معاً لنحافظ على البيئة!

الإنسان ابن البيئة، منها يستمد الحياة، وفيها يمارس نشاطاته، ويزاول حياته الطبيعية،ويمثل الإنسان أهم عنصر استهلاك لموارد البيئة ومنتجاتها، يستغلها ويخضعها لصالحه، وقد بدأ الإنسان ينصهر مع الطبيعة منذ أول وجوده على الأرض، حتى هذا الوقت الذي حدثت فيه طفرة في المجال العلمي والصناعي، وشهد تقدما ملموسا في كافة الأصعدة، فزادت معرفة الإنسان وتفاعله مع البيئة انطلاقا من أسس علمية مدروسة، والبيئة هي كل ما يحيط بالإنسان من موجودات، فالهواء الذي يتنفس فيها، والماء الذي يشربه، والأرض التي يمشي عليها ويغرس فيها البذور ثم يحصد منها المحاصيل إلى غير ذلك، كل هذا جزء من البيئة، وتعداد البشر في تزايد مستمر، وتكدس السكان في المعمورة أمر مشاهد، ([1])،فتعداد البشر اليوم “تجاوز  7000 مليون نسمة “[2] وهو في تزايد مستمرّ، وكل هؤلاء بحاجة ماسة إلى موارد الطبيعة، فهناك معادلة بسيطة، لا بد من التفطن إليها وهي أننا إذا عادينا البيئة عادتنا، والعكس صحيح، ولا بد أن يتصالح الإنسان مع البيئة، ويتآلف معها، ليستفيد منها وينجو من شررها الذي إذا تطاير يقضي عليه بالكامل، ويغرقه بالسيول والفيضانات، ويبيده بالأعاصيروالعواصف، وبالزلازل والهزات الأرضية، وثوران البراكين وحرائق الغابات – مثل ما يحدث في كندا حاليا- مما ينجم منه خسائر بشرية ومالية فادحة، وطريقة تعاملنا نحن الصوماليين مع البيئة تدق ناقوس الخطر، فيجب أن نحيط علما بأن الحفاظ على البيئة ورعايتها مسؤلية تقع على كاهل كل فرد على حدة، وهي واجب الجميع؛ لأن الكوارث الطبيعية الناتجة عن إهمالها أو معاداتها تهدد الجميع بدون استشناء.

قال ابن خلدون: ومما يراعي في ذلك للحماية من الآفات السماوية طيب الهواء للسلامة، فإن الهواء إذا كان راكدا خبيثا أو مجاورا للمياه الفاسدة أو لمناقع متعفنة أو لمروج خبيثة أسرع إليها العفن من مجاورتها، فأسرع المرض للحيوان الكائن لا محالة، وهذا مشاهد، والمدن التي لم يراع فيها طيب الهواء كثيرة الأمراض في الغالب.[3]

وهناك أزمتان تشكلان خطرا بيئيا بالنسبة للصومال وهما قطع الأشجار الذي يتكاثر يوما تلو آخر، مع عدم غرس أشجار أخرى مكانها، ودفن النفايات الكيماوية في شواطئ الصومال.

أوّلاً: قطع الأشجار

قطع الأشجار لأغراض التفحيم أو غيرها جريمة في حق الوطن؛ إذ يؤدي إلى التصحر وإلى شح المراعي والكلأ الذي يعتمد عليه جل اقتصاد البلد، وبما أن المجتمع الصومالي مجتمع رعوي يعول في تربية مواشيه على الأشجار  فإن لقطعها أضرارا كبيرة عليه، وآثارا سلبية كثيرة منها أن التصحر الذي ينجم من قطع الأشجار يقوي من احتمال حدوث الجفاف وقلة هطول الأمطار، وقد قامت الحكومة العسكرية الصومالية بخطوات مهمة في هذا الصدد، ونظّمت حملات لتوعية الناس بأهمية البيئة، وحثهم على غرس الأشجار، وصدر مرسوم رئاسي بتحديد يوم السابع عشر من أبريل من كل عام يوما وطنيًّا للتشجير، وكان لتلك الحكومة فضل كبير في إشاعة التشجير في المدن الكبيرة، إلا أن المؤسف أن قطاعات من التجار ارتبطت تجارتهم بتصدير الفحم النباتي، وأنّ الكثير من السكان الصوماليين يعتمدون على الفحم النباتي في الطبخ، مما يؤدّي إلى قطع الأشجار لغرض صناعة الفحم للاستهلاك المحلّي والتصدير الخارجي، في نفس الوقت الذي يقل فيه الإقبال على غرس بديل فاقد الأشجار، وخاصة بعد انهيار حكومة سياد بري، وقد أجرى خبراء من إنكلترا دراسة في عام 1989م تنبأت بخطورة كبيرة إذا استمر اعتماد الصوماليين على الفحم المصنوع من الخشب، عدا الكميات الكبيرة من الفحم النباتي التي يتم تصديرها إلى الخارج، وحسب آخر التقديرات الصادرة من الأمم المتحدة فإن إيرادات الفحم تمثل 20% من صادرات الصومال. وتتجه صادرات الفحم إلى دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة([4]).

وحول الجهود المبذولة للحدّ من هذه الكارثة ذكر الرئيس حسن شيخ محمود أن قطع الأشجار وتصديرها إلى الخارج جريمة في حق الوطن. ونبّه إلى أن هناك قوانين تحظر قطع الأشجار أصدرتها الدولة الصومالية بداية عام 1970م وهناك أيضا قرارات أصدرتها الأمم المتحدة عن الفحم النباتي وتصديرها لذلك لا بد من مراعاة هذه التشريعات.([5]). وذلك في كلمة له ألقاها في عام 2013م

وقد قامت إدارة بونتلاند وصومالي لاند بجهود لملاحقة مخرّبي البيئة عبر قطع الأشجار، وتم القبض على بعضهم.

وقد فرض مجلس الأمن الدولي حظراً على تصدير الفحم من الصومال في فبراير 2012م، حيث بلغ تصدير الفحم الصومالي وقتها ذروته بتصدير كميّات هائلة لا يمكن تصوّرها في موجة مسعورة لهذه التجارة غير المشروعة.

وقد سمحت إدارة جوبالاند التي سيطرت بدعم من القوات الكينية على مدينة كسمايو باستكمال تصدير الكميات الموجودة في المدينة والمعدّة للتصدير لحل المشكلة، مما كان مثار خلاف بينها وبين الحكومة الفيدرالية برئاسة حسن شيخ محمود،

والمؤسف أن قطع الأشجار وتصدير الفحم مع وجود الحظر الأممي والمحلّي لا زال مستمرا وخاصة في جنوب الصومال بشكل سري. وقد اتهم تقرير أممي سري في عام 2014م جنودا من القوات الكينية التابعة للبعثة الإفريقية في الصومال بتسهيل التصدير غير القانوني للفحم من مدينة كسمايو، وذكر التقرير:”أنّ من المرجح أن يؤدّي التصدير إلى تفاقم التوتر والنزاع حول المصالح الخاصة بالموارد بين العشائر، مما سيقود إلى نطاق الظروف المسببة للصراع”. ومما لا شك فيه أنه إذا استمر قطع الأشجار بهذه الوتيرة المتزايدة، فإن البلاد سيعمها التصحر وما يتبعه من جفاف للمراعي وشح في الأمطار، وما إلى ذلك من كوارث بيئية تتعذّر معها الحياة في البلاد.

لذا، تشتدّ الضرورة لبناء وعي المجتمع حيال أهمية البيئة وخاصة البيئة النباتية في حياة السكان سيما المجتمعات أو القطاعات الرعوية وما أكثرها.

وهناك جهود فردية من بعض الغيورين الحريصين على البيئة الواعين بأهمية الأشجار في الحياة تستحق التقدير والاقتداء بها، قاموا بشكل تطوعي بأعمال تشجير في بعض المدن، وأسس أحدهم حديقة عامة في مدينة هرجيسا في صوماللاند أسماها بحديقة “شركاء الحياة” لحث الزوجين في شهر العسل على غرس شجر فيها، والتعهد بإروائه ورعايته، وهذا عمل إبداعي يستحق الإشادة والاحتذاء به، ويشهد لصاحبه وحبذا لو تقوم المنظمات والشركات التجارية وإدارات الأقاليم بإيلاء قدر من الاهتمام بغرس الأشجار لتلافي التصحر، وقد شاهدت في قناة الجزيرة قبل أيام مسابقات عقدت في باكستان لأجمل حديقة منزلية بتشجيع من البلدية، لتزيين منظر المدينة، ونأمل من سلطاتنا أن يقفوا مثل هذه المواقف أسوة بغيرنا من الشعوب والأمم. للحفاظ على البيئة بشتى الطرق والوسائل المتاحة.

ثانياً: النفايات الكيمياوية

من أكثر ما يهدد البيئة ويسبب مشكلاتها الصناعة، فالنفايات والمخلفات تلوث الهواء والماء والتربة، فالطبيعة مهددة بالتلوث نتيجة الأنشطة البشرية، فكبرى العواصم في العالم تتعرض للضباب الدخاني والأمطار الحامضة والتلوث الإشعاعي،  ولذلك تحرص الدول المتطورة سيما الصناعية، على الحد من التلوث.

في الصومال بعد اندلاع الحروب الأهلية ونشوء الفوضى، وغياب المؤسسات الحكومية، ضاعت سيادة البلد، وصار مستباحا لكل من يقوده الطمع في نهب خيراته، وسلب ثرواته، وصار كذلك حقلا لتجارب الأدوية، وترويج العقاقير المزيفة أو المنتهية صلاحيتها، وأصبح كذلك مقبرة للنفايات الكيماوية والمخلفات السامة، التي تلقي بها الشركات والدول الصناعية الكبرى في شواطئها للتخلّص من عبئها وتجنيب بلادهم أضرارها، دون اكتراث لحيوات الآخرين ولا ضمير وازع، خاصة وأنّه لا توجد جهة مسؤولة عن المراقبة والمحاسبة وتقديم شكوى ضدّها في البلاد المدمّرة.

ذكرت دراسة نشرت في موقع(معهد مصابد البحرية) أن بعض السفن تفرغ شحنات المخلفات الخطرة في تلك المياه على بعد كيلو مترات قليلة من السواحل الصومالية تاركة المكان مهددا بخطر حقيقي قد يظهر في أي وقت([6]) وذكر الدكتور محمود جيلدون-المتخصص في الفيزياء الطبية بولاية جورجيا الأمريكية-:”أن الأمراض التي تحدثها المخلفات النووية المنتشرة في سواحل الصومال، تتمثل في الآتي:”نزيف مزمن يؤدي إلى الموت، آلام بطنية تسبب التقرحات في المعدة والأمعاء، إصابة النخاع الشوكي بأضرار خطيرة تؤدي إلى الموت خلال 3-10أيام، الاضطرابات العصبية الشديدة، الصدمات القليلة القاتلة خلال يومين أو ثلاثة، التقرحات الجلدية الخطيرة([7]).

و”تلوث الهواء تصنفه الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة للمنظمة كسبب لسرطان الرئة” ([8]) وأن 4،3 مليون حالة وفاة تقع كل سنة بسبب التعرض لتلوث الهواء المنزلي(في الداخل) وأن 3،7مليون حالة وفاة في السنة تعزى إلى تلوث الهواء المحيط (في الخارج) وهو ما يحمل المجتعات تكاليف مرتفعة ([9]).

وندعو في هذا الصدد كل فرد صومالي يتاح له أن يساهم في رصد السفن التي تفرغ هذه النفايات في مياهنا وأراضينا، وإعداد معلومات مدعومة بالوثائق، ليمكن ملاحقة الشركات والدول التي ترتكب هذه الجريمة قضائيا، والتشهير بها إعلاميا، وإلى تكوين مؤسسات تطوّعية للنهوض بهذا الواجب، حفاظاً على سيادة البلد، وإيذاناً بأن روح المواطنة مازالت حية وإن أصابها بعض الذبول، وهذا وحده مكسب لا يستهان به في ظلّ الظروف التي نعايشها، وإن وجد فينا من يعرض أجزاء من أرض الوطن بره وبحره للبيع ويتنازل عنه لمصلحته الخاصة، ويعقد الصفقات في سوق النخاسة، – وهذه وصمة عار في جبيننا- فإن هناك من يضحي بوقته وجهده وطاقته العلمية للحفاظ على أرض الوطن والذود عنها – وهذه بطولة محبّذ بها- وهم كثر بفضل الله، فلنشمر عن ساعد الجد ولنحافظ على البيئة بتكاتف وتعاون

المراجع

[1] – (التلوث مشكلة العصر(ص13) )

[2] – ويكيبيديا الموسوعة الحرّة. تعداد السكّان في العالم. على الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki/

[3] – (مقدمة ابن خلدون 2-10

[4] – الجزيرة.نت-جدل بشأن تصدير الفحم.

[5] -الصومال اليوم-حسن شيخ يعلن مرة أخرى حظر تصدير الفحم الصومالي.

[6] – http://www.almoslim.net/node/85622

[7] – http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=5839

[8] -جمعية الصحة العالمية الثامنة والستون-ص7

[9] -جمعية الصحة العالمية الثامنة والستون_ص7.

أحمد ولي شريف حسن

باحث صومالي مقيم في غاريسا-كينيا، مهتم بالشعر والكتابة
زر الذهاب إلى الأعلى