنف الزّيارة فى اليوم التّالى – لأنّه يعرف أنّ السّوق وحركة الشّارع ستكون مشلولة كلّيّا بالإجراءات الأمنية المحاطة باستقباله، وبالتّالى ستكون الوطأة أخفّ من غيرها من الأيّام.
  4. فى الزّيارتين السّابقتين خلت مقديشو من جميع مظاهر الحياة، ما أدى الى استغراب الجانب التّركى لانعدام الحركة فى الشّوارع حين لم تقع عيونهم على أحد على مدار تجوالهم فى المدينة , هذه المرّة اصطفّ المئات من المستقبلين معظمهم من النّساء على جانبى الشّارع ليستقبلو الوفد بالورود.

السلطان أوردغان يفهم جيّدًا أنّ أفريقيا هى بوابة الكبار وحلبة الأقوياء وسوق المنتجين فى المستقبل المنظور, من هنا اهتمّ بإفريقيا، وقام بعدّة زيارات إلى مصر وإثيوبيا وجنوب إفريقيا والصومال وغيرها.

تبقى زيارات الرّؤساء مرحّبًا بها دائما ولنا الحقّ فى أن نحتفى بها، خصوصا فى مثل هذه الظّروف الصّعبة الّتى يمرّ بها بلدنا، والتى نحن فيها أحوج ما نكون إلى هذا الحجم من الدعم المعنوي الذي تعنيه زيارة شخصية لها وزنها وثقلها فى السّاحة الإقليمية والدّوليّة من طينة أوردوغان كونه أوّل رئيس يقوم بزيارة الصومال منذ 20 عاما.

القائد العثمانى يتّصف بالدّهاء والذّكاء الحادّ مع قوّة الشّخصيّة والعزيمة فإلى جانب خطبه الرّنّانة وقدرته على تحريك وتحميس الملايين يجيد الرّجل فنّ العمل بصبر وتفان فى سبيل تحقيق رؤيته، ولهذا فقد قفز ببلاده من مركز وراء المائة اقتصاديّا إلى الدّولة السّابعة عشرة بناتج إجمالى يبلغ 850 مليار دولار فى غضون 13 سنة هي مدّة تعاطيه مقاليد الحكم فى تركيا.

لقد استقبل الزّعيم التّركى مع زوجته بحفاوة فى زيارته التّاريخيّة الأولى كرئيس للوزراء عام 2011 وكذلك فى زيارته الثّانية كرئيس هذه المرّة مطلع 2015 رغم محاولة حركة الشّباب ثنيه عن المجىء من خلال تفجير فندق اس.واى.ال (مقرّ إقامته المزمعة) قبل يوم من مجيئه , أمّا هذه الزّيارة فتأتى بعد ساعات من تفجير دام أزهق الكثير من الأرواح. ممّا دفع البعض بالقول بأنّ التّوقيت كان لعرقلة الزّيارة من خلال كشف عجز الحكومة عن تأمين أكثر شوارعها حيوية ونشاطا وحراسة.

ورغم ما أثير عن الدّور التّركى فى الصومال بأنّه لمصلحة اقتصاديّة بعباءة إنسانيّة فإنّ الجميع هنا يشهد بدوره الرّيادى فى كسر صمت المجتمع الدّولى لصالح القضيّة الصوماليّة المنسيّة، بل ونجاح الرّجل فى تحويل نظرة العالم إلى الصومال من زاوية الإغاثات الإنسانية العاجلة إلى زاوية البناء ومشاريع التّطوير والتّحديث

عمق العلاقات الافريقية التركيّة

لقد تمتّعت تركيا متجسّدة فى الخلافة العثمانيّة بعلاقات تاريخيّة مع إفريقيا , حيث تشير الدّلائل التّاريخيّة إلى أنّ الدّولة العثمانيّة منعت الدّول الاستعماريّة من التّوسّع فى شمال القارة كما ساهمت فى منع اختراق الاحتلال الغربى لشرق إفريقيا.

فى بدايات القرن السادس عشر دافع الأسطول البحرى العثمانى بقيادة سيد على ريس عن سكان جزيرة زنجبار ضدّ قوّات الاحتلال الأوروبّيّة, كما أنّها كانت تتمتّع بعلاقات وطيدة مع مملكة تمبكتو الّتى كانت تقوم على الأراضي التي تعرف اليوم بدولة مالى, وكذلك فانّ علاقات الدولة العثمانية كانت ممتازة جدّا مع امبراطورية كينيم الّتى كانت تحكم أجزاء ممّا يعرف اليوم بدول النّيجر والتشاد وشمال نيجيريا والكاميرون.

فى القرن السادس عشر تدخلت تركيا لصالح حاكم مقديشو السلطان سليمان لإنقاذ مقديشو من الاحتلال البرتغالى الغاشم, لكنّها خسرت فى النّهاية لصالح الأسطول البرتغالى, وغادرت مجبرة صوب اسطنبول

المعونات التركيّة

تحوّلت تركيا من دولة تتلقّى المساعدات إلى دولة تسدى المعونات إلى غيرها من الدّول , فى عام 2007 عقدت تركيا منتدى للدّول الأقلّ نموّا فى العالم (33 من أصل 48 دولة أفريقية)

وقد بلغت المعونات التركيّة رقما قياسيّا فى العقد الأخير؛ حيث قدّرت بحوالى 1.9 مليار دولار متجاوزة فى ذلك دولا غنيّة بثرواتها الطّبيعيّة مثل السّعوديّة 1.6 مليار دولار.

فى عام 2012 احتلّت تركيا المركز الرابع فى ترتيب الدّول الأكثر تقديمًا للمساعدات بمبلغ 1.04 مليار دولار بعد الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبى والمملكة المتّحدة

نصيب الصّومال من المعونات التركيّة بلغ 250 مليون دولار فى عام 2011 لوحدها. وما تزال الإعانات فى شكل إغاثات إنسانيّة عاجلة وبرامج تطويريّة، ودعم للميزانية الحكوميّة.

التجارة والاستثمار التّركى فى إفريقيا

الاستثمار التّركى دخل السّوق الإفريقى بقوّة مسترشدا بعمق العلاقة التّاريخيّة وروح المغامرة الّتى يتحلّى بها الأتراك، كلّ ذلك مبنيًّا على أسس الشّراكة الحقيقيّة , وبلغت حجم الاستثمارات التّركيّة فى القارة 6.2 مليار دولار.[1]

على الصّعيد التّجارى تضم الصادرات التركية مواد منها الحديد والصلب والوقود المعدني ومواد التشحيم، والملابس الجاهزة، علما بأن الشركات التركية لديها مساهمات بارزة في بناء مؤسسات رسمية واجتماعية واقتصادية في أفريقيا.[2]

أمّا واردات تركيّا من أفريقيا فقد انتقلت من 3.3 مليارات دولار عام 2003 إلى 9.6 مليارات دولار عام 2012.

وشملت الواردات مواد كثيرة منها زيوت التشحيم واللؤلؤ والأحجار الكريمة والمواد الكيميائية غير العضوية والكاكاو.[3]

وقد وصل حجم التبادلات التجارية بين تركيا وإفريقيّا عام 2013 إلى نحو 23.4 مليار دولار، وقارب 25 مليار دولار عام 2015.[4]

الاستثمار التّركى فى الصومال لايزال أدنى من المتوقّع بكثير (حوالى مائة مليون دولار) لكنّه يبقى مشجّعا نظرا للعوائق والتّحدّيات الجسام أمام تحقيق الاستثمار المطلوب.

تقييم الدّور التركى فى الصومال

فى مطلع القرن الحالى توجّهت تركيا إلى استعادة دورها الرّيادى بين الأمم وبدأت فى إبراز عضلاتها على السّاحة الإفريقيّة من خلال إعلان عام 2005 سنة إفريقية، نظرا للصّعود الاقتصادى للقارة ونموّها المطّرد، تلتها عقد قمّة الشّراكة التّركيّة الإفريقيّة عام 2008 , كما قامت تركيا بتدشين العديد من المشاريع الاقتصاديّة.

ورغم ما أثير عن الدّور التّركى فى الصومال بأنّه لمصلحة اقتصاديّة بعباءة انسانيّة فانّ الجميع هنا يشهد بدوره الرّيادى فى كسر صمت المجتمع الدّولى لصالح القضيّة الصوماليّة المنسية، بل ونجاح الرّجل فى تحويل نظرة العالم إلى الصومال من زاوية الإغاثات الإنسانية العاجلة إلى زاوية البناء ومشاريع التّطوير.

وبالنّسبة للأصوات المنتقدة للدّور التركى فى الصومال فانّها تحتج بأنّه فقط لمصالح اقتصاديّة وتجارية ليس إلّا, ويأخذون علي تركيا الملاحظات التّالية:-

  1. استقدامهم للعمالة التركية حتّى فى المجالات البسيطة الّتى تتوفّر عمالتها فى الصوماليّين مثل الأشغال غير الفنّية.
  2. شارع مكة المكرّمة الّذي عبّدته هيئة التّنسيق والتّعاون (تيكا) التّركيّة يعتبر الرّئة النّابضة فى مقديشو ويزخر بالنّشاط الاقتصادى لكنّ الشّركة لم تقم بتزويده بوسائل الصّرف المناسبة وهو ما أدّى الى تجمّع المياه فى قارعة الشّارع عند هطول الأمطار، مايجعله يتحوّل إلى بركة.
  3. البعض يمتعض من منح الحكومة الكثير من المراكز والمقرّات المملوكة للدّولة لمنطمات تركيّة خاصة مجانا بينما تستغلّها لنشاطات ربحيّة خاصّة بها, فيما يرى البعض أنّ ذلك نتيجة للعلاقات المميّزة لأصحاب هذه المنطمات مع القيادة العليا وسخائها لها.
  4. يرتبط بالسّفارة التركيّة فى مقديشو العديد من السّماسرة (حكوميّين ومدنيّين) يوفّرون تأشيرات معظمها لأغراض صحيّة مزعومة (سعر التأشيرة الواحدة 8500$ ثمانية آلاف وخمسمائة دولار),وما أن يدخلوا إلى تركيا حتّى يبدأو بالهروب إلى أوروبا , هذه الشّبكة من المسؤولين الأتراك والمحلّيين الجشعين منكبّون على هذا النّوع من الأنشطة الإجرامية المدرّة للرّبح المادى على حساب المواطن الصومالي البسيط.

لا شكّ أنّ السّياسة لا ترحم، ويصعب أن نجد دولة فى العالم تقدّم إلى نطيرتها الإحسان من أجل سواد عيون الأطفال والنساء والعجزة والمحتاجين, دون أن يكون لديها مصالح اقتصادية أو سياسية أو غيرها. لذلك علينا عدم خلط العواطف والمشاعر بالسّياسة الخارجيّة وأن ندرك بأنّ من حقّ جميع الدّول البحث عن مصالحها فى بلدنا، وعلينا العمل فى فرض أسلوبنا ومطالبنا حسب قدراتنا والبحث بدورنا عن مصلحة مماثلة.

  1. الطلّاب الحاصلون على منح تركيّة أو المنتظمون فى المدارس التّركيّة فى الصومال يتعلّمون باللغة التّركيّة لا غير, من شأن ذلك أن يخلق لديهم صعوبات في الحصول على فرص العمل بعد التّخرّج.

وللأمانة فمنذ أن وطئت قدما أوردغان أرض مقديشو 2011 فى فترة كانت المجاعة تعصف بالبلاد، وتحصد الأرواح بشكل لا يُصدّق, أنجز الرّجل كلّ ما وعد به من مساعدات إنسانية , وصيانة طرق ومطار مقديشو ومستشفيات، وفتح مدارس وخطوط طيران …الخ)

ها هو السلطان يعود إلى مقديشو بعد خمس سنوات من أولى زياراته ليفتتح أكبر سفارة تركيّة فى إفريقيا إلى جانب العديد من المشاريع التّنمويّة أهمّها بناء مقرّ البرلمان الصوماليّ القديم.

 

المراجع

[1] – موقع AA العربية. على الرابط: http://aa.com.tr/ar/

[2] – موقع الجزيرة نت. على الرابط: http://www.aljazeera.net/encyclopedia/economy/9

[3] – موقع الجزيرة نت على الرابط: http://www.aljazeera.net/encyclopedia/economy/2016/3/13/

http://www.aljazeera.net/encyclopedia/economy/2016/3/13/

زر الذهاب إلى الأعلى