هل سينجو البرلمان من الغرق الوشيك؟؟

تشهد أروقة البرلمان هذه الأيّام نقاشات حادّة وسط آراء متباينة على خلفيّة طلب رئيس الوزراء للمصادقة على مشروع اتّفاقيّة الحكومة الفدراليّ مع رؤساء الادارات الاقليمية المقدّمة لهم بتاريخ 30 ابريل الماضى.

ازاء هذه المسألة انقسم اعضاء البرلمان ما بين مؤيّد لتمرير المشروع ويراها ضروريّة لتجاوز هذه المرحلة المحفوفة بالمخاطر ولرأب الصّدع و بين معارض لها يراها تكريسا عمليّا لتفتيت عضد الدّولة لصالح رؤساء الولايات الّذين استأثرو  لأنفسهم بقسمة الأسد فى نظرهم.

فى الثانى من ابريل هذا العام اتّفقت الحكومة الفدراليّة مع إدارة بونت لاند على حزمة قرارات بخصوص المشاركة فى عمليّة الانتقال السّياسى، وبعد سلسلة من المحادثات المارثونيّة تمكّنت الحكومة الفدرالية من تمرير وجهة نظرها (الاحتكام الى نظام 4.5) نظرا لعدم أمكانية تجاوز مايفرضه أمر الواقع،  فيما اقتنعت إدارة غاس ببعض الامتيازات المتمثّلة فى :-

أوّلا: اجراء إنتخابات أعضاء مجلس البرلمان المنتمين عشائريّا الى بونت لاند فى حاضرة الولاية “جرووى” و إخضاع جميع القبائل المشاركة فى تأسيس الولاية بلا استثناء بما فيهم منطقتى سول وسناغ المتنازع عليها مع ولاية ارض الصومال لقرار إدارة الولاية.

ثانيا: يضاف لكل من ولاية بونت لاند وارض الصومال  بالطبع كماورد فى الإتفاقية ثلاثة اعضاء للعدد المحدد للإدارات الفدرالية فى مجلس الشّيوخ.

ثالثا: الغاء لجنة الانتخابات المشكّلة سابقا على أن يحل محلها لجنة أوسع يتم تشكيلها بالتراضى بين الادارات الاقليميّة

رابعا: أن يكون لرئيس الولاية عبد الولى غاس الإمضاء الأخير على قائمة النّوّاب فى كلّ من مجلس الشّعب والشّيوخ الممثّلين عن مناطق الولاية.

بعدها بعشرة أيّام تلاها اجتماع رؤساء الولايات مع الحكومة الفدراليّة فى مقديشو مُنحو فيها نفس الامتيازات ,لكنّ البرلمان الموشك على انتهاء صلاحيّته لا تحلو له أن يدع الأمور تجرى فى مجاريها من غير أن يترك عليها بصمته خصوصا فى هذه الآونة الّذى يشعر فيها بالتجاهل والتهميش الكبيرين علما أن رصيده يكاد يستنفذ ولم تعد لديه الكثير من الأوراق، لذالك بدأ فى استعراض عضلاته مؤكّدا ذلك على لسان رئيس المجلس  السيد: عثمان جوارى “حقّه الدستورى فى مراجعة ومناقشة مشاريع أعمال الحكومة وأنّ المجلس هو صاحب الكلمة الأخيرة بصفته الجهة التشريعيّة الوحيدة”

من هنا نتساؤل ما هى الدّوافع الحقيقيّة لتحمّس البرلمان فى إثارة هذا المشروع  بالذّات وفى هذا التّوقيت، بعد أن كانو فى غيبوبة تامّة طوال الفترة الماضية الّتى عقدت فيها عدّة مؤتمرات “تشاوريّة” حول عمليّة الانتقال المزمع إجرائها هذا الصيف من دون أن يسمع لهم صوت ؟

أم للفت الانتباه وفرض الذّات فى آخر فرصة ممكنة لهم قبل الاستحقاقات المصيريّة ؟ وهل هناك جهة تباركهم لحاجة فى نفس يعقوب ؟.

تبقى التّكهنات فى الشأن الصومالى صعبة جدّا لكثرة تقلّباتها وضبابيّة معالمها وكثرة منعطفاتها لكنّه وعلى ضوء مجريات الأحداث فى الشّهور الأخيرة والاستحقاقات القادمة يمكننا النّظر الى الأمر من ثلاث زوايا:

  1. البنود المثيرة للجدل المتضمّنة فى الاتّفاقيّة

هناك الكثير من المدّ والجزر بين الحكومة الفدراليّة ومجلسها التّشريعى من حين لآخر طوال السّنوات الماضية تغذّيها صراع  تعارض المصالح وليس بسبب تباين فى المبادئ حتّى سادت عقليّة “ماذا فى الأمر من مصلحة لى؟ ” وهذا ما يجعل الأمور الماديّة الجانبيّة الحافز والمحرّك الرئيسىّ بالنّسبة لهم.

لقد عيّن البرلمان قبل أسبوع لجنة لمراجعة وتعديل بنود الاتّفاق مكوّنة من خمسة وعشرين نائبا على أساس أنّ هناك بنودا تحتاج الى الحذف اوالإضافة ا والتعديل  مثل :

  1. عدم تخصيص أعضاء فى مجلس الشّيوخ لاقليم بنادر وهذا ما اعتبروه اجحافا فى حقّ سكّان العاصمة الأكثر تعدادا من النّاحيةالسكّانيّة.
  2. إعطاء رؤساء الولايات حقّ الاحتفاط بالامضاء الأخير على النّواب الجدد قبل الالتحاق بالمجلس المرتقب.
  3. تشكيل لجنة إنتخابيّة جديدة موسّعة ويرون فى ذالك إضعاف دور الحكومة الفدراليّة لصالح الادارات المحلّية.
  4. الحدّ من عدد المندوبين ( المخوّلين بتعيين النّواب) من خمسين الى أقلّ من ذالك العدد.
  • من هو الرّابح والخاسر من اجراء تعديل على الاتفاقيّة المذكورة
  1. البرلمان الّذى كان يفترض أن يطرح هموم المواطنين ومشكلاتهم عبر مجلسه “الموقّر” ليعكس صوت البائسين والمحرومين يجد نفسه مهتمّا بأمور جانبيّة لا تمتّ الى مهامّه ومسؤوليّاته بصلة وما زال يواصل الهواية بشكل أكثر من ذى قبل خصوصا وأنّ جلّ أعضاءه الحاليّين يحاربون باستماته من أجل الظّفر بأربع سنوات اضافيّة

وبما أنّ الاتّفاقيّة تجبر المترشّحين للعودة الى ديارهم ( دوا ئرهم) وترتيب أوراقهم من محلّ اقامة عشيرتهم الأقربين فانّ ذالك تجعل فرص العودة على بعضهم محدودة خصوصا وأنّ الولايات من جانبها ستحاول جاهدة فى فرض مرشّحين موالين لهم.

  1. بما أنّ اقليم بنادر لم يخصّص له نصيبه من مجلس الشّيوخ رغم أهميّته الرّمزيّة و السّكانيّة فانّ ذلك دفع الكثير للمطالبة بتخصيص أعضاء له فى المجلس وذلك يعنى بإضافة مقاعد إضافيّة ,الأمر الّذى سيثير حفيظة آخرين.
  2. فى حالة إنشاء مجلس شيوخ يبتّ فى القضايا المصيريّة ويراجع الاتفاقيّات الخارجيّة كما أنّه سيشارك فى تشكيل اللّجان القضائيّة والانتخابيّة والحدوديّة , هذه الصّلاحيّات الكبيرة تكون على حساب الحكومة الفدراليّة وهو ما سيجعلها محلّ تصادم مع الرّئاسة فى ظلّ غياب المحكمة الدّستوريّة
  3. النّوّاب الحاليّين لاشكّ وأنّهم استفادو من المنصب فى تكوين علاقات عديدة فى أوساط عشائرهم لكنّهم لا يحبّذون توسيع حلقة المندوبين بقدر ما يفضّلون أعدادا منتقاة من وجهاء وأعيان العشائر حتّى يكون الوضع قابلا للتّحكّم ولصالحهم.
  • ما هو السيناريو المحتمل عند رفض البرلمان للمشروع

لقد أبدى ما يعرف ب”المجتمع الدّولى” رغبته فى الموافقة على الاتّفاقيّة بحذافيرها جملة وتفصيلا كى لا تؤدّى اثارتها الى أزمة جديدة تصعب السّيطرة عليه من هنا أبدى المفوّض الأممى استياءه من تباطىء البرلمان عن المصادقة عليه منوّها بأنّ ” مستقبل الصّومال فى المحكّ حتّى تتمّ المصادقة على النّموذج المقدّم من الحكومة”.

كلام الرّجل تجرّد عن جميع الأعراف الدبلوماسيّة عندما صرّح بأنّ البرلمان يجب عليه تعجيل الموافقة على مشروع الحكومة ” وبدا وكأنّه أستاذ فى فصل مع تلامذته الصغار، وفى ظلّ هذه التّصريحات لا يُستبعد أن يتدخل العم سام لتحييد صلاحيّات البرلمان فى ما تبقّى لهم من شهور من “باب المحجور عليهم ” وذالك على غرار ما فعله بهم اوغستين ماهيجا عام 2011 اثر معاهدة كمبالا.

من حقّ البرلمان أن يصوّت على المقترحات والاتفاقيّات وكلّ ما فى مصلحة الأمن والمواطن من غير أن يضغط عليه أحد لكن لماذا ركّز على هذا المشروع بالذّات ولماذا تغاضى عن مناقشته، ناهيك عن التّصويت على عديد الاتّفاقيات المبرمة سرّا من قبيل اتّفاقية الحكومة مع شركتى فافورى وبيرك التّركيّتين الّلتان تسلّمتا بموجبها مطار وميناء مقديشو، من المؤكد أنّ هذه الاشكاليّة كان بالامكان تجاوزها لو توفر السّند القانونى أوّلا فى المرحلة التمهيديّة قبل دخول المعمعة السّياسيّة الحاليّة وذلك باجراء  التّعديلات الدّستوريّة الضّروريّة للمسايرة مع إملاءات المرحلة.

يجمع المراقبون أنّ اللّجنة البرلمانيّة الموكولة باعادة النّطر فى الاتّفاقيّة المذكورة لا تجد أمامها غير الرّضوخ لأوامر السّيد كيتنغ فالمفوّض لا يعطى اعتبارا لأصوات أعضاء مجلس الشّعب ريثما لم يلتزمو بارشادات البوصلة.

ومع تزايد الضّغوط على المجلس داخليّا وخارجيّا يلزم عليه الخروج من الورطة بأقلّ الأضرار بشكل يحفظ له ماء الوجه ويعتمد ذلك على براعة وقدرات البرلمان فى استشعار خطورة الأمر وحسن تصرّفهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى