تقرير حول : معاناة معاقي القوات الوطنية في مستشفى مرتيني

 لتحميل التقرير أنقر على: تقرير عن معاقيpdf

يقصد هنا بالمعاق من فقد الأطراف المهمة من جسمه من البصر, والأرجل والأيادي وغيرها لأسباب طبيعية كالخلقة أوالمرض، أو أسباب بشرية كالحروب.

وبطبيعة الحال يوجد في الصومال نسبة كبيرة من المعاقين, ممن إعاقتهم طبيعية، وممن تأثروابالكوارث التي شهدتها الصومال من الحروب التي مرت بها البلاد سواء كانت الحروب الخارجية مع دولة أخرى, أوالحروب مع الجبهات المتمردة إبان الحكومة المركزية في عهد الرئيس الراحل محمد سياد بري أوالحروب القبلية التي شهدتها البلاد بعد انهيار الحكم المركزي. من بين المعاقين في الصومال معاقو القوات الوطنية الصومالية في حرب 77 التي دارت بين الصومال وإثيوبيا في نهاية السبعينيات من القرن الماضي, والحروب مع الجبهات .

DSC_0102

عنصران من معاقي القوات الوطنية في مستشفى مرتيني

يحظى المعاقون في الدول والمجتمعات المتطورة برعاية وعناية استثنائية نظرا لظروفهم. والمجتمع الصومالي  كغيره من المجتمعات ينظر إلى المعاق بعين الرحمة والشفقة. وبما أن المعاقين من القوات الوطنية الصومالية فقدوا أعضاء جسمهم من أجل الوطن جعلهم ذلك محل اهتمام الحكومة المركزية السابقة، حيث كانوايتلقون الرعاية والعناية الخاصة من قبل الدولةباعتبارهم أبطالاضحوابأنفس ما لديهم من أجل الوطن.

لكن وبعد انهيار الحكومة المركزية ودخول البلاد في أتّون صراعات داخلية فقد المعاقون من القوات الوطنية الرعاية التي كانوا يلقونها, حيث غابت الحكومة التي كانت تضطلع بمسؤولية رعايتهم.

معاناة معاقي القوات الوطنية :

لقي المعاقون من القوات الوطنية معاناةشديدة من الإهمال والضياع في ظل الحروب الأهلية والفوضى العارمة التي حلّت بالبلاد, ولايزالون يعانون منها حتى الآن. معاناة مرت بمراحل مختلفة على الرغم من بعض الاهتمام بمساعدة المعاقين من القوات الوطنية الذي يبديه المجتمع الصومالي على مستوى الأفراد والهيئات, وقيام بعض المسؤولين الحكوميين في الحكومات المؤقتة, والمنظمات الإغاثية الدولية بمساعدتهم، نظراً لعدم كفاية هذه المساعدات لسد احتياجات المعاقين,

وقد قام مركز مقديشو للبحوث والدراساتبالزيارة إلى مستشفى مرتيني حيث مقرّ المعاقين من القوات الوطنيّة الصوماليّة الذين يقدر عددهم بـ 128 أسرة, وذلك بهدف رصد الأوضاع المعيشية والصحيّة التي يعيشون فيها من أجل الكشف عن حجم المعاناة التي يواجهونها .

DSC_0128

البوابة الرئيسية للمستشفى

وقد تم اللقاء والحديث مع مجموعة من المعاقين من بينهم المتحدث باسم المعاقين عبد الله محمد دعالي، الذي تحدّث لمركز مقديشو عن المعاناة التي يعيش فيها المعاقون, وواقع أداء كل من الحكومة الصومالية وخصوصا المؤسسة العسكرية المتمثلة في وزارة الدفاع الصومالية والمسؤولين العسكريين, والتجار والسياسيين الصوماليين, والشعب الصومالي أدوارهم تجاههم عموما

روى المتحدث باسم المعاقين لمركز مقديشو بعض تفاصيل الواقع المأساويّ الذي تصنعه المعاناة القاسية التي يمر بها المعاقون من القوات الوطنية في مستشفى مرتيني, حيث ذكر من معاناتهم عدم توفر الغذاء الكافي، وسوء التغذية وما ترتب عليها من أعراض الضعف والانهيار لدرجة أن البعض أصبحوا غير قادرين على الحركة والنزول من السرير, وهجوم الأمراض الانتهازية كالسّلّ مع فقدان التغذية الجيدة لمقاومة المرض.

DSC_0117

المتحدث : عبدالله دعا لي أحد معاقي حرب 77, مصاب في العينين

وعن الدور الحكومي وخصوصا المؤسسة العسكرية المتمثلة في وزارة الدفاع الصومالية, فقد صرح المتحدث بضآلة الدور الحكومي عموما بل وغيابه في أغلب الأوقات تجاه المعاقين من القوات الوطنية, إلّا أنه يوجد إعانات غير منتظمة من قبل وزارة الدفاع المتمثلة برواتب رمزية, وتعيينات غذائية، لكنها غير كافيه لسد احتياجات أسرهم المعيشية التي لا يتمكنون من تدبيرها بسبب الإعاقة.

وممن التقى بهم المركز من هؤلاء المعاقين إسماعيل محمد إبراهيم من المتأثرين في حرب ” بلنبل ” ضدّ إثيوبا إبان الحكم العسكري في عام 1982, وهو يتحرك بواسطة الكرسي النقّال للمعاقين, يعاني فوق إعاقته من مرض السل الذي هو من الأمراض الانتهازية التي تهاجم الفرد في حالات ضعف المناعة الناجمة عن أيّ سبب من الأسباب، ولا يجد تغذية جيدة لمقاومة هذا المرض, بالإضافة إلى المشاكل العصبية التي يعاني منها, حيث باتت بعض أعضاء جسمه مشلولة, غير قادرة على التحرك .

DSC_0009

المعاق : إسماعيل محمد

ومن بين المعاقين الذين التقى المركز معهم بنو محمد معلم, الذي تأثر في الحروب مع الجبهات في عام 1984, في منطقة بور غسولي من محافظة جلجدود, أصابته شظية في عينه اليمنى ونفذت منها إلى داخل رأسه, ولا يزال جرحه نديًّا يفرز سوائله ويسبب له الآلام حتى الآن، كان من ضمن حالات صعبة خططت الحكومة الحاليّة لإرسالهم للعلاج في الخارج لعدم توفر التقنيات اللازمة لمعالجة إصاباتهم في الداخل, لكن إجراءات سفره انقطعت فجأة  بعد استصدار جواز سفره  .

DSC_0012

احتياجات معاقو القوات الوطنية :

أوضح المتحدث لمركز مقديشو بعدم وجود جهة ما تعول المعاقين من القوات الوطنية باستثناء المساعدات الإنسانية غير المنتظمة من الشعب الصومالي ومن الإعانات اليسيرة والرمزية من قبل وزارة الدفاع، والتي لاتكفي لسدّ الحاجات الضرورية للأسر.

وعدّ المتحدث الاحتياجات الأساسية للمعاقين من القوات الوطنية، والتي تتمثل في تأمين القوت الضروري، والمياه الصالحة للشرب, حيث يعاني المعاقون وأسرهم من هاجس تحصيل الغذاء ومن عدم توفر  المياه النظيفة, بالإضافة إلى الرعاية الصحية والرعاية الاستثنائية الخاصة بهم كمعاقين لهم احتياجاتهم الخاصة, خاصّة وأنّ الكثير منهم يعانون من مضاعفات أخرى إلى جانب الإعاقة.

وشدّد المتحدث على ضرورة مساعدة المجتمع الصومالي حكومة وشعبا للمعاقين من القوات الوطنية وخصوصا في شهر  رمضان المبارك هذا, وأنهم يتوقون إلى رؤية أطفالهم وقد ارتسمت بسمة الفرح على شفاههم ليشاركوا باقي الأطفال فرحة العيد المقبل.

عن المستشفى:

مستشفى مرتيني للقوات الوطنية يقع في مدينة مقدشو العاصمة، تعود تسميته للواء الإيطالي مرتيني, ويرجع بناؤه وتأسيسه إلى بدايات القرن التاسع عشر  1911,على يد سلطة الاستعمار. وبعد انهيار النظام السابق أصبح المستشفى من بين المرافق التي طالها الخراب والضياع ، ولم يجد عناية من أفراد أو مؤسسات. يتكون المستشفى من أقسام وأجنحة كثيرة أهمها قسم العمليات وبه صالتان للعمليات, وقسم الأشعة والتحاليل المخبرية, وأقسام أخرى لم تفلت أيّ منها من أيدي التدمير والتخريب خلال مراحل الفوضى.

DSC_0107

جانب من المستشفى ويظهر أنّ الخراب حوله إلى مزبلة

وقد حانت أخيرا من وزارة الدفاع الصومالية التفاتة إلى المستشفى، حيث بدأت مؤخراً في ترميم أجزاء منه بالتعاون مع مؤسسة إيدا التابعة لوزارة الدفاع الإيطالية.

كان جانب من المستشفى مأوى للمعاقين من القوات الوطنية وأسرهم طيلة العقود الماضية منذ الحكومة المركزية. وفي فترة الحكومة الحالية ترددت أخبار بوجود توجه نحو إصدار أوامر إليهم بإخلائه ، وذلك  في أيام قائد القوات المسلحة السابق إنطو قرشي، إلاّ أنّه وبفضل تدخل بعض العسكريين أبرزهم اللواء محمد أحمد آدم المعروف باللواء ” بود “, تم وأد هذه الفكرة احتراماً للدور الوطني الذي ضحى هؤلاء الجنود في أدائه.

توصيات:

من خلال هذه الزيارة ورصد الأوضاع المعيشية والصحية للمعاقين من القوات الوطنية تهيّأ لمركز  مقديشو أن يقدّم التوصيات التالية للمعنيين من الجهات الرسمية وغير الرسمية:

  • السعي إلى توفير مخصصات شهرية منتظمة ومستمرة, لتمكين المعاقين من سد الاحتياجات الأسرية المعيشية المختلفة.
  • إصلاح آبار المياه المتواجدة في المستشفي للحصول على مياه نظيفة وصالحة للاستخدام.
  • توفير الخدمة الكهربائية لأسر المعاقين، وذلك نظراً للحاجة الملحة إليها. مع العلم بأن البعض معاقين بصريا.
  • السعي إلى افتتاح مستوصف طبيّ يقدّم لهم الخدمات الصحية ويعالج المرضي منهم.
  • ترميم المباني السكنية لعائلات المعاقين، حيث يسود تخوف لدى المعاقين من إمكان انهيار هذه المباني القديمة في أي لحظة.
  • توفير الفرص التعليمية لأطفالهم.

وأخيراً المعاقون من القوات الوطنية مسؤولية على عاتق المجتمع الصومالي حكومة وشعبا نظرا لظروفهم التي لا تسمح بالنهوض لسد احتياجاتهم بمفردهم, ولحاق ذلك بهم في سبيل أداء واجب وطنيّ عام، وبالتالي يتوجّب على المجتمع الصومالي وفي مقدمته الحكومة ورجال الأعمال تحمّل مسؤوليّاتهم تجاه المتضررين والمعاقين, وبالذات الذين ناضلوا وتضرروا من أجل الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى