معسكر حلني في مقديشو : دولة داخل دولة

حلني إسم بطل عسكري صومالي سابق أستشهد في معركة وادي وجالي في الحدود بين ما يعرف الآن بصومالي لاند وإثيوبيا عام 1964م عندما هاجمت قوات إثيوبية على الحدود وكادت أن تستولي على نقطة تمركز القوات الصومالية فما كان من الضابط الصغير حلني الاّ أن إعتلى ماسورة الحديدة الطويلة التي كان العلم الصومالي يرفرف فوقها داخل المعسكر بقصد إنزالها حتى لا تقع في أيدي الإثيوبيين فرشقت عليه القوات المهاجمة بالرصاص إلى أن سقط شهيدا والعلم الصومالي في يده، ولم تعترف به كبطل الاّ الحكومة العسكرية في عهد الرئيس الراحل سياد بري التي خلدت إسمه بمنطقة حلني المحاذية لمطار مقديشو التي خصصتها مركزا لتدريب المجندين الجدد وخاصة أولئك المتخرجين من المدارس الثانوية في الصومال الذين كان يجب أن يخضعوا للخدمة الوطنية لمدة سنتين يخدمون فيها بالقوات النظامية المختلفة والمصالح الحكومية المتعددة في العاصمة والأقاليم على طول البلاد وعرضها.

منطقة حلني (أو بالأحرى معسكر حلني كما كانت تسميه الحكومة العسكرية) هي عبارة عن عدة كيلومترات مربعة تقع كما سبقت الإشارة إليه بمحاذات مطار مقديشو الدولي من الجهة الغربية، وبعد تدخل القوات الأغندية في الصومال عام 2007م والتي كانت نواة للقوات الإفريقية أصبحت المنطقة الوحيدة القابلة للتأمين بالعاصمة مقديشو أكملها بأقل تكلفة ممكنة من هجمات حركة الشباب التي كان يقوى عودها يوما بعد يوم وكذلك حمايتها من الهبة الشعبية التي قامت إحتجاجا على تدخل القوات الإثيوبية المدعومة من الغرب بالصومال في ديسمبر عام 2006م من أجل إنقاذ الحكومة الصومالية التي كانت متمركزة في مدينة بيدوا بجنوب غرب الصومال وكادت ما كان يعرف بإتحاد المحاكم الإسلامية أن تلتهمها عن بكرة أبيها.

وللحقيقة والتاريخ فإن حركة الشباب كانت مندسة داخل تجمع إتحاد المحاكم الإسلامية كما كانت الذراع الأقوى في المحاكم بأسرها وقد حكى أحد رجال المحاكم بعد ذلك بفترة مندهشا مما كان يجري في تلك الأيام بين أروقة المحاكم “أن ممثلي حركة الشباب كانوا فعلا متطرفين، إنهم كانوا يملون إملاء على بقية ممثلي أجنحة المحاكم في الإجتماعات العامة ما كانوا يريدونه ولم نكن نفهمهم على حقيقتهم”

أدركت الدول الغربية قبل الصوماليين مئارب وحقيقة هذه القوة المتصاعدة فحركوا القوات الإثيوبية بإعتبارها القوة العسكرية الوحيدة المتدربة والمسلحة تسليحا جيدا والقريبة في نفس الوقت بؤرة المشكلة، حركوها من أجل أن تلجم القوة الإسلامية التي أطلت برأسها من مقديشو، وفعلا تدخلت وإجتاحت منطقة جنوب غرب الصومال حتى وصلت إلى آخر نقطة في الجنوب الصومالي وهي رأس كمبوني في أقصى نقطة على المحيط الهندي بين الحدود الصومالية والكينية مرورا بالمدن الساحلية الرئيسية مثل مقديشو ومركا وبراوة وكسمايو، وهنا يقول بعض المراقبين كم كانت إثيوبيا طامعة في الوصول إلى مياه المحيط الهندي ووالوقوف على أمواجه المتلاطمة وأفقه اللامتناهي، وهي أطماع راودت طويلا القادة الإثيوبيين وقد حققها رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زناوي وجيله بقدر ما سعى له أسلافه وأجداده ولم يستطيعوا تحقيقها.

عندما إشتدت الهجمات على القوات الإثيوبية بفعل الهبة الشعبية وكادت أن تموت من العطش والجوع ومازال الخطر الذي كانت تشكله حركة الشباب المندسة في المحاكم الإسلامية مؤرقا جاء التفكير بطريقة يمكن بها التنفيس عن القوات الإثيوبية فتم التخويل للقوات الأوغندية بالتدخل وتبعتها القوات البروندية حتى وصلت الدول المساهمة بالقوات إلى خمس دول وهي:

  1. أوغندا
  2. بروندي
  3. جيبوتي
  4. كينيا
  5. إثيوبيا

تمركزت طلائع القوات الأوغندية في منطقة حلني لتأمين المطار الدولي في مقديشو أولاً بإعتباره شريان حياتها وحتى لا ينقطع حبل الوريد بينها وبين مركزها الأصلي في أوغندا ولأنه ثانيا محمي من جانب البحر حيث أنه لم تكن المحاكم الإسلامية تمتلك قوات بحرية ولا حتى قوارب هجومية صغيرة فتم تأمينه من جانب اليابسة المجاور للمدينة وخاصة حي المدينة.

ومن ثمّ إتضح يوما بعد يوم أن منطقة حلني يمكن الوثوق بها كمنطقة آمنة والإستقرار فيها بعد أن إتخذت القوات الإفريقية مركزا لقيادتها في الوحدات والأفرع المختلفة، حيث يقع فيها مكتب الرئيس السياسي ويحمل إسم الممثل الخاص لرئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي ومعه إدارة تدير دفة المكتب السياسي، ويقع فيها أيضا قائد القوات ونائبيه للعمليات والشؤون الإدارية، وفيها أيضا مكتب الناطق الرسمي بإسم القوات ومكاتب الأجنحة الأخرى مثل المخابرات بأنواعها والمهمات اللوجيستية وغيرها من أفرع بعثة الإتحاد الإفريقي في الصومال المعروفة إختصارا بالأميسوم.

أقسام وأفرع بعثة الإتحاد الإفريقي في الصومال

تنقسم بعثة الإتحاد الإفريقي في الصومال إلى عدة أقسام وأفرع منها:

  1. قسم المكتب السياسي ويترأسه حاليا السفير فرنسيسكو مديرا وهو دبلوماسي مخضرم وينحدر من دولة الموزنبيق، وقد سبقه في هذا المنصب كل من السفير مامان صديقو من دولة النيجر والسفير محمد صالح النظيف من دولة تشاد وهو أفضل من تقلد هذا المنصب من حيث الإخلاص للمسألة الصومالية ولذلك كان السفير الوحيد الذي قدم إستقالته من هذا المنصب عندما لاحظ التناقضات الرهيبة بين الشعارات المرفوعة وما يمارسه الإتحاد الإفريقي على أرض الواقع في الصومال وتبين له أنه لا يستطيع تعديل وتصحيح المسار المغلوط، وأبوبكر ديارا من ملاوي…ألخ
  2. قسم القوات المسلحة ومهمتها الحفاظ على وجود الحكومة الصومالية وتأمين مقارها من إستيلاء مقاتلي حركة الشباب عليها، وقد يكون هذا الأمر الوحيد الذي نجحت فيه حتى الآن، فقد مرت على الحكومة الصومالية بفترات صعبة في الفترة من عام 2009 – 2011م حين كشفت حركة الشباب القناع عن وجهها الحقيقي بإنتمائها لتنظيم القاعدة ووصلت على أوجها من القوة العسكرية وكانت تسيطر على ثلاثة أرباع العاصمة على الأقل، كما كان مقاتلوها يستظلون وراء جدران القصر الجمهوري، فكان قناصوها يقتلون الموظفين والعمال داخل أسوار القصر بالرصاص المباشر في وضح النهار ومع ذلك لم يستطيعوا إحتياح القصر بفضل وجود قوات الإتحاد الإفريقي حول القصر وقد فقدوت أعدادا كبيرة من العساكر إما بالإشتباك المباشر مع مقاتلي الشباب أو برصاص القناصة الذين كان معظمهم من الأجانب المهرة في القنص وكانوا يعتلون بنايات الطوابق المحيطة بالقصر أو الذين يرصدون تحركات القوات في شارع مكة المكرمة الذي يربط بين مطار مقديشو وبين القصر الجمهوري، حيث إنهم كانوا يسيطرون على الجانب الشمالي من الشارع بينما كانت الحكومة تسيطر على الجانب الجنوبي منه، حتى جاء شهر أغسطس من عام 2011م وتم تأمين بعض الإحتياجات الضرورية للقوات المسلحة مثل السلاح الخفيف الذي كان متوفرا في السوق المحلي وإشترته لها الحكومة ومرتباتهم والجوانب اللوجيستية وحقوق أفراد الجيش وعوائلهم، وفعلا إستطاعت القوات الصومالية بما يشبه المعجزة دحر المقاتلين المتمردين وإخراجهم من العاصمة وبصورة نهائية، وهذا يدل أنه عندما تتوفر الإرادة عند الحكومة فهي قادرة على وضع نهاية للمتمردين.
  3. قسم الشرطة التابع للأميسوم وشرطة الأميسوم منوطة بتدريب قوات الشرطة الصومالية في العاصمة والأقاليم
  4. الجناح الإعلامي التابع للقوات الإفريقية وهو معني بتغطية جميع أنشطة الإتحاد عسكريا ومدنيا في داخل مقديشو و خارجها بالصوت والصورة، وقد تم توفير جميع المستلزمات من أجهزة التسجيل والمونتاج والرصد والمراقبة والبث، هذا القسم ليس معنيا فقط بتغطية حركات وسكنات بعثة الإتحاد الإفريقي وإنما هو أيضا معني بتغطية أنشطة الأمم المتحدة والحكومة الصومالية على حد سواء ولذلك يتواصل العمل فيه ليلا بالنهار ومن أجل تفادي إرهاق العاملين فيه فإن الموظف فيه يُمنح إجازة لمدة أسبوعين مع تغطية جميع نفقات السفر ذهابا وإيابا إلى البلد الذي قدم منه وذلك بعد أن يعمل لمدة أربعة أسابيع مضنية.
  5. قسم حقوق الإنسان التابع للأميسوم وهو مسمى أكثر منه حقيقة حيث إن جميع الشكاوى والتعديات ضد حقوق الإنسان التي نسبت إلى القوات الإفريقية العاملة بالصومال مثل القتل والإغتصاب الجماعي وغيرها لم يحصل يوما أن أدان هذا المكتب واحدة منها ولا يمكن أن يكون جميعها كذبا وإفتراء وهراءً.
  6. قسم الشؤون المدنية التابع للإتحاد الإفريقي بالصومال
  7. مستشفى الإتحاد الإفريقي وهو من الدرجة الثانية من حيث تصنيف درجات المستشفيات لكنه راقٍ جدا وجميع أطبائه وممرضيه من القوات المسلحة الأوغندية وهم مأهلون تأهيلا عاليا.

إلى جانب ذلك يوجد في منطقة حلني مكاتب الأمم المتحدة في الصومال بعد أن إنتقلت من منفاها في نيروبي عام 2012م، وهي غنية عن شرح أقسام مكاتبها ومهماتها والصومال ليس بدعا من بلدان العالم التي تعمل فيها بعثات الأمم المتحدة.

كما يوجد فيها قوات أوربية ولو بشكل رمزي، ففيها على سبيل المثال فرقة عسكرية من قوات إيطالية وأمريكية وبريطانية وغيرها، ويلاحظ هنا الغياب التام للقوات العربية والإسلامية في الصومال عموما وفي منطقة حلني بصورة خاصة ولا أحد يستطيع أن يفهم ما الذي نزع الطموحات من العرب حتى لا يفكروا بأن يكون لهم موطأ قدم ـ عسكري ـ في الصومال مثلهم مثل الدول الغربية.

ويوجد في حلني موظفون وعمالا من معظم بلدان العالم مثل الأمريكان والكنديين والبريطانيين والفرنسيين وأعدادا كبيرة من مختلف البلدان الإفريقية والآسوية وبمستويات متفاوتة في الهرم الوظيفي، والملاحظ هنا أن الجميع في هذه الدويلة الصغيرة بمنطقة حلني وهي صغيرة من حيث الحجم والمساحة الجغرافية ولكنها ذات نفوذ واسع في القطر الصومالي يتمتعون جميعا بنفس القدر من العدالة والمساواة والإحترام ولا مكان فيها للتفرقة العنصرية وهو أمر تستحق به الأمم المتحدة الإشادة والتصفيق.

كذلك يوجد في منطقة حلني أعداد كبيرة من مكاتب وكالات الإستخبارات والشركات الأمنية والتجارية والفنادق بأنواعها المختلفة ـ الفنادق ذات النجوم الخمسة وما دونها ـ والأسواق والنوادي الرياضية والبارات أو حانات الخمور إلى غير ذلك من الأمور.

الخلاصة:

منطقة حلني هي عبارة عن دولة في داخل دولة ولا تعرف الحكومة الصومالية عنها كثيرا لعدم إهتمامها بها وربما لقناعتها وثقتها بأنها مركز إتخاذ القرار الحقيقي في الصومال ولذلك فهي لا ترغب في إزعاجها بالأسئلة والمتابعة والرصد بما يجري فيها، ويتضح لك أنها فعلا دولة في داخل دولة أخرى من أنّ الدخول فيها يشبه بما يتطلبه الدخول إلى دولة أجنبية من متطلبات التأشيرة، والتأشيرة في نهاية المطاف هي الإذن المسبق بالدخول في تلك الدولة وما يتبع ذلك من إجراآت، وهي هنا نفس الإجاآت من غير أن يسميها أحد بتأشيرة الدخول، وعندما تدخل فيها تلاحظ رجال الأمن والشرطة، وشرطة المرور التي ترشد حركة مرور السيارات وأفراد الجيش المنتشرين في كل مكان بما يشعرك بالرهبة وهيبة الدولة وإنضباطها، كما إن الحكومة الصومالية لا تستطيع أن تعتقل أحدا من داخل منطقة حلني مهما كان مطلوبا لديها، اللهم الاّ ….،

الدولة الحقيقية في منطقة حلني هي الأمم المتحدة الممثل الشرعي والوحيد للمجتمع الدولي، وبعثة الإتحاد الإفريقي هي جيشها وقوتها التي تسهر لتوفير أقصى حماية ممكنة لها وتقدم لها جميع الخدمات التي تحتاج إليها وبالمقابل فإنها توفر التمويل اللازم مقابل حمايتها وخدمتها، وهي التي تتخذ القرارات الحقيقية في الصومالي، كما إنها تمول الحكومة الصومالية مقابل أن ترضى بالعيش في حالة برزخية بين الحياة والموت طالما أنها لا تستطيع الإستغناء عن جيش الإتحاد الإفريقي ليلة واحدة ولا عن مموله وعلى هذا يتضح بما لا يعد مجالا للشك أنه من المقرر أن يستمر الحال على ما هو عليه في الصومال إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى