الصومال والجدار الكيني “العازل”

لا أعلم ما سر الشعور الذي ينتابُني كلما حزمت حقائبي وإتجهت رحلتي إلى قارة المٌستقبل “أفريقيا” ، ذلك الشعور الذي دائماً ما ينتصر لي ويقتل كل هاجس قَلق يحاول أن يغتال إقدامي وحرصي على معرفة وكتابة ما يجري في أفريقيا على عواهنه وحقيقته من غير تزوير، والذي لا تنقله لنا وكالات الإعلام الغربية ، أو بمعنى أصح لا ترغب القوى الإستعمارية القديمة بكشفه للأفارقة فما بالك للعالم.

أثناء زيارتي الأخيرة إلى روندا تناقلت وسائل الإعلام في كيغالي خبر مقتل الناشطة الإجتماعية الصومالية ورئيسة منظمة المرأة بمحافظة مدغ الصومالية السيدة ” طدي يوسف أدن” ، وتصدر الخبر الصفحات الأولى في الجرائد الرسمية التابعة للحكومة الرواندية ، وتم تنظيم حوار سياسي في مركز الأبحاث الراوندي الذي تشرفت بزيارته وحضور ذلك الحوار الثري حول التوترات السياسية في منطقة القرن الأفريقي ، شارك فيه مجموعة من المُثقفين والأكاديمين الذين تزخر بهم سنغافورة أفريقيا “روندا” ، خاصة أن روندا اليوم أصبحت مثالاً دولياً بعد نجاحها في تحقيق مكاناً متقدماً لمُشاركة المرأة في الحياة السياسية حيث تُمثل النساء في البرلمان الراوندي 60 % وهو أعلى معدل في العالم اليوم ، وبالتالي لا غرابة أن تنتفض كيغالي لخبر موت الناشطة الصومالية السيدة ” طدي” وتنظم ذلك الحوار، فروندا تؤمن بدور المرأة الإجتماعي والسياسي في تغيير مُجتمعات أفريقيا جنوب الصحراء.

ألمني حقيقة خبر مقتل السيدة طدي “رحمها الله” رغم معرفتي ودراستي المُسبقة للتوترات السياسية والإجتماعية التي تعاني منها الصومال منذ عام 1991 ، وهذا الوضع الدامي الذي يرزح تحته الشعب الصومالي بتواطىء إقليمي ودولي لا غرابة إن أنتج لغة الدم والإرهاب والتشرد.

ما إن غادرت العاصمة الرواندية “كيغالي” مُتجهة إلى جمهورية السودان حتى تبادر إلى مسامعي خبر إعتزام نيروبي لبناء جدار عازل يفصل بينها وبين الأراضي الصومالية ، وفي تلك اللحظة إستحضرني المثل الأفريقي الهوساوي الذي يقول ” مياه إطفاء الحريق ليست بالضرورة أن تكون نظيفه”.

إعتزام  كينيا اليوم بناء جدار عازل بينها وبين الصومال وكأن نيروبي تريد القول بأنها تخشى على نفسها من حالة عدم الإستقرار السياسي في الصومال ، والذي ينعكس بشكل أو بأخر على أراضيها ، مُتناسية أنها شريكة أساسية في إشعال الحريق الصومالي وتثبيت ودعم حالة التشرد والفوضى السياسية التي تعيشها الصومال منذ عام ١٩٩١ إلى اليوم ، فإقليم إنفدي الصومالي الذي تحتله نيروبي لن يتوقف عن معارضته للحكومة الكينية ولن يضره بناء الجدار العازل المُزمع بناءه ، فأغلبية سكانه هم من الصوماليون الراغبين بالعودة إلى البلد الأم ” الصومال”، كما أن الصوماليون في الإقليم المُحتل “إنفدي” لا يختلفون عن الصوماليون في الصومال الأم، أو حتى عن الصوماليون في إقليم أوجادين الصومالي الذي تحتله أثيوبيا ، فهم يتحدثون بنفس اللغه وينتمون لنفس العشيرة ، أضف إلى ذلك أن الصوماليون تربطهم جميعاً رابطة الإسلام، فهم في المُجمل صوفيون في مذهبهم ، وحتى الإختلافات في اللهجة لا تتفق مع الحدود المُصطنعة المفروضة عليهم سواء من “نيروبي” أو شريكتها في الحريق الصومالي “أديس أبابا” ، وهذا ما تدركه التنظيمات الإرهابيه مثل حركة الشباب المُجاهدين ، وهو بالذات ما تستخدمه تلك التنظيمات في إستقطاب الشباب الصومالي وتجنيده في تلك الميلشيات المُسلحه والتي سيزداد نشاطها في منطقة القرن الأفريقي بعد الإعلان عن تأسيس جبهة شرق أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة “داعش”، وبالتالي لا أعتقد أن نيروبي ستكون في مأمن من هجمات إرهابيه مُستقبليه ستشهدها أراضيها لا محالة بعد بناء الجدار المُراد بناءه هذا من جانب ، ومن جانب أخر لا أتصور أن دعم نيروبي لإقليم جوبلاند وزعيمه أحمد مادوبي أو كما يسمى في شرق أفريقيا ( رجل كينيا في الصومال ) سيتوقف حتى بعد بناء الجدار العازل ، فنيروبي ترى أن إقامة منطقة عازله بطول ١٠٠كم داخل الأراضي الصومالية المُتاخمة للحدود الكينية سيساعد كينيا على الإستفادة من خيرات إقليم جوبلاند ، كما أن ميناء كيسمايو الصومالي تراه نيروبي ممر بحري أمن يوفر لكينيا حلقة إتصال خارج الصومال، وهذا هو الهدف الإستراتيجي المُباشر لأي هجوم عسكري قامت وستقوم به القوات المُسلحه الكينية.

من المرجح أن تدعم أديس أبابا وجيبوتي المشروع الكيني المزمع بناءه على الحدود الصومالية، خاصة أن هناك مصلحة مُشتركة تربط دول الجوار الصومالي ليست بالتأكيد في مصلحة مقديشو ، وستشهد العلاقات الكينية الأثيوبية في الوقت القادم تطوراً إيجابياً من خلال حرص أثيوبيا على إقناع نيروبي للوصول إلى حل يمنع تطور نشاط المُعارضة الكينية التي يقودها رئيس الوزراء الكيني الأسبق ” أريلا أودينغا” مما يؤثر على الوضع السياسي للبلاد ، رغم يقين أديس أبابا بأنه لن يصل إلى رئاسة كينيا من يحقق حلم الصوماليون في إسترجاع إقليم ” إنفدي” وهذا ما يُطمئن الساسه في أثيوبيا ، وبالتالي حرص أديس أبابا على التعاون مع كينيا منعاً لتفاقم الأوضاع في نيروبي أو حتى على الجبهة الأثيوبية الأريتيرية مؤخراً يأتي من باب حرصها على إكتمال ملف سد النهضة بهدوء وبعيداً عن التوترات سواء في الداخل الأثيوبي أو في دول الحوض التي تترقب إكتمال سد النهضة المُرتبط بتنميتها ونهضتها بفارغ الصبر.

أمــــينة الــعريمـــــي

بـــــاحثة إمــــاراتــــية فـــي الــــشأن الأفـــريــقـــي

 

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى