مخرجٌ من التطرّف

مشكلة عامّة لا تخصّنا وحدنا!

نواجه في العالم من حولنا، وفي مجتمعنا تصاعدًا شديدًا لوتيرة الغلوّ والتطرّف، والميل دون حياء إلى تأييد فئة خارجة على القانون، تعمل على تطبيق الشريعة بيدها، متسببة في صراعات مفيدة لأعداء هذه الأمة، مفسدة معايش المسلمين ومروّعة آمنيهم، ناهيك عن ما تقوم به الحركات التي تشملها مظلة التطرّف والغلو تلك، من أعمال موجّهة في قتلها وتدميرها لمسلمين مسالمين، لم يقفوا في وجهها أو يعلنوا مناهضتهم لمنهجها، خاصة أن تلك المنظمات والتنظيمات والحركات، اعتادت ممارسة الاغتيالات حتى ضد فئات من المجتمع لا تستخدم السلاح في مناقشتهم ومحاججتهم، وتوضيح فساد أسس توجههم، والكشف عن جرائمهم التي اعتادوا ارتكابها دون وازع من ضمير أودين، وقد غدى الدين مطية لهم للوصول إلى الحكم، والتسلط على رقاب الناس قبل وأثناء وبعد وصولهم إلى السلطة أو تحقق دحرهم وقطع دابرهم!

تحويل الانتباه!

ونحن في خضمّ ما تقوم به حركات وتنظيمات تقول بأنّها في مسلكها “تتبع منهاج السلف” على الفهم السنّي للنص والعقيدة، فإننا ونحن “السنة” نفتقد من يواجه أولئك ويكشف زيف ادّعاءاتهم، وغلوّهم الذي بلغ في سلوكه، مبلغ كل ما يستحقون عليهم باعتبارهم محاربين لله ورسوله: “وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل”، وناهيك عن كونهم حالة تمرّد أبديٌّ لا يُرى لها هدفٌ سوى إسقاط الدول، وتدمير الممتلكات نحو تحقيق رؤوسها هدفهم الرئيسي القائم على التدمير الكلي، للوصول إلى القدرة على البناء الصحيح، في سلوك نظير لجماعات الفوضويين الـ”أناركيين”، ثم نجد من يحاول أن يحوّل الاهتمام بالخطر المحدق بنا، والضرر القائم علينا نحو اتجاهات مدهشة في غرائبية، لا تمت لواقعنا بصلة سوى من خلال الحملات الإعلامية المأجورة، الساعية لتبرير ما يتم ضخه من تمويل لجهات معينة!

كالمعتاد!
في الوقت الذي نجد منظري الجماعات المتطرّفة ومؤيديهم يعيشون بيننا في أمان، متوقعين أن يقدموا في لحظة ما بمساهمة، تؤدي لمقتل العشرات بعبوة ناسفة أو عملية انتحارية، فإننا نجد المنابر ووسائل الإعلام، تشغل الناس بحملات إعلامية لا تفارق عنصرين أو جهتين، هما من البعد والضعف وقلة التأثير، بحيث يكاد المراقب يعتقد أن ذلك “البعد والضعف وقلة التأثير”، هو السبب الرئيسي الذي يسوّل لمن يقومون بتلك الحملات القيام بها، فلا أثر بالفعل لتلك الفئات أو الجهات يُخشى أثره أو ضرره، كالزوابع التي يتم إثارتها حول الجهود الإيرانية في نشر التشيّع، أو الحملات التي يقوم بها البعض في تسقّط أخطاء شخصيات لها باع في الكتابة والأدب!

سفاهة الادعاءات مبررة!

إننا حين نشهد وعّاظًا منتفخي الأوداج، يرفعون عقيرتهم بأقذع الصفات لأناس غائبين عن الأرض التي تحت أقدامنا، أضعف أثرًا على مجتمعنا من النملة على ظهر فيل، لأن في ذلك استمرارًا في تدفّق منافع وموارد، في حين تراهم يرتبكون ويتصببون عرقًا إن واجهتهم بمسائل، من غير الآمن ـ في نظرهم ـ الحديث عنها، تعرف أن الدافع ليس الدين ولا الله ولا رسوله، بل إنّ أولئك الصخابين ذوو مآرب أخرى!

خلاصة القول:

إنّ من يعجز عن القول بـ”تكفير حركة الشباب” وأضرابهم من “القاعدة” و”النصرة” و”داعش”..
لأدعى الناس بأن يخفض صوته في تأجيجه لتكفير أفراد أوطائفة من الناس، تقول بأن “لاإله إلا الله محمد رسول” و”تصلي للقبلة”، أو لا تخرج في دعواها عن معلوم من الدين بالضرورة، أو أركان الإسلام والإيمان والعقيدة الإسلامية في أسسها وتوحيدها!

وبخصوص من يصنّفون بأنّهم “كفّار” في النص الشرع أصلًا، ما يضيرهم كفرهم هذا؟! هل يبيح لنا أن نمتلئ بالكره ضدّهم ونلعنهم ونشحن صدور غوغائنا وجهلتنا ضدّهم؟! إنّنا مُطالبون بأن تكون الأولوية للأقرب لنا دينًا، ومأمورون بأن نصاحب بعضهم في الدنيا معروفًا، لقد كان واضحًا في قوله تعالى : “فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله” .. وهو الصلح والعدل! أي أننا مطالبون بقتال “الآبقين” من المسلمين سواءًا كانوا من طائفتنا، أو طائفة سواها، و”الآبقين” من غير المسلمين كذلك، وأنا أعني بـ”الآبق” من يستخدم قوته وجبروته في ظلم من هو أضعف منه!

نحن مأمورون أن لا نجاهد إلّا تحت راية ولي أمر مسلم، ولولاية الأمر ضوابط وشروط، لا تجتمع في حاكم لبلد سكانه مسلمون، فهل هناك من يمكنه أن يدلّنا على أقربهم لولاية الأمر التي تجعل المقاتل منّا يُقاتِل دون أن يرتكب تجاوزًا قد يلقي به في جهنّم؟!

آخرًا:
إننا نرى من ما يجري من إثارة الناس على الناس، وتحميل الأمور ما لا تحتمل، وتضليل الغوغاء والبسطاء والجهلاء، وشحن العوام والسوقة، والاستثمار في الشعور بالإحباط، وتعميق أزمات المجتمعات، وتحويل الأوطان لمقابر للأحلام، منفّرة طاردة لأبنائها، واستغلال المصابين بالأمراض النفسية نتيجة للصدمات الحضارية والشعور العميق بالذنب والإحباط، وإنني على يقين أن سيئات ذلك وسلبياته كلها ستنقلب على من يتاجر بها، فقد تفجّره وتحرقه وتفكك حكمه وتحيل البلاد التي تحت سلطانه إلى جحيم مستعر، يغرق معها بعده أهل بلاده تلك في موجات متلاحقة من الفتن والمذابح، ونسأل الله السلامة!

واعلموا..
أننا حين نكره معرضون كذلك للكراهية، كردّ فعل.

وأننا حين نلعن معرضون للعن كذلك.. كردّ فعل.

وحين نبقي المجرمين تحت مظلتنا أيًا كانت تلك المظلة، وطنًا أو قبيلة أو منطقة أو طائفة، ونحن نجرّم ونناوئ ونكفّر سواها، فنحن كذلك موصومون بالإجرام كله ومعرضون للتكفير والإخراج من الملة!

وأن من يدّعي أنّه لله أقرب، أو يتعالى على النّاس في سلوكه المنفّر، لأنه يظن أن قراءته للدين أفضل، حاله حال إبليس في قياسه “أنا خير منه”!.

محمود محمد حسن عبدي

زر الذهاب إلى الأعلى