البطالة المشهد الطاغي في ساحتنا الصومالية(2-3)

تضاعف نسب الأجانب العاملين في البلاد

ارتفعت أعداد العمال الأجانب العاملين في الصومال في الآونة الأخيرة وبصورة ملحوظة، والغريب في الأمر أن هؤلاء الأجانب أتوا إلي بلادنا بطرق غير مشروعة يمكن وصفها بأنها طرق مشبوهة للغاية؛ إذ لاتعرف هوياتهم الحقيقية والدوافع الرئيسية لقدومهم، حصلوا وبكل سلاسة على جوازنا الصومالي، وأتقنوا الصومالية وتحدّثوها بطلاقة أو بلكنة ولجلجة تحت سطوة هستيرية التأقلم.

هاهم يتصرفون كمواطنين صوماليين، يسلبون حقوق المواطن الصوماليّ الأصيل، ويزاحمونه في الفرص الوظيفية الشحيحة أصلاً. وينازعونه حقوقه السياسية، يتواجدون في كل حدب وصوب من القطر متغلغليين في جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.

يؤكّد ما نذكره أن إدارة الهجرة والجنسية في الوزارة الداخلية الصومالية ضبطت عددا من الأجانب الذين دخلوا البلاد بطرق غير مرخص بها وغير  قانونية، ومعظمهم كانوا كينيين، وبطبيعة الحال تعهّدت الحكومة ومن موقف مسؤوليتها بأنها ستحاسب هؤلاء ، وستطبق عليهم القانون، وقد أخذ هذا التعهد مجراه.

ما يهمني من هذا هو أنّه دليل يؤكّد ما ذكرناه من وجود الأجانب بصورة غير قانونية، يشكلون عبئاً على المواطن الصومالي البسيط ويثقلون كاهله، حيث يقاسمونه حصته الوظيفية وقوت يومه في أرضه الأمّ.

وهذا بدوره أدّي إلي إنتشار موجة البطالة السائدة في البلاد، والتي تعتبر من أسوإ البطالات في تاريخ البلاد.

وننوه هنا بأنّ نسبة الأجانب العاملين في البلاد آخذة في الازدياد، وتصل إلي أرقام وأعداد مهولة. نتمنّى أن تتطوع الجهات المعنية بدراسة إحصائية تكشف عن الأرقام الحقيقية لهذه العمالة الأجنبية التي لا حاجة إليها.

  • ندرة مصادر التوظيف

لاتعدو مصادر التوظيف المتوفرة في البلد كونها مصدرين اثنين لاثالث لهما:-

1-مصادر التوظيف الحكومية                         2-مصادر التوظيف الخاصة

ولايوجد مصادرتوظيف أخري – أوبالأصح مصادربديلة – إلا ماندر. وهكذا الكل يبحث عن ضالته كما يتفق له بما يتناسب مع ظرفه وقدراته العلمية ومؤهلاته الأكاديمية ومبادئه الشخصية وانتماءاته الفكرية والخلفية الأيديولوجية التي ينطلق منها. ولذا أجد حرجا كبيرا من التعبير عن أن بعض الجهات تضيق الخناق علي المتقدمين للوظائف المعروضة متحججة ببعض الظروف والإسقاطات غير المقبولة علي الإطلاق مدّعية أنها تخلق بعض الفرص، ولكن الواقع ينافي هذا الادعاء ويفضح بعده كل البعد عن الحقيقة وخلوّه من الصحة تماما.

  • مصادرالتوظيف الحكومي

ما أكثر هذه المصادر على مختلف الأصعدة والقطاعات الحكومية من وزارات وقطاعات مدنية، وبعض الأجهزة التابعة للدولة، ولكن يشوبها شيء من التقصير وسوء الإدارة؛ حيث لايمكن أن يتوظّف فيها أيّ واحد منّا ما لم تكن لديه الواسطة القوية أو الضامن الذي يتحمل مسئوليته علي الأقل إن قصّر بالواجبات المسنودة والموكلة إليه، والأكثر من ذالك إن أخطأ وارتكب بعض الممارسات أوالمخالفات غير المقبولة أوأخطأ في التقيد بلائحة العمل الحكومي. عند ما تتقدم لمثل هذه الوظائف يجب معرفة أصلك وفصلك، وهذا جزء من متطلبات العمل، ومعرفة وسيطك حتي التخمة: هل هو من رجالات الدولة؟ أم لا؟  هل هو شخص موثوق؟ ومامدي ولائه بالنسبة  للدولة ؟ هل هو مقرب من الدوائر الحكومية؟ أم لا؟ماهي الضمانات المتوفرة إن لم يلتزم الشخص بواجباته؟ أوتسبب ببعض الضرر والخسائر المادية؟

يوقع الضامن ورقة ضمان يقرّ فيها بأنه يتحمل مسئولية طالب الوظيفة كاملة مهما كانت الظروف، ويتعهد بأنه مسئول عن كل فعل يصدر عن هذا الشخص الراغب في العمل. هكذا تسير الإجراءات وترتب الأمور علي هذا الأساس لاتبديل ولاتغيير.

ورغم كلّ هذه الإجراءات الروتينية تواجه صعوبات أخري جمّة لايمكن حصرها ويتمّ التوظيف وقبول المتقدّمين للوظائف علي أساس الانتماءات الفكرية أوالخلفيات الحزبية والولاءات السياسية وعلي أساس قبليّ واضح المعالم وأساليب أخري غير واضحة كالمحسوبية والتبادل المصلحي وهلم جرًّا.

ومن المؤسف جدًّا أن يتخلخل الأجهزة الحكوميّة مثل هذه الظواهرالكارثية والقاتلة، وهي الأجهزة الوحيدة التي تمثل كلّ أبناء الوطن الواحد والتي تفتك بتماسك أفراد هذا البلد وتكرّس فيهم الظلم الاجتماعي والحقد وعدم التساوي في الفرص الوظيفية، واقتسام الثروة وتوزيع مقدرات البلدعلي أساس المساواة والعدالة.

  • مصادر التوظيف الخاصة(الأهلية)

ما أوفر هذه المصادر الثرة، والتي من الصعوبة بمكان عدّها أوإحصاؤها، ولكننا نحا ول قدر الإمكان التعرض لهذه المصادر بصورة خاطفة تتسق مع طبيعة هذه الخاطرة.

تتصف هذه المصادر بالسمة الأهلية، يملكها أفراد معينون تسير علي كلمتهم واللوائح التي يضعونها، لذا كان لزاما علي كل من يتقدم ويتوظف في هذه المصادر أن يتخذ له منطلقات أخرى غير منطلق الصواب والخطأ، تراعي الخطوط الحمراء للمؤسسة التي يشتغل فيها ولايتعارض مع قيم ومبادئ ومصالح المالكين لهذه المؤسسة، وأن يكون متعقلا في تعامله مع المسثولين، ومتأنّيا في خطواته، وأن لايتدخل فيما لايعنيه، وأن يكو ملتزما بواجباته الملقاة علي عاتقه، حتّى لا يتعرض للفصل من العمل.

  • المصادر المملوكة للأفراد

توجد وبكثرة مثل هذه المصادر المملوكة للأفراد، وأعني هنا المصادر التي يملكها أغلب حصصها شخص واحد مثل المدارس الأهلية، وبعض الجامعات، والشركات الخاصة، وبعض المستودعات التجارية، وما شابه ذلك. يجب علي كل من يطلب وظيفة من أصحاب هذه المصادر أن يختبئ وراء ستار الواسطة ويعرف مداخل أصحاب هذه المحلات وكيف يتعامل معهم بلطف ويقيم علاقات طيبة – أو بالأحرى مرضية –  لهؤلاء المسئولين، وطابع هذه المؤسسات أنها دائما ما تكون مركزية القرار في بنائها الوظيفي والوصف الوظيفي الذي تنتهجه. لذا يجب علي الراغب أن يضع ذلك في حسبانه ويتصرف بوحي من الاعتبار، فيتنازل عن شخصيته ووجهة نظره المتقاطعة مع شخصية ووجهة نظر رب العمل. فلا مساحة للاعتراض، ولا هامش للمناقشة والمراجعة إن هو رغب في الاستمرار في العمل ليحقق رغبته وينال مراده.

  • مصادر مبنية على الشراكة العامة

وهي المصادر التي تصطبغ بالصبغة المؤسساتية، فتؤؤل ملكيتها إلى أكثر من شخص تتوزع بينهم غالبية أسهمها.

قد يتسم هذا النوع من المصادر ببعض المرونة بالنسبة إلى سابقتها لتعدد مصالح الأفراد المالكين، وتشعّب آرائهم وأفكارهم. إلّاأن مصلحة العمل تقتضي وضع اللوائح الصارمة المتبعة في داخل المؤسسة أوالشركة التي تسري عاي الجميع كي يتم ضبط العمل ومراعاة المصلحة العليا للشركة والتي تمس جميع الأفراد وتهم العميل، وتستهدف تغليب كفّة المصالح المشتركة.

وهذه المؤسسات المبنيّة بمساهمات الأفراد توجد وبوفرة. ومعظم شركات الحوالات والبنوك المحلية والجامعات تعتبر من هذا القبيل، إضافة إلي بعض الاستثمارات التي ترجع  للمستثمرين الصوماليين المغتربين الذين أسسوا بعض المقاهي الفاخرة وشيدوا الفنادق الفخمة. وكلها تندرح تحت هذا البند

العصا السحرية للحصول علي وظيفة في هذه الشركات أن يأخذ الفرد بالأسباب اللازمة من واسطة ومعرفة سابقة يستند إليها أومعارف تحظي بالاحترام لدي أرباب هذه الشركات تزكّي المتقدّم للعمل، وتشهد بأهليته لأيّ مسؤوليّة تسند إليه.

  • مصادر المنظمات الخيرية:

تعتبر المنظمات الخيرية مصدرا غنيًّا للتوظيف ينجذب إليه بعض الفئات والشرائح المهتمة بالعمل الإنساني، قد تكون أفضل حالا بالنسبة لسابقاتها  من ناحية التوظيف، لسيادة شيء من الشفافية والنزاهة في التوظيف فيها، ولكن يخشي الكثيرون أن سوسة الواسطةوالمحسوبية والمحاباة والفساد الإداري مندسة أيضاً في هذه المنظمات المدعومة ماديا من بعض الدول العربية والخليحية علي وجه الخصوص وبعض الدول الأوروبية.

هذه المنظمات هي الأخرى لم تسلم من هذه الظاهرة، على الرغم من الدور المفترض عليها من محاربة هذه الظاهرة والإمساك بزمام المبادرة لاستئصالها، والحدّ من مدي انتشارها، وتوعية المجتمع بمدي خطورتها.

مصادرالمنظمات الأممية:

يتجه الكثيرون نحو العمل في المنظّمات الأممية التي تمثل هي الأخري مصدراً خصباً لقطاعات كثيرة من المجتمع الصوماليّ يصفونها ببعض الشفافية والنزاهة المهنية في اختيار الطواقم العاملة بمكاتبها في الصومال حسب المؤهلات العلميّة والكفاءةالمهنية والتخصصات المطلوبة، ولكن لايعني ذلك البتة أن اللولبة الحلزونية الموجودة في معظم المؤسسات الصومالية لا تشوب المؤسسات الأممية أيضا، بل في الواقع لم تسلم هي الأخري من هذا التعاطي المرحلي والتناول بالضرورة الزمنية إذا هذا التعاطي مستشر في كل الموسسات  والمنظمات ولكن الكل يتجاهل حل الأزمة. وتشخيص المشكلة ومعرفة أسبابها وجذورها الموضوعية تمثل أكثرمن50% من حل المشكلة وعلاجها علاجا جذريا، ويجب أن يختار الشخص بحسب إمكاناته العلمية والقدرات الذاتية التي يتمتع بها، بدلا من اختياره  على أساس هويته الفكرية والخلفية الأيديولوجية والأساس القبلي والمكاني الذي يسبب المحاصصة وتمييز الكفاءات علي أسس وهمية غير علمية.

 

على عثمان إبراهيم

من مواليد عام 1991 خريج كلية الأذاب فسم علوم الإتصال بجامعة إفريقيا العالمية، كاتب صحفي ومحلل إجتماعي
زر الذهاب إلى الأعلى