حوار مع الناشطة البيئية فاطمة جبريل

nashidhah2

أجرى الحوار: محمد سعيد فارح

انطلاقا من أهمّية الحفاظ على البيئة، وإبراز ما تتعرض له من أضرار؛ من تلوث وحرق للغابات واستنزاف لمقوماتها، أجرى مركز مقديشو للبحوث والدراسات حوارا خاصّا مع الناشطة البيئية والمناضلة الاجتماعية الحائزة على جائزة أبطال الأرض(1) (Champions of the Earth award)، و جائزة جولدمان للبيئة (2) (Goldman Environmental Prize) السيدة فاطمة جبريل.

وتعد فاطمة جبريل من أبرز الناشاطات الصّوماليّات في مجال البيئة، وهي مؤسسة وصاحبة فكرة المنظمة الإفريقية للحلول الإنمائية ADESO العاملة في مجال حماية البيئة والتنمية في كل من الصومال وكينيا وجنوب السودان.

 (مركز مقديشو):  السيدة فاطمة جبريل نشكرك على إتاحة الفرصة لإجراء هذا الحوار لإلقاء الضوء على قضايا البيئة وهمومها في الصومال، وقبل أن ندخل في لب الحوار هل لك أن تقدمي نفسك للقراء ببطاقة تعريفية موجزة؟

السيدة فاطمة جبريل : أهلاً وسهلاً، شكراً على الاستضافة، وأحيي مركز مقديشو الموقر وتحية لك لإتاحة هذه الفرصة للحديث حول القضية البيئية، وهي قضية تهمني كثيرا.nashidha

دعنى أبدأ بتعريف نفسي، اسمي الحقيقي هو فاطمة جامع دعالي، أما (فاطمة جبريل) فهواسم الشهرة المثبت في الوثائق، أنا من مواليد عام 1947م، عشت في صغري مع أمّي في البلد، وعندماوصلت 16 من عمري هاجرت مع أبي إلى أمريكا حيث استقرّت الأسرة بمدينة نيويورك، وفي ذلك الوقت أكملت دراستي الثانوية وعدت إلى الصومال، وخلال عملي تزوجت من السيد عبد الرحمن محمود علي بير (وزير الدفاع الأسبق في حكومة علي محمد جيدي)، وأنجبت له خمس بنات كلهم يحملون الجنسية الأمريكية، التحقت بجامعة دمشق ثم نلت شهادة ماجستير من جامعة كونيكتيكت  (University of Connecticut)  بأمريكا، وفي أعقاب انهيار الحكومة المركزية عام 1991م رجعت إلى الصومال وانخرطت في العمل الإنساني لكي أشارك في جهود إنقاذ الوطن، وفي حينها أسست منظمة القرن للإغاثة والتنمية (Horn Relief) والتى تحولت فيما بعد إلى المنظمة الإفريقية للحلول الإنمائية (Adeso).

 (مركز مقديشو):  لماذا كثر الحديث في الأعوام الأخيرة عن البيئة والمخاطر التي تهددها ؟

السيدة فاطمة جبريل : يعد موضوع البيئة وما تواجهه من مشاكل ومخاطر من أكثر المواضيع التي تثير الرأي العام في العالم، وسبب ذلك هو كثرة المشاكل والأخطار التي تتهدد سلامة البيئة من حولنا، والتي تتفاقم يوماً بعد يوم، وتتزايد بسرعة هائلة, مسببة تأثيراً سلبياً على وجودنا وحياتنا، فالمجتمعات التى تهتم بوجودها تضع قضية البيئة في مقدّمة أجنداتها فهي مع السياسة بنفس المرتبة، لأن الفرد في هذه الأيام يعيش بين السياسة والبيئة، فالأولى تحكمنا والثانية نعيش في كنفها.

 (مركز مقديشو):الصومال من البلدان التي تعاني من المشكلات البيئة ومخاطرها هل لك أن تحدثينا عن الأخطار والمشكلات البيئية في الصومال؟

السيدة فاطمة جبريل : تختلف الأخطار والمشكلات البيئة التي تواجه الصومال من منطقة إلى أخرى فجنوب الصومال أقل ضرراً من شماله، وذلك بسبب كمّيات الأمطار التى تهطل في الجنوب واعتدال مناخه، أما شمال الصومال وخاصة منطقة سناج فإنها تواجه أخطارا محدقة بسبب الجفاف المتكرر.

إن أهم وأخطر مشكلة بيئية تواجه بلدنا الصومال، وخاصةً مناطق (بونت لاند) بما فيها (سناج) هي مشكلة التصحر (Desertification)، فالتصحر مشكلة عالمية تعانى منها العديد من البلدان في كافة أنحاء العالم، وتأثيرها في البلدان النامية أكثر، ومن أهم العوامل التي تساهم في تفاقم هذه المشكلة قلّة نسب هطول الأمطار، وحرق الأشجار لإنتاج الفحم، والقرى العشوائية التي تنتشر في طول البلاد وعرضها.

(مركز مقديشو): برأيك ماهي العوامل التي تساهم في ظاهرة التصحر في بلدنا؟

السيدة فاطمة جبريل : المشاكل البيئة في الصومال أساسها معضلتان: تأثيرات الانحباس الحراري وغياب حكومة فاعلة، فالانحباس الحراري مشكلة كونية تواجه العالم بأكمله، وتأثيرها في الدول النامية أكبر لأن بعضهم كالصومال ليس في قاموسهم شيئ أسمه تغيّرالمناخ، فالمجتمعات التى لم تتساءل عن كيفية مواجهة الأخطار البيئية وتخفيف أخطارها سيكونون أولى ضحايا الكوارث الناجمة عن المشكلات البيئية، أما المشكلة الأخرى فهي غياب حكومة فاعلة، وهي مشكلة كبيرة تخص الصوماليين وحدهم، وهي رأس الأفعى فيما يحدث في بيئتنا من تلويث وانتشار للصيد غير الشرعي والجائر في البحر وقطع وحرق الأشجار في الغابات.nashidhah

(مركز مقديشو): ما هي المخاطر البيئية التي تواجهنا من جانب البحر في الصومال؟

السيدة فاطمة جبريل : الحكومة في مقديشو ورؤساء الولايات هم المسؤولون في ما يحدث لبحرنا من تلويث وتجريف، وبصراحة فإن السفن الأجنبية التى تجرف وتهدم الشعب المرجانية في مياهنا الإقليمية لديها تراخيص من الحكومة الصومالية عبر شركات بريطانية، وقضية النفايات باتت معروفة لدى الجميع. اقرأ ما كتبه محمد أبشر ولدو(3) عن الصيد غير الشرعي في الصومال، فقد ذكر في إحدى مقالاته أن الكمية الهائلة من الثروة التى تجرفها السفن الأجنبية هي أكبر ممّا يقدمه لنا الغرب من مساعدات بأضعاف كثيرة.

   (مركز مقديشو):  تعتبرمشكلة إنتاج الفحم النباتي و حرق الغابات مشكلة مجتمعية مزمنة، كيف يمكن أن نقلل من مخاطرها؟

السيدة فاطمة جبريل : هناك أسباب كثيرة ومتنوعة تقف وراء مشكلة تجارة الفحم يمكن تلخيصها تحت عنوان “غياب حكومة فاعلة” فالشباب الذين يحرقون الغابات ويقطعون الأشجار يعانون من بطالة مزمنة، ولا يجدون عملا بديلا يسترزقون منه، وبالتالي يكون خيار إنتاج الفحم وسيلة يائسة لكسب قوت اليوم، فالمشكلة تبدأ من الرأس فهي سياسية بامتياز، لأنّ سياسة تشغيل الشباب وخلق فرص عمل كريمة غائبة أو مغيبة، وأيضا نحن نعاني من غياب التشريعات والسياسات البيئية الواضحة، ويمكن أن يأتي الحل من خلال سد هذه الثغرات وطرح البدائل.

شخصيا أرى أن عملية حرق الأشجار وتصنيع الفحم هي عمليّة شاقّة ومرهقة، ترى الشباب وقد تحولت وجوههم وملابسهم إلى اللون الأسود، وتزداد المشكلة سوءاً عندما يتعاطى هؤلاء الشباب القات على معدة خاوية، كما هو حال غالبيتهم المدمنة للقات. هؤلاء يستحقون منا أن نغيثهم من هذه المآسي وأن نخلق لهم فرص عمل كريمة، فنحن نمتلك ساحلا طويلا معروفاً بوفرة الأسماك والثروات البحرية الأخرى، ويفترض كثيرون أن طول هذا الساحل كفيل بخلق فرص عمل لهؤلاء الشباب إذا تم تدريبهم وتأهيلهم لذلك.

ودعني أخبرك أنّ المنظمات الدّوليّة لاتقدم لنا مساعدات لنخرج من هذه المآسي، ولايدربون الشباب ولايؤهلونهم لخيارات أخرى، وأنا أتساءل دائما متى تطلب الحكومة من هذه المنظمات المساعدة بأعمال استراتيجية تساهم في تغيير الواقع بدلا من هذه الإغاثات التى لاتسمن ولا تغني من جوع.

(مركز مقديشو): ماهي البدائل الممكنةnashidhah1 لتجاوزاستخدام الفحم النباتي؟

السيدة فاطمة جبريل : إستخدمنا في البداية الطباخات الشمسية (Sun Fire Cooking)، ورغم أننا وفرنا كميات كبيرة للمجتمع هنا في بونت لاند إلا أننا لم ننجح بعد، لوجود مشاكل كثيرة ؛ أولها أن المستخدم خاصة البنات لا يريدون الوقوف تحت أشعة الشمس أثناء الطّبخ، أما المشكلة الأكبر هي أن الطباخات الشمسية تسببت بإشتعال الحرائق في كثير من البيوت، نحن نحاول دائما إيجاد بدائل آمنة ورخيصة بدلا عن الفحم، وتعتبر أنابيب البوتاغاز رغم ارتفاع كلفتها إحدى البدائل الممكنة.

وفي الحقيقة نحن بحاجة شديدة إلى توعية المجتمع بأهمية وسبل المحافظة على البيئة، لأننا نريد إيجاد مجتمع واع بمشكلاته البيئية، قادر على فهم كافة أبعادها، وأغلب مجتمعنا يميل إلى الاستماع أكثر منه للقراءة، ولايوجد خيار لإيصال التوعية إلى هؤلاء الشباب إلّا باستخدام الإذاعات. ومع الأسف الشديد ليس هناك إذاعات محلية في أغلب المناطق الريفية.

 

(مركز مقديشو): أخيراً، ماذا تقترحين لحماية البيئية في الصومال؟

السيدة فاطمة جبريل : أدعو إلى تضافر الجهود لإنقاذ بيئتنا، فالمسؤولية كبيرة وجماعيّة باعتبارها تتعلق بوجودنا في هذا الكون، فمشاكل بيئتنا كثيرة تحتاج إلى جهود كبيرة لمعالجتها، وإلى عمل متكامل بين الحكومة والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني.

(مركز مقديشو): في ختام الحوار نشكرك جزيل الشكر على تشريفك لنا بهذا الحوار.

السيدة فاطمة جبريل : أتمنى لكم التوفيق، رمضان كريم، وكل عام وأنتم بألف خير.

هامش:

  1. جائزة أبطال الأرض (Champions of the Earth award): هي أعلى وسام شرف في مجال البيئة, تمنحها الأمم المتحدة سنويا للرّواد الذين كان لعملهم تأثير هام وإيجابي على البيئة.
  2. جائزة جولدمان (Goldman Environmental Prize) هي جائزة دولية تمنح للنشطاء في مجال البيئية الذين كافحوا وبذلوا المستحيل لحماية البيئة والمجتمعات من قبل مؤسسة جولدمان للبيئة التى تتخذ من مدينة سان فرانسيسكو مقرا لها.
  3. صحفي وناشط سياسي، له عدة مقالات عن القرصنة وأسبابها، مهتم بأنشطة التنمية، توفي في نيروبي 5 مارس 2016م.
زر الذهاب إلى الأعلى