الطريقة الربيعية في الصومال (تمووين):(الجزء الأول)

الطريقة الربيعية فرع من الطريقة القادرية الزيلعية، تنسب إلى مؤسسها ومشيد أركانها على النمط الحالي المعروف وهو الشيخ محمد ربيع الدين من قبيلة كري كومبي من فخذ أبي يونس المولود في عام (1909) والمتوفي عام(2005).

واشتهرت هذه الطريقة بالتمايز عن باقي الطرق الصوفية وعدم الاندماج في وسطها، ويولي الكثير منهم اهتماما بالغا  لإعفاء شعر الرأس وتفريقه من الوسط باعتباره من السنن المهملة – حسب تعبيرهم -، بحيث بات الشعر الكثير المسرح على هذه الطريقة شعارا لهم يميزهم، وبات اسمهم المعروف محليا ” تمووين” وتعني في اللغة الصومالية أصحاب الشعر الكثير.

أتباع الطريقة:
أتباع هذه الطريقة المنتسبون إليها صنفان:
1- ذوو الشعر الكثير (تمو وين) وهم الذين يوفرون الشعر ويفرقونه من الوسط وهم المتفرغون لنشر الطريقة وإحيائها وتأسيس المراكز التابعة للطريقة وقراءة الأوراد وتنظيم الطقوسات المختلفة التي تمارسها الطريقة، وهم القادة والعلماء بالنسبة للصنف الثاني، حيث يتعلمون في الغالب كتب الفقه الشافعي وبعض كتب اللغة. ويسكن العزاب منهم والمتأهلون أرباب الأسر في سكن داخلي في زاوية الطريقة يتفرّغون للعبادة والتعليم، ولا ينشغلون بطلب المعاش، وربما يتم في الغالب ابتعاث من تظهر فيه النجابة إلي قرية نائية أو مدينة بعيدة لم يسبق أن رآها لتأسيس مركز للطريقة هناك. وهذا الصنف – حسب وصفهم- بمثابة المهاجرين من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم.
2- تمو ير: أي أصحاب الشعر القليل وهم الذين لا يوفرون الشعر، ولا يتميزون فيه بشيء عن عامّة المجتمع. ووصف بالقليل لمجرد مقابلة الكثير في الفئة السابقة. والسمة الوحيدة للدّلالة علي كون هؤلاء من أتباع الطريقة هي سبحة خاصة لأتباع الطريقة الربيعية، وهؤلاء هم اليد العاملة وهم المعول عليهم – بعد تبرّعات الزيارة التي هي من مصادر التمويل لديهم – في النفقة علي المتفرغين وعلي إقامة الحفلات ومناسبات إحياء ذكرى وفيات مشائخ الطريقة التي تتطلّب تكاليف باهظة نوعا ما، وهؤلاء – حسب وصف الطريقة – بمثابة الأنصار.

المقرّ الرئيسي للطريقة

تنتشر الطريقة في مناطق مختلفة من البلاد، خاصّة في الأقاليم الوسطى والشمالية والشمالية الشرقية، أي المناطق الواقعة تحت إدارات كل من الإدارة الإقليمية جلمذج، وإدارة ولاية بونت لاند، وإدارة جمهورية أرض الصومال المعلنة انفصالها من جانب واحد، وتوجد لها مقرّات في معظم المدن الكبرى في هذا النطاق، ولا وجود يذكر لها في بقية أقاليم البلاد. وتعدّ مدينة يغوري مهد الطريقة وموطنها الأول الذي تأسست فيه وبدأت انتشارها منه.

وتقع مدينة يغوري في غرب مدينة لاسعانود من منطقة سول وهي الآن تحت سيطرة (أرض الصومال) وهي المكان الذي تمركز فيه الشيخ محمد ربيع في عام (1949) بعد سنوات من التجوال والضياع في محاولة لتنفيد المهمة  التي ألقاها على كاهله شيخه محمد خليف بن أحمد نور الدين، وهي تأسيس طريقة قادرية في شمال الصومال، حيث كان يقل تواجد الطريقة القادرية وكانت مناطق نفوذ للصالحيّة، وكان بينهما صراع ونزاع، وتقول رواية الطريقة الربيعية: إن الصالحية جابهوا الطريقة في مرحلة تأسيسها بالتضييق ومحاولة إقصائها من المشهد إلى الدرجة التي قامت فيها الصالحية بحرق أحياء سكنية للطريقة الربيعية بمن فيها من نساء وأطفال وطلاب علم حسب الرواية الربيعية، ولازالت هذه البلدة هي مقر الطريقة الرئيسي حيث يقيم فيها خليف بن الشيخ محمد ربيع الذي خلف والده في قيادة الطريقة وإدارتها بعد وفاة الأخير.

نظام الانضمام إلى الطريقة:

لا يعتبر الإنسان – مهما توطدت علاقته مع الطريقة ومهما ادّعي انتماءه إليها – لا يعتبر من أهل الطريقة ولا من الأتباع، ولا يتاح له الانخراط فيهم بشكل كامل، إلا بعد أخذ الإجازة من الشيخ أو من ينوب عنه، أما قبل ذلك فهو من الأحباب، حسب الاصطلاح المتعارف عليه في هذا الوسط للمتداخلين مع الطريقة وليسوا حاصلين على عضويتها رسميّاً.

وتقليد إعطاء الإجازة صورته أن يلف المريد وجهه ورأسه برداء، ويأخذ الشيخ عليه العهد بالإخلاص للطريقة والتفاني في خدمة الدين والطريقة، ويأمره بقراءة مائة تهليلة عقب كل صلاة مكتوبة، وفي حال كون المريدين أكثر من واحد يتم إعطاء الإجازة بشكل جماعي وهذا هو الأكثر.

وقد أذن الشيخ محمد ربيع لرجلين من تلامذته المقربين إليه بإعطاء الإجازة  في حياته لكل من يرغب فيها، فكانا يزاولان هذه المهمة والشيخ على قيد الحياة، فأحدهما هو الشيخ علي عرب المعروف ب(عريب البان) من قبيلة كري كومبي المقيم في (بربرة) والمشرف على ضريح الشيخ يوسف بن مامه، وكان يعتبر الرجل الثاني –بعد الشيخ محمد ربيع – الذي ساهم كثيرا في توطيد دعائم الطريقة،  والثاني هو الشيخ أحمد محمد عامر المقيم في (قرضو).

سياسة الابتعاث:

في اختيار الرجل الملائم لإرساله إلى منطقة ما، كان الشيخ ربيع يراعي غالبا رابطة الدم والقبيلة التي تربط المبعوث بالقبيلة التي تقطن هناك، فبحكم كون المجتمع الصومالي قبليّاً، من المتوقع أن يساهم هذا في تقليل التحديات أمام المرسَل التي مصدرها من السكان، وتذليل العقبات، وكثرة الإقبال على دعوته بدافع الانتماء القبلي..إلى غير ذلك، وهذه كانت من سياساته التي ساهمت في انتشار الطريقة في أماكن مختلفة، حيث عرف الشيخ محمد ربيع من أين تؤكل الكتف فاستطاع أن يتعامل مع الواقع القبليّ واستثمره لصالح دعوته، متأسِّيًا في هذه الخطوة بسنة الله في إرسال الرسل كلّ إلى قومه ليكون ذلك أدعى لتلبيتهم للدعوة.

سلسلة الطريقة:

وهذه هي السلسلة:

-الشيخ محمد ربيع الدين بن يوسف 2-الشيخ محمد خليف بن أحمد نور الدين

3-الشيخ محمود معلم عمر 4-الشيخ عبد السلام حاج جامع

5-الشيخ عبد الرحمن بن أحمد نوريه المعروف الزيلعي 6-الشيخ إسماعيل بن عمر المقدشي

7-الشيخ حمزة 8-الشيخ محمود

9-الشيخ فرح10 -الشيخ محمود

11-الشيخ أبوبكر عيدروس العدني 12-الشيخ محمد بن أحمد العدني

14-الشيخ محمد بن مسعود15-القاضي جمال الدين

16-الشيخ شهاب الدين أحمد17-الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي

18-الشيخ بن إبراهيم بن الصوفي19 -الشيخ محي الدين أحمد بن أحمد

20-الشيخ فخر الدين 21-الشيخ محمد بن أحمد الأسدي

22-الصامت23 -عبد الله

24-عبد الله بن علي25 -عبد القادر الجيلاني

26-مبارك المخزومي27 -الإمام أبوحسن القرشي

28-محمد الطوسي29 -عبد الواحد

30- أبو بكر الشبلي31 –أبو الحسن سري السقطي

32-معروف الكرخي33- داوود الطائي

34-حبيب العجمي35 -حسن البصري

36-علي بن أبي طالب37 -النبي محمد صلي الله عليه وسلم

40- الروح الأمين جبريل50 -الله جل جلاله ([1])

عقيدة الطريقة:

والطريقة الربيعية ذات اتجاه فكري أشعري، وذات اتجاه صوفي في السلوك، فهي من الطرق التي تفرعت من القادرية فلا يميز اعتقاداتها وإيديولوجياتها كثير عن بقية الطرق الصوفية. لكن يجدر بنا أن نشير إلى النقاط التالية:

1-النصر الغائب المنتظر:

تقول الربيعية أن فجر النصر بازغ لامحالة، وأن الليل سينجلي بصبح مشرق، وأن الأمور ستكون لصالحهم، وأن التمكين سيدور في فلكهم، لكن يسبقه مرحلة التمحيص، التي تتميز بحرب ضروس مع الوهابية، وأن خسائر بشرية فادحة ستلحق الطرفين، بحيث تتلون مياه الأنهار والآبار بلون الدّم الأحمر القاني من كثرة الدماء التي تراق في غضون هذه المرحلة، وستنتهي هذه الجولة باستئصال شأفة الوهّابية من الصومال، لذلك هم ينتظرون هذه المرحلة للتشفي من الوهابية بفارغ الصبر، وعلى أحرّ من الجمر، ولعلّ هذا النصر المعتقد هو ما حدا بالطريقة إلى مشاركتها وحضورها القوي في الحروب التي دارت في أقاليم وسط الصومال بين الصوفية مدعومة بمعدّات حربية من القوات الإثيوبية، وبين حركة الشباب ذات الفكر السلفي الجهادي.

وكان لدى الطريقة في مركزهم في (يغوري) أسلحة وعتاد حربي هائل، تم تسليمه مؤخرا إلى حكومة أرض الصومال بعد طلب الأخيرة ذلك درءاً لحدوث ما يخرق الأمن وحفاظا على سيادتها على البلد، وذلك ضمن إجراءات عامة لنزع السلاح من كافة الشعب. وقد واجه الطلب في بداية الأمر رفضاً من قبل الطريقة وقبيلة (جامع زياد) التي تعود إليها ملكية الأسلحة كما قيل، لكن بعد مناقشات دامت لمدة طويلة تمّ التوافق على تسليم الأسلحة([2]).

2سوق المعروف:  

الربيعية تقول بأنها ستحشر في يوم القيامة تحت لواء الشيخ محمد ربيع، وفي كنفه، وسيشفع لأفرادها وعناصرها، وبعد دخول الجنة سيجتمعون في مكان من الجنة اسمه (سوق المعروف) وهذا ما لم أجده عند غيرهم والله أعلم.

3- وحدة الوجود:

لا أستطيع أن أثبت عليهم بالتأكيد أنهم يعنتقون هذه الفكرة الموغلة في القدم، مع كونها مثار جدل حادّ حتى بين رجالات الصوفيّة أنفسهم منذ القدم، لكني وجدت في كتابهم الديوان الكبير للربيعية قصيدة منسوبة للشيخ عبد الرحمن الزيلعي في مدح عبد القادر الجيلانيّ يتضرع في أواخرها ويسأل ربه بأن يغرقه في بحر وحدته.

فأسال ربي أن يمن بفضله   بأنفاس هذا العارف الغوث للورى

ويحفظنا من عائق عن طريقه    ويدخلنا في عين جمع مع الملا

ويغرقنا في بحر وحدته التي     ينال بها العبد الموفق للمنى

كما وجدت في هذا الكتاب قصيدة كنز الحقائق منسوبة أيضا للزيلعي قال فيها:

أدخل نفوسنا بعين الجمع *وأغرق نفوسنا بجمع الجمع

وأزل الحجاب عن قلوبنا* وبصرن فؤادنا عيوبنا

وقال بعد بيت:

فحققن نفسي يا ذا الألاء *حقائق الصفات والأسماء([3])

كما توسل في هذه القصيدة إلى ربه بأقطاب فكرة الاتحاد كابن عربي وابن الفارض.  وتجدر الإشارة إلى أن الحافظ بن حجر العسقلاني ذكر أنّ الشيخ إسماعيل الجبرتي الذي هو في سلسلة هذه الطريقة كان ممن يروج لفكرة الاتحاد، ويدعو إلى مذهب ابن عربي ([4]) كما أن من خلفائه وتلامذته الشيخ عبد الكريم الجيلي صاحب الإنسان الكامل الذي كتب كثيرا عن هذه الفكرة حتى صار من أقطابها.

4- الرجعة:

وهي بمدلولها العقدي تعني عودة بعض الأموات إلى الحياة بعد مفارقتها، والشيخ محمد خليف بن أحمد نور الدين كان ممن وقف بجنب السيد سليمان الذي ارتكب مخالفات عديدة من بينها الجمع بين الأختين فلما نهض العلماء لإنكار ذلك انبرى الشيخ محمد خليف -الذي هو في سلسلة هذه الطريقة وهو الشيخ الذي تتلمذ عليه الشيخ ربيع – للذبّ عن السيد سليمان وتبرير مخالفاته بأنه فارق الحياة ثم عاد إليها، ومن ثم سقطت عنه التكاليف بموته الأول. وقد سمعت عنهم كثيرا من الحكاوي في هذا الصدد، مثل قولهم بأن الشيخ عبد الرحمن الزيلعي لما كان يحتضر أوصى بأن يحتفظ بماء غسيله بعد الممات، ليستخدم في غسل الولد الذي سينجب للشيخ معلم عمر، ونوه بأنه هو عائدٌ إلى الحياة، إلى غير ذلك. وأقرب ما وجدت في ديوانهم يشير إلى هذا المعنى هو قول الشيخ يوسف بحر في مدح الزيلعي:

أنت عين الجيلاني بل عبد القادر*عبد الرحمن عارف ذا الكمال([5]).

المراجع:

زناد الأشواق للشيخ علي عرب من أقطاب الطريقة الربيعية

الديوان الكبير للربيعية، جمع وإعداد يوسف بن الشيخ محمد ربيع الدين

الطريقة الربيعية في سطور، للكاتب أحمد ولي شريف

إنباء الغمر بأبناء العمر للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني.

[1]-الديوان الكبير( ص4-5)

[2] -www.ceegaag.net

[3] – الديوان الكبير (239)

[4] – إنباء الغمر بأبناء العمر(3\49)

[5] -الديوان الكبير(121)

أحمد ولي شريف حسن

باحث صومالي مقيم في غاريسا-كينيا، مهتم بالشعر والكتابة
زر الذهاب إلى الأعلى