صدى الاسبوع: قراءة حول إقالة رئيس المحكمة العليا

لتحميل الملف أنقر على: صدى-الأسبوع2-1

أثار قرار رئيس الجمهورية بإقالة رئيس المحكمة العليا عن منصبه ردود أفعال متباينة،استبشر بعض السياسين بهذا القرار واصفين إياه بالجريء والصائب رغم تأخره، لأن هذا القرار –حسب وصفهم- خطوة إيجابية تمهد الطريق لإعادة هيكلة المؤسسات القضائية المترهّلة في البلاد،ثمّ إن إعفاء رئيس المحكمة العليا تأتي استجابة لمطالب الشعب الصومالي الذي ذاق مرارة الظلم والفساد والمحسوبية.

في حين أدان سياسيون آخرون ونواب في مجلس الشعب، وقانونيّون تلك الخطوة، ووصفوا قرار الرئيس بأنّه قرار سياسيٌّ بامتياز، ولايخدم –حسب رأيهم- المصلحة العليا للبلاد بقدرما يخدم أجندات سياسية- انتخابية بحتة، وبين هؤلاء وأولئك شريحة كبيرة من المجتمع بعيدًا عن المنظور السياسي والمصلحي أبدت رأيها في الموضوع بالإيجاب، ورأت القرار صائباً جاء في الوقت المناسب.

وعلى كلّ حال هناك تساؤل يثيره القرار يتعلق بأبرز تأثيرات هذا القرار على الانتخابات المقبلة؟ ومن المستفيد من هذا القرار؟ وهذا ما سنحاول الوصول إلى الإجابة عنه في هذا الإصدار من صدى الأسبوع.

أسباب إقالة رئيس المحكمة العليا

لم يكن قرار إقالة رئيس المحكمة العليا مفاجئًا بالنسبة لكثير من المتابعين للشأن الداخلي في البلاد، فإقالة رجل طاعن في السن لايتمتع بسمعة طيبة لدى المواطنين نظراً لشبه الفساد التي حامت حوله، وله اتجاهات لا تتماشي مع متطلبات المرحلة الراهنة ليس مستغربا، بل إبقاؤه في هذا المنصب طيلة كلّ هذه الفترة هو المستغرب، لكن ماهي الأسباب المعلنة حتى الآن لإقالته عن منصبه؟

هناك عدة عوامل أدت الى إقالة رئيس المحكمة العليا من منصبه في هذا التوقيت. وأولى تلك العوامل:

1- تقدمه في السن حيث يبلغ رئيس المحكمة المقال من العمر81 عاما، بينما لايسمح الدستور الحالي للبلاد أن يتولى رئاسة المحكمة العليا من هو فوق سن 65، وهذا العامل مشار إليه في مرسوم الإقالة الذي أصدره رئيس الجمهورية في الرابع من مايو الجارى.

2- الفساد الإداري والقضائي المستشرى الذي طال جميع المؤسسات القضائية في البلاد، وقد أشار رئيس الجمهورية في كلمته بمناسبة إقالة المحامي عيديد إلكحنف وتعيين الدكتور ابراهيم إيدلى سليمان خلفاً له،حيث قال “إن إقالة رئيس المحكمة يأتي استجابة لمطالب الشعب الصومالي الذي عانى من فساد إداري يطال جميع المؤسسات القضائية نتيجة لعدم الالتزام بقوانين العدالة”.

يضاف إلى ذلك كان المستشار عيديد ممن يشار اليه بأصابع الاتهام في تورطهم في قضايا الفساد بدرجة أنه كان محل تندر الكثيرين من مرتادى منتديات التواصل الاجتماعي،مما أضرّ كثيرا بسمعة القضاء الصومالي.

3-الخلافات المتكررة بينه وبين رئاسة الجمهورية: وقد بدأت بوادر تلك الخلافات تطفوا إلى السطح بعد إقالة رئيس الجمهورية أعضاء لجنة خدمة العدالة في العام الماضي، حيث وصف عيديد الكاحنف تلك الخطوة بغير الدستورية، مما أثار حفيظة الرئيس وأنصاره الذين اعتبروا تلك التصريحات استفزازية، ومنذ ذلك التاريخ لم تكن  علاقة رئيس المحكمة العليا بالرئاسة علاقة ودّ ومحبّة، بل كانت يشوبها التنافر والقطيعة، يضاف إلى ذلك المواقف السياسية المتشنجة لرئيس المحكمة العليا تجاه القضايا السياسية الراهنة. وعلى الرغم من استقلالية المحكمة العليا كما ينص عليه دستور البلاد فإنّ تقارب الرؤى بين رئيسها ومؤسسات الدّولة الأخرى ضرورة أساسية في بلد كالصومال خارج لتوّه من الحرب الأهلية، بيد أن مواقف رئيس المحكمة العليا المغايرة لاتجاه سياسة الرئيس، وتجازاته المتكررة للدستور هي من أهم العوامل المؤدية إلى إقالته.

كان الشعب الصومالي متذمرا وغير راض عن مجرى العدالة في المحاكم المدنية في البلاد، ولذا أبدى ارتياحه للإجرات الأخيرة التي اتخذها رئيس الجمهورية.

جدل حول دستورية الإقالة

هناك جدل آخر يدور حول دستوريّة إقالة رئيس الجمهورية رئيس المحكمة العليا عن منصبه، فحواه أن المحكمة العليا في البلاد هي أعلى مؤسسة قضائية، وهي إحدى المكونات الأساسيّة للدولة، وفقا لمبدأْ فصل السلطات الذي ينص عليه دستور البلاد. وبما أن المحكمة العليا كيان مستقلّ ماهي المسوّغات الدستورية والقانونية التي تمنح رئيس الجمهورية حقّ إعفاء رئيس المحكمة العليا عن منصبه، ومن الواضح كذلك أن المجلس الأعلى للبرلمان(مجلس الشيوخ) هو الجهة المخولة لتشكيل لجنة العدالة التي يكون من بين اختصاصاتها إقالة القضاة، كما وأن مجلس الشيوخ هو المسؤول عن المصادقة على رؤساء المحاكم الذين يعينهم الرئيس كما هو موضح في البند السابع والعشرين من الدستور.

وعلى الجانب الآخر مع المدافعين عن قرار رئيس الجمهورية أدلة وبراهين لا تقلّ قوّة بل ربما هي أقوى من أدلة الفريق الذي يدين ذلك القرار منها أن مجلس الشيوخ لم يشكل بعد، فلايعقل تعليق المصالح الآنية التي تملىيها الظروف الوطنية، خاصة وأن رئيس المحكمة العليا تجاوز السن القانوني لشغل هذا المنصب الحسّاس في هذا الظرف العصيب، إضافة إلى الفساد الإداري والقضائي الذي تعانى منه محاكم البلاد، لذا كان لزاما على الرئيس إيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلات المتراكمة، حيث تحرك وفق المسؤولية الدستورية والقانونية والأخلاقية.

المستشار عيديد يودع المكتب دون زوبعة

من ناحيته أدان المستشار عيديد قرار إقالته عن منصبه، وأبدى امتعاضعه الشديد من كيفية إعفائه، حيث لم يتم إخطاره بالقرار قبل اتّخاذه – حسب قوله –  مضيفاً أنه لم يخطر بنبأ إقالته قبل أن يسمعه من وسائل الإعلام، لكنه في نهاية الأمر أذعن للمرسوم الرئاسي وسلّم رئاسة المحكمة لخلفه الدكتور إبراهيم سليمان إيدلى والذي كان المدعي العام لصومالاند الكيان الذي أعلن انفصاله من طرف واحد، ولم يحظ باعتراف المجتمع الدّولي حتى الآن.

وعلى الرغم من محاولة بعض السياسين الاستفادة من امتعاض رئيس المحكمة العليا وتشكيكه في  دستورية إقالته ومحاولتهم استثمار تلك التصريحات لمصالحهم وإثارة زوبعة سياسية من خلال طرح الموضوع في  جلسات مجلس النواب الفيدرالي، إلاأن موافقته على تسليم المنصب للرئيس الجديد دون اللجوء الى أساليب الممانعة والمراوغة قطعت الطريق أمام خططهم.

وهكذا غادر المستشار عيديد إلكاحنف المحكمة العليا أحد أهمّ أركان الدّولة مثقلا كاهلها بالفساد الإداري والقضائي بعد أربع سنوات من تربعه على كرسيّها تاركا وراءه إرثا ثقيلا وملفات عالقة ومتراكمة ظلت حبيسة الأدراج خلال تلك الفترة، ويشكل التعامل معها وتوجيهها تحدّيًا ينتظر الرئيس الجديد، ليس بالسهل كما يتصوره ويتطلّع إليه أصحاب تلك القضايا ممن أتعبتهم مراجعة تلك الملفات أمام المحاكم رجاء الوصول إلى نتيجة البت النّهائي في شأنها، ومعظم تلك الملفات تتعلق بالأملاك العقارية من المنازل والأراضي.. 

من المستفيد من هذا  القرار

الشعب الصومالي هو المستفيد الأوّل من هذا القرار إذاما نظرنا إلى المسألة من منظور إجرائي إداري بحت، وقلنا إن القرار جاء استجابة لمطالب الشعب المتضرر بسبب غياب العدالة، وانتشار الفساد والمحسوبية في المؤسسات القضائية في البلاد عموما، وهذا صحيح الى حد ما بحيث ان التغير كان مطلوبا، لكننا إذا أمعنّا النظر في المشهد السياسي الصومالي المعقد وما يصاحبه من زجّ كل مؤسسات الدولة في مجال السياسة أو انخراطها هي طواعية في هذا المجال  بمحض إرادتها، ندرك تماما أن المستفيد من هذا القرار مجموعة سياسية فاعلة كان رئيس المحكمة العليا يشكل عقبة أمام مشروعها السياسي أو طموحاتها نحو السلطة بحكم موقعه الحسّاس،ومواقفه السياسية المتعنتة منها.

وأخيراً؛ أعداء المستشار عيديد، وماأكثرهم! هم أيضاً في عداد المستفيدين من قرار إقالته سواء كانوا سياسين أو نوابا في البرلمان الفدرالي أو قضاة أوموظفين في سلك القضاء، والخاسر المغبون في هذا القرارا سياسيون ونواب في البرلمان الفدرلي كانوا يراهنون على وجوده في رئاسة المحكمة العليا، والقضاة المحسوبون عليه، إضافة إلى كل الفاسدين في المواقع الإدارية والمالية والقضائية.

تأثيراتها المُحتملة على الانتخابات

من بين دعاوى المحتجين على قرار إقالة عيديد أنّ القرار سياسي يخدم أجندات سياسية انتخابيّة، قد يكون معهم بعض الحقّ في أنّ القرار يخدم أجندات انتخابية، بغضّ النظر عن أنّ هذا فقط كان كلّ الهدف من وراء قرار الإقامة كما يريد أن يصوره المحتجون، وسواء كان مقصودا أم غير مقصود فإنّ من الممكن أن يكون لهذا القرار تأثيرات في الانتخابات القادمة، وذلك من حيث إنّ المحكمة العليا هي أعلى جهاز قضائي في البلاد يتقاضى إليه حسب الدستور، وهي مهمة بالنسبة للانتخابات، وخاصة حال غياب المحكمة الدستورية، فالمحكمة العليا لها الاختصاص في بت طعون الانتخابات، فرئيس المحكمة العليا من يتحاكم إليه في القضايا ذات العلاقة بالانتخابات، فإذا كانت المحكمة الدستورية المختصة بهذا الشأن غير موجودة فالمحكمة العليا تكون الجهة المخولة لتلك المهمة.

وكذلك تتولى المحكمة العليا مهام النظر في إجراءات إقالة الرئيس مادامت المحكمة الدستورية التي أعطتها المادة 92 من الدستور  المؤقت اختصاص النظر في عزل الرئيس غير موجودة[1].

وإذا كان الأمر كذلك ورئيس المحكمة العليا لم يكن يوافق الرئيس في أطروحاته وإجرءاته السياسية فإنّه من غير المستبعد أن يكون رئيس المحكمة الجديد جاء بتفاهمات وصفقات وفق أجندات معينة بينه وبين الرئاسة حسب بعض المراقبين، وهناك أنباء ترددت حول إجراء اجتماع مغلق ضمّ رئيس المحكمة العليا الجديد ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وكان من بين القضايا التي تم التباحث حولها في هذا اللقاء قضية الانتخابات وسط تكهنات بإمكانية التمديد للمؤسسات الحاليّة[2].

فاذا ما تأكد صدق هذه الأنباء وتم تحقيق حلم تمديد المؤسسات أو حتى على الأقل تأجيل الانتخابات عن موعدها فإن إقالة المستشار عيديد إلكاحنف قد تؤتي أكلها ولو بشكل سلبي على المدى القريب.

ثم ان دور رئيس المحكمة الجديد هو لعب أدوار محورية في الدفاع عن مؤسسة الرئاسة، هذا فيما إذا قررت البقاء أو تأجيل الانتخابات.

الخلاصة:

بعد قراءة سريعة حول ملابسات إقالة رئيس المحكمة العليا وما صاحبها من جدل حول دستوريتها، والأطراف المستفيدة والخاسرة في هذا القرار  وتأثيراته المحتملة نخلّص إلى ما يلى:

1) رغم كل ما أثير حول إقالة رئيس المحكمة العليا من منصبه فإن مسألة تجاوزه السنّ القانوني لشغل هذه المنصب هو المتكفل لرد كل ما أثير حول إقالته من أقاويل.

2- موافقة المستشار عيديد إلكاحنف على مغادرة المكتب وإن جاءت بعد معارضة للأسلوب والحيثية إلاّ أنها تؤكد على قانونية الإجراء، ولقائل أن يقول لم يعد أمام الرجل غير  هذا الخيار، إلا أن الحقيقة هي كان هذا الخيار هو الأنسب والأصلح للرجل والوطن. ولو حاول أن يتشبث بالمنصب لكان مصيره المحاكمة والسجن.

3)المستفيد الأكبر من هذا القرار هو رئيس الجمهورية وأنصاره على اختلاف في صور الاستفادة، وأن إقالة عيديد سيكون لها أثر مباشر في الانتخابات القادمة.

المراجع

[1] أنظرمقال:ماهي اسباب ألاطاحة بريس المحكمة العليا المنشور على موقع مركز مقديشو بتاريخ5من شهر مايو الجاري على الربط

http://mogadishucenter.com/2016/05/05/

 

[2] أنظر مقال xog:maxaakasoobaxay Xassan CC iyo Dr Ibraahim Idle

في موقع العاصمة بتاريخ14 مايو2016على الرابط

http://caasimadda.com/

 

زر الذهاب إلى الأعلى