المحاصصة القبلية وأثرها في الأداء الحكومي في بونت لاند.

مقدمة:

في سنة 1991 شكّلت عمليّة إسقاط نظام حكم سياد بري في الصومال ملامح جديدة في الساحة الصومالية ، فبعد انهيار الجيش الصّومالي وقوى الأمن الأخرى، وحدوث حالة من الفوضى غير المسبوقة في تاريخ الصومال، واجه المجتمع الصومالي وأفراده صعوبة في الحصول على ما كانت توفره له مؤسسات الدولة من متطلبات العيش الآمن، مما أجبر الفرد الصومالي على العودة إلى مرجعياته الاجتماعية، وكانت العشيرة أبرز تلك المرجعيات، وذلك من أجل الأمن والحماية التي توفرها العشيرة وفق تقاليدها المعروفة. كما نلاحظ أن أغلب التنظيمات السياسية المعارضة التي مارست العمل السياسي بعد سقوط نظام سياد بري قد تأثرت بالقيم العشائرية بشكل واضح. وبعد تأسيس الأنظمة الولائية خضعت العملية السياسية فيها أيضاً للأبعاد العشائرية وتوازناتها.

وفي هذا لم تكن ولاية بونت لاند الصومالية استثناءً من السير في مضمار السلطة التقليدية منذ تأسيسها عام 1998م وإلى يومنا هذا، إذ مازالت البنى التقليدية تفعل فعلها في المجتمع والمؤسسات الرسمية في الولاية على السواء، وتؤدي التقاليد القبلية العرفية دورا مهما يضاهي أحياناً دور السلطة في الولاية، وبرغم كل الجهود التى بذلت لتغيير نظام الحكم وتطويره حسب معايير الدولة المدنية الحديثة فإن العقلية السائدة هي عقلية ذات طابع قبلي؛ فالتعيينات في الوظائف والمناصب العامة، تخضع  للمحاصصة القبلية، في عرف غير مكتوب دستوريا ومعمول به في الولاية منذ تأسيسها.

و المحاصصة كانت في البداية عبارة عن نهج سياسي نتقالي اتبعهُ مؤسسوا الولاية في توزيع المناصب والمكاسب السياسية والوظيفية على المكونات القبلية في جميع المحافظات، إلّا أنها أصبحت ممارسة راسخة في تقاليد الحكم في الولاية و سلّماً للتعيين والتوظيف للوصول إلي المناصب والوظائف في مؤسسات الدولة.

وتكمن المشكلة في نظام المحاصصة أن كلّ القبائل والعشائر تتنافس في الحصول على أكبر عدد ممكن من المناصب في الإدارات والمكاتب، وأدّى هذا التنافس إلى إضعاف السلطة وأداء الحكومة، وهذا ما أشار إليه رئيس الولاية السيد عبد الولي محمد علي غاس في خطاب له في يوم 2 – مايو2016 م، حيث ذكر أن كل من يزوره في مكتبه يحمل عقلية قبلية ويطالب ويبجث عن مكاسب لعشيرته أولمنطقته. [1]

ويحمّل كثيرون نظام المحاصصة مسؤولية ضعف أداء الحكومة، في كثير من القطاعات واستشراء الفساد المالي والإداري بالولاية، إذ أن العشائر تتعامل مع الجهاز الحكومي بوصفه مجرّد وسيلة لنيل حصتها من الثروة والوظائف التي تنظر إليها على أنها بمثابة غنائم ينبغي استثمارها، ولهذا تكثر الخلافات التي تحتدم بين الوزير ونائبه أو الوزير ومدير وزارته؛ لأن كل واحد منهم يدافع عن نفوذ لقبيلته، أو يسعى وراء مغنم، مما وسع دائرة الفساد والشقاق. وأدّى إلى إشكاليات في ديناميكية نظام الحكومة وفعاليته، والذي ترتب عليه بدوره مضاعفات لها تجلياتها في إحالة النظام مسخاً مشوّهاً تنخر في جسده الأمراض.

إشكاليات المحاصصة القبلية :

من أبرز الإشكاليات التي تقف عائقاً أمام حركية النظام وفعّاليته والناتجة عن المحاصصة القبلية ما يأتي:

  • فرض التعينات : تفرض المحاصصة في بعض المناصب (التشريعية والتنفيذيه) – كممر إجباري للحصول على وظيفة أو خدمة ما – نمطاً من السلوك للمواطن يفرض عليه الحصول على تزكية من زعيم أو شيخ القبيلة، وهذا ما يجعل المواطن مرتهناً وتابعاً لهذا الزعيم أو السطان، وبالتالى تفشل عملية الانتقال إلى تحديث المجتمع، من مجتمع بدوي قائم على الأنظمة التقليدية إلي مجتمع مدني حديث تحكمه الأنظمة الدستورية وتكافؤ الفرص حسب الكفاءة.
  • هدر الكفاءات: حيث يؤدي نظام المحاصصة إلى تفضيل ذوي الصلات والقرابة والنفوذ المالي في التعيينات الوظيفية، وبالتالى لايجد ذوو المهارات والكفاءات العالية فرصة للبروز والدخول في المجال العام.
  • صعوبة العزل: فكثير ممن تم عزلهم في الآونة الأخيرة تمردوا على الحكومة، وحملو السلاح وكونوا مليشيات مدعومة من قبائلهم، لينتهي الأمر في نهاية المطاف، إلى عقد مصالحات معهم يحصلون بموجبها على بعض الامتيازات.

 مضاعفات المحاصصة :

لتلك الإشكاليات آنفة الحديث مضاعفاتها التي تتجلّى في تشويه خلقة النظام وجعله منهكا بالعديد من الظواهر السلبية التي تشلّ من قدرته وتؤدّي مصارعته لها إلى تآكله وانكبابه على ذاته بدل أداء مهامّه وتقديم خدماته التنموية المنوطة به. من أبرز هذه المضاعفات:  

  1. ضعف مؤسسات الحكومة: فوضع الشخص المناسب في المكان المناسب هو أساس نجاح المجتمعات البشرية وتقدم خدماتها ولكن حيث يتسلق أناس غير أكفاء المناصب الحكومية بالترضيات أو بحجة أنهم يمثلون حصة قبيلة معينة، فهذا يؤثر على بنية مؤسسات الدولة ويجعلها هشة ضعيفة.
  2. شيوع الفساد: تشجع المحاصصة القبلية على إشاعة الفساد ونهب المال العام، لإرضاء القبيلة ومشايخها، في سبيل ضمان السياسي بقاءه مستقبلا في موقعه السياسي ،وذلك بكسب ود مشايخ القبيلة ووجهائها بالعطايا والرشاوى.
  3. تعطل سلطة الدولة ونفوذها: فمثلا لايستطيع بعض المسؤولين بسط هيبة الدولة في منطقة ما إذا لم يكن مدعوما من زعماء العشيرة التي تسكنها، ويحدث أن يفشل البعض نتيجة الخلاف مع وجهاء قبيلتهم في بسط هيبة الدولة وسلطانها على المنطقة التي ينحدر منها.
  4. تكريس النظام العشائري: تقوى المحاصصة نفوذ مشايخ ووجهاء القبائل، وتؤدّي إلى فشل مؤسسات الدولة الحديثة في نقل المجتمع إلي النظام الجديد.

توصيات عامة:

لكل ما سبق من جناية المحاصصة القبلية على أداء حكومة بونت لاند وفي سياق منع رسوخ هذه الظاهرة، وجعل حلم الانتقال منها إلى الدستورية والحزبية واقعاً معاشاً، ينبغي على الجهات المسؤولة التوجه نحو الآتي:

  • تسريع عملية التحول الديمقراطي وإنشاء الأحزاب السياسية.
  • إلغاء مبدأ المحاصصة في التوظيف واعتماد مبدأ الكفاءات.
  • الردع القانوني للأعمال الإدراية الفاسدة مثل الرشوة، وتفعيل السلطة الرقابية للدولة.
  • تحسين الوضع المادي للموظف حتي لا يحتاج لأخذ الرشوة.
  • رفع مستوى الوعي الاجتماعي حول التأثيرات القبلية والمحسوبية.
  • تفكيك بنية القبيلة ككيان سياسي، وتشجيع أدوارها الاجتماعية.
  • تقوية مؤسسات الدولة وخدماتها لتقليل اعتماد الأفراد على عشائرهم في كل شيء.

 

[1]http://puntlandpost.net/2016/05/02/madaxwayne-gaas-oo-sheegay-inuu-ka-fariisan-waayay-dadka-huwan-aragtida-qabiilka/

 

محمد سعيد فارح

مدير مركز النجوم للتديب والبحوث في سناج
زر الذهاب إلى الأعلى