قراءة حول البيان الختامي لشيوخ العشائر الصُومالية

لتحميل الملف أنقر على: البيان الختامي لشيوخ العشائرpdf

المقدمة:

انتهت يوم الخميس الماضي فعاليات المؤتمر التشاوري لزعماء القبائل والعشائر الصومالية الذي عقد بمدينة قرطو بولاية بونت لاند الصومالية والذي استضافه  الملك برهان بقر موسى – ملك عشائر الدارود الصومالية-، وأكد المشاركون في الاجتماع على تمسكهم بتعزيز الأمن واستقرار المجتمع الصومالي ورفضهم الكامل لكل ما يؤدي للتفرقة والعنف.

أهمية المؤتمر:

يعد هذا المؤتمر الأول من نوعه منذ عقود لاعتبارات كثيرة منها:
الحضور والمشاركون:  حيث شارك في المؤتمر ما يقارب 120 زعيما وشيخا من مختلف القبائل والعشائر الصومالية في أغلب مناطق القرن الإفريقي، إلى جانب شخصيات أدبية ووطنية شهيرة، مثل الأديب والمؤرخ أحمد فارح (Idaaja)، والشاعر محمود عبد الله (Sungub)، وقد افتتحه رئيس بونت لاند السيد عبد الولي محمد علي جاس بحضور عدد من أعضاء حكومته، ونواب من البرلمان
طبيعة المحاور التي ركز عليها المؤتمر:

سلط المؤتمر الضوء على عدة قضايا مهمة منها السلام ونزع فتيل الأزمات، وتشجيع الحوار والمصالحة، وهي قضايا تهم المجتمع الصومالي ككل وتمس هويته ووجوده في هذه الأوقات العصيبة التى تمر بها البلاد.

الظروف الزمنية : تزامن عقد المؤتمر في ظل استحقاقات وطنية هامة، حيث أن الصومال مقبلة على انتخابات برلمانية ورئايسة في الشهور القادمة، وكذلك يأتى المؤتمر في ظل وجود واستمرار الصراعات الأهلية والكوارث الإنسانية في بعض المناطق الأخرى.

وفيما يلي نص البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر والمكوّن من 11 بندا على النحو التالي:

  1. أكّد المؤتمر التشاورى لزعماء ووجهاء العشائر الصومالية نهاية (الحرب الأهلية)، مع وجود عدد من المناطق القليلة التي تستمر فيها النزاعات التي تحتاج إلى وقف فورى.
  2. شيوخ العشائر هم قادة الشعب الصومالي أينما كانوا، وهم زعماء تاريخيون لايسقطون ، ويجب عليهم قيادة الأمة بالعدالة والمساواة، نحو إرساء السلام والوحدة.
  3. على زعماء العشائر أن يتوحّدوا تحت ظل الشريعة الإسلامية، و أن يؤسسوا ملتقى يجمعهم.
  4. على زعماء العشائر أن يؤسسوا رابطة تجمعهم وتسهل لهم تنفيذ و تحقيق المهام الموكلة لهم بشكل شفاف ونزيه.
  5. يقوم الشيوخ ووجهاء العشائر بتنفيذ مهامهم وفق الشريعة الإسلامية وبمساعدة علماء الدين.
  6. كانت العصبية القبلية وانتشارها في المجتمع الصومالي سببا لانهيار الدولة الصومالية؛ ولذا نحث الجميع على نبذ العصبية القبلية، والالتزام بتعاليم الإسلام كي نفوز في الدنيا والآخرة.
  7. يناشد زعماء العشائر جميع الصوماليين السلام، فالسلام مفتاح حياة ووجود الأمة؛ لذا علينا أن نتوحد في تحقيق الأمن والاستقرار.
  8. نناشد بإقامة العدل لتحقيق المساواة والوحدة للجميع.
  9. نناشد جميع الصوماليين بمحاربة الأزمات والكوارث التى تنهش جسد المجمتع كالهجرة غير الشرعية، والصيد غير الشرعي، والتصحر والمخدرات.
  10. ندعو المجتمع الدولي إلى مساعدة الحكومة الصّوماليّة في حماية مواردها البحرية والبريّة.
  11. زعماء العشائر يشكرون المجتمع الدولي على دوره الفعال في إعادة وإحياء السيادة الصومالية، وما قدمه من مساعدات إنسانية، ويشدّدون على استمرار دعمهم حتى تتحقق الأهداف. (1)

وفي قراءتنا لهذه البنود التي نص عليها البيان الختامي للمؤتمر ومتابعتنا لفعالياته وترتيبه وتنظيمه نلاحظ قوة تفاعل الإسلاميين ومشاركتهم في المؤتمر واستحواذهم على تنظيمه بسبب قوة الارتباطات العائلية بين الملك برهان (بقر برهان) وبعض الشيوخ والدعاة في المنطقة، وكان لذلك أثر إيجابي في إقرار بنود مهمة تربط المنظومة العشائرية بهوية الأمة وهذا حدث معنوي في غاية الأهمية، وقد وردت مفاهيم الالتزام بتعاليم الإسلام وبالشريعة الإسلامية والتوحد فيها، في البند الثالث والخامس والسادس، وأشارت إليها بنود أخرى.

كما نجح بعض الدعاة في تقرير دورالعلماء كطرف مساعد في تنفيذ المهام الموكلة لزعماء العشائر.

ومن أهم المخرجات التى خرجت عن المؤتمر ما يلي:

  • طي صفحة الماضي

تصدرت أعمال المؤتمر العديد من القضايا المهمة التي تناولها الزعماء بالنقاش والتي وردت أيضا في البيان الختامي، وبرزت قضية السلام بشكل محورى؛ حيث أكد المشاركون في المؤتمرعلى نهاية الحروب الأهلية مع الاعتراف بوجود مناطق ملتهبة بالصراعات العشائرية،  كما شددوا على أهمية دور السلاطين ووجهاء القبائل في تحقيق الأمن والاستقرار وتعزيز السلام في البلاد، ودفع عملية التصالح بين فئات المجتمع الصومالي.

وبرأيي فإن إعلان انتهاء الحرب الأهلية في الصومال له رمزية معنوية فقط، وليست قضية ذات أثر كبير على بلد مشبع ببؤر الخلاف والفتن العشائريّة، والصّراعات السياسية التي تتطور أحيانا إلى مواجهات عسكرية، مالم تتحول إلي برامج عملية يعمل بها شيوخ العشائر على تحقيق المصالحة المجتمعية وتسوية الخلافات العشائرية.

  • جسر للتواصل والحوار

كان المؤتمر جسرا للتواصل بين أبناء الوطن، وكسر حدة الجفوة التى أعقبت الحروب الأهلية، إذ التقى في قاعة المؤتمر أغلب زعماء العشائر الصومالية التى لطالما فرقتهم العصبية القبلية والحروب الأهلية التى استمرت ما يربو على عقدين من الزمن، وهذه نقلة نوعية نحو مزيد من الوئام بين أبناء البلد الواحد، وإشاعة روح التسامح ونبذ العنف والكراهية بغية الوصول إلي مصالحة حقيقية بين القبائل الصّوماليّة في المستقبل القريب.

  • مناورة سياسية:

ورد في الفقرة الثانية من البيان الختامي للمؤتمرأن زعماء القبائل (هم قادة الشعب الصومالي أينما كانوا، وهم زعماء تاريخيون لا يسقطون) ما يوحي بأنها مناورة سياسية لتثبيت موقعهم ونفوذهم وتأثيرهم في ظل التطورات السياسية المقبله، علما بأنّ مخرجات المنتدى التشاوري للقيادة الوطنية أعطت زعماء العشائر سلطة ترشيح النواب وتزكيتهم كمرحلة مهمة من مراحل اختيارالنواب.

ويرى  بعض المراقبين أن التوسع في دخول متاهات العمل السياسي ستكون على حساب هيبة ومكانة شيوخ العشائر في الاجتماعات، لاختلاف المصالح السياسية بين المجتمع وتضاربها.

  • تأكيد الهوية الإسلامية للصومال

أكّد المؤتمرون في بيانهم الختاميّ تمسكهم بالشريعة الإسلامية كمرجعية لعملهم، وهذا يدل على انحيازهم الكامل لهوية المجتمع. فمن الشريعة الإسلامية يستمد المجتمع الصومالي قيمه وأفكاره، ولقيم الإسلام ومبادئه دور أساسي في حياة المجتمع الصومالي.

ويحتاج هذا الإقرار الرمزي أن يتحول إلى مشروع وواقع في حياة المجتمع، وهذه هي مسؤولية كل فرد قادر على المساهمة في صبغ المجتمع بقيم الإسلام لإحداث نقلة نوعيّة تحاصر فتن الصراع والتناحر والتحاسد.

  • تحويل المنظومة إلى مؤسسة:

دعا المؤتمرون إلى تشكيل رابطة تنسق العمل بين شيوخ العشائر، وهذه نقلة نوعية في طريقة عمل منظومة شيوخ العشائر المبعثرة، وهي آلية ذات حدين، فمن جانب لها رمزية وحدوية لعشائر الصومال يمكن أن تسهم في الاستقرار والأمن، ومن جانب آخر يمكن أن تتحول إلى أدة ضغط تقوض جهود بناء دولة قوية.

المنظومة التقليدية بين الإستقلال والتدخل الأجنبي:

من حيث المبادرة والتنظيم والإجتماع أظهر زعماء العشائر قدرتهم على الحوار والتفاهم بينهم بعكس الصورة النمطية الموجودة في أورقة الساسة، حيث يبرز العنصر الأجنبي دائما في كل اجتماع، إلا أن حضور مندوب مكتب الأمم المتحدة في الصومال إلى المؤتمر التشاوري، وتلقي المنظمين للمؤتمر مساهمة مالية من UNSOM ومناشدة زعماء العشائر للمجتمع الدولي في بيانهم الختامي أفسد هذه الصورة الاستثنائية المتوقعة، و جعل مسألة استقلال القرارالصومالي محل شك إلى حدّ بعيد حتى على مستوي السلطة التقليدية المعنوية، فحضورالعنصرالأجنبي في كل شأن داخلي للصومالي يثير حفيظة الغيورين ويزرع الشك والإحباط في أوساط المجتمع الصومالي.

المراجع:

 

محمد سعيد فارح

مدير مركز النجوم للتديب والبحوث في سناج
زر الذهاب إلى الأعلى