صراع الأجنحة العسكرية في بونت لاند

فى الوقت الذى لم تزل ولاية بونت لاند تعيش في نشوة انتصاراتها على قوات حركة الشّباب التي هاجمت على بعض مناطقها قبل شهر ونصف، يستيقظ سكان بونت لاند على وقع الرّصاص وأزيزه ليس الشّباب طرفا فيه هذه المرّة وانّما كبار الشّلّة يتناحرون فيما بينهم، لقد ائتمنو على قيادة دفّة الأمن واذا بهم يتصارعون كالثّيران المتوحّشة ويوقعون الاصابات فيما بينهم بين قتيل فيما هو أقرب الى مشهد تدريب ميدانى على طرق استخدام الذّخائر الحيّة.

الاصطدام وقع بين اثنين من أبرز رجالات الرئيس الراحل عبد اللّه يوسف وأشدّ الموالين له فى حياته فكانا نجمين لامعين فى سماء المرحوم ، ولزما معه فى الحلّ والتّرحال بدء من غرووى حيث كانت نقطة انطلاق العقيد يوسف قبل أن يحطّ الرّحال الى جوهر مرورا ببيداوة وانتهاء بفيلا صوماليا فى مقديشو.

كان المرحوم عبد الله يوسف يبادلهما ثقة عمياء لكنّه وظل يدفع من رصيده ثمن تجاوزاتهما على الضّباط الآخرين خصوصا خلال عملهما فى مقديشو حيث كانا مسؤولين عن العديد من المداهمات والإعتقالات نفذتها القوات الصومالية في مقديشو آنذاك  والتي أثرا بشكل سلبي على سمعة ومكانة الرئيس الراحل عبد الله يوسف في قلوب الصوماليين.

التّعتيم الاعلامى الّتى فرضته الولاية على طبيعة المواجهات بين قوات من إدارة بونت لاند  لايعكس فقط هول الصّدمة وجسامة الحدث وانّما يوحى ايضا خشية السّلطة من أن تتسرّب تفاصيل القصّة بمعطياتها الى عامّة الشّعب ومن ثمّ أن يؤدّى ذلك الى الكشف عن خيوط المشكلة وجذورها وما يعنيه ذالك من انفراط العقد.

طرفا النّزاع:

أوّلهما:عبد الرزاق محمود يوسف أفغدود ويشغل عددا من أهمّ المناصب  العسكرية في بونت لاند، أبرزها:

  • قائد قسم شرطة اقليم برى لولاية بونت لاند1999-2001
  • قائد الفرقة الأولى للقوّات المسلحة المتمركزة فى جوبا السّفلى 2006-2007 وأقيل بعد أن تسبّب بهزيمة الجيش هناك اثر مواجهات مسلّحة تطغى عليها صبغة العشائريّة انتهت باخراجه من المدينة
  • قائد رئيس الشرطة البونتلادية حاليّا ، تم تعينه لهذا المنصب نهاية العام الماضى

أما عثمان عوكى افدلو ، فشغل مناصب عسكرية مهمة من بينها:

  • قائد حرس ميناء بوصاصو2003-2005
  • أحد الضبّاط الأمنين فى مقديشو ( من غير منصب معيّن) وكان يقوم بعمليّات الملاحقة لعناصر المقاومة التي كانت تقاتل ضد القوات الإثيوبية خلال فترة  حكم الرئيس عبد الله يوسف ولفرط الانتهاكات التي ارتكبها اضطرّ الرئيس لنفيه من مقديشو ويقال أنه أمر اللّواء عدى موسى رئيس الولاية آنذاك بايداعه السّجن غير أنّ الأخير لم يقبل هذا التوجيه وخلى سبيله.
  • قائد قسم شرطة اقليم برى ولاية بونت لاند2009- 2014 وخلال تلك الفترة شن عوكي افدلو عمليات اعتقالات عشوائية كانت تظهر فيها بصمات الابتزاز ، وأتهم -رغم صعوبة الاثبات وغياب آليات القضاء الكفؤ- بقتل قائد عمليات غلغلة ضدّ الشّباب جامع سعيد ورسمة “افغدود” وتصفية ضباط آخرين.  ومع تصاعد موجات الغضب والاحتجاج الشّعبى ضده قام عبد الولى غاس باقالته شهر فبراير 2014 غير أنه قام بتعيينه مؤخّرا على رأس جهاز “برمد” الّذى يساوى ( الشرطة العسكريّة) فى الولاية.
  • من عام 2015- لحدّ الآن يشغل افدلو قائد البرمد “الشرطة العسكريّة”

الكثيرون يتناقلون بعض الشائعات عن افدلو حيث تذهب بعض الرّوايات أنّ الرّجل على علاقة بحركة الشّباب وأنّه يمدّهم بالمعلومات علما بأنّ أصحاب هذا الرّأى يستدلّون فى ذلك استبعاده عن المشاركة فى الحرب الأخيرة ضدّ الشّباب رغم أنّه كان يتزعّم احدى الفرق المشاركة فى العمليّة (برمد).

من هنا نتسائل لماذا لا تتمّ محاكمة الرّجل او حتّى مسائلته عن هذه التّهم الّتى تتردّ على مسامع الجميع ولماذا لم يجرؤ الرّئيس غاس بإعفائه من منصبه على الأقلّ؟ أم أنّه يخاف من أن يكون لذلك تبعات من شأنها أن تهزّ أركان نطامه “الهشّ”؟ وهو ما يعتقده الكثيرون، فى حين يرى آخرون أنّ الرّئيس يحاول تهدئة الوضع تفاديا لانشقاقات فى صفوف الجيش والأمن على غرار ار انشقاق محي الدين غعمى العام الماضى.

بداية هذا الشّهر اتّصل بافدلو وزير أمن الولاية قرجب وأخبره بأنّه بصدد احصاء الجيش بحوزته و أنّه سيطمئنّ على أمورهم على امل أن يتمّ ذالك يوم الخميس.

فى الصّباح التالي وقبل الانطلاق حاول الوزير الاتّصال به لتذكيره بالموعد لكنّه ومع عديد من المحاولات لم يرد. وعلى الرّغم من ذلك فانّ موكب الوزير  برفقة القائد العام لشرطة الولاية “افغدود” واصل المشوار كما كان مخططا.

ولدى وصولهم لمقرّ قيادة الشرطة العسكرية “برمد” استقبلهم بعض الضّباط فى غياب العقيد افدلو وبينما هم بصدد توجيه بعض الخطب والكلمات للكتيبة الموجودة دخل القائد افدلو محمرّ الوجنتين يستشيط غضبا وفى حين غرّة هال يوجه لكمات فى وجه القائد افغدود حتّى طرحه أرضا.

من هنا أطلقت حراسة الأخير بعض الطلقات ربّما لاسعاف قائدهم فى تلك الحالة لفكّ العراك لتتطوّر بعدها الى معركة مفتوحة تتحرّر فيها الزّناد من الأصبع وجرح فيها وزير الأمن نفسه بينما توفّى الضّابط “على حن” نائب رئيس قوّات البرمد متأثّرا بجراحه فى حين سقطت ستة آخرين جرحى، جروح بعضهم خطيرة.

تشير بعض المعلومات الى أنّ ادارة الولاية كانت تعتزم اجراء ما تسمّيه بتغييرات جذريّة فى المؤسّسات الأمنيّة بما يتماشى مع حجم المتغيّرات الأمنيّة، من هنا فانّ البعض يرى تفقّد الوضع الميدانى للوزير عبدى حرسى قرجب بمثابة البحث عن القرائن تمهيدا لإسقاط افدلو.

لذلك فانّ عراك الطّرفين عبارة عن مسرحيّة لم تكتمل فصولها، لكنّها كشقت أمرين هامّين:

  • رعونة غاس وتخبّطه السّياسيّ فلم تصدر له ردّة فعل حتّى الآن هذا الأمر يستوجب القيام بخطوات حازمة بشأنه بما يكفل تمثيل المجرمين أمام العدالة وأىّ تقاعس بشأن ذالك يؤدّى الى استفحال الأزمة وربّما تلهم مجرمين آخرين ليرتكبو أعمالا مماثلة مخلّة بالأمن. 
  • أنّ الأمن النسبىّ للولاية وتمكّنها من سحق المليشيات الارهابيّة لم يأتى نتيجة لكفاءة الجهاز الأمنى كتنظيم كما تحاول ادارة غاس تصويره وانّما يعود الفضل للوعى العام الشّعبى

لذلك فانّ الوقت حان لاعادة هيكلة جيش وقوّات أمن منضبطين يتحلّون بالمهنيّة قادرون على ضبط النّظام وبسط الاستقرار.

                                                                             

زر الذهاب إلى الأعلى