التحولات الجيوسياسية الراهنة ومستقل النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي (الجزء الثاني)

  • القرن الإفريقي وصراع الإرادات العربية ـ الإيرانية:
  • التمدد الشيعي في المنطقة:

كما سبقت الإشارة يعود الحضور الإيراني في منطقة القرن الإفريقي وعموم القارة إلى مطلع التسعينات من القرن الماضي، وذلك من خلال تعزيز علاقتها الدبلوماسية وإبرام العديد من الإتفاقيات المشتركة مع دول المنطقة.

وذلك بـاعتبار المنطقة ساحة رحبة ومثمرة لنشر الأفكار ومركزا استراتيجيا مهما لمقارعة الخصم الإقليمي (الدول العربية السنية) والدولي (الدول الغربية).

وقد استطاع النظام الإيراني خلال السنوات الماضية، في نحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية من بينها:

  1. فك العزلة التي كان يفرض عليها المجتمع الدولي جراء برنامجها النووي.
  2. فك الحصار الاقتصادي وفتح أسواق جديدة لـصناعاتها ومنتجاتها النفطية التي كانت تعاني من الحظر في الأسواق العالمية.
  3. تطويق بعض الدول العربية الرئيسية من خلال توسيع نفوذها على الدول المحيطة بها.
  4. نشر التشيع وخلق بيئة وحاضنة اجتماعية لـلفكر الشيعي في المنطقة وذلك نتيجة للعمل الدؤوب والمنظم من خلال المنظمات الخيرية والجمعيات الأهلية والمراكز التقافية والمشاريع الاقتصادية إضافة إلى العمل الدبلوماسي والإعلامي.

وهناك جملة من العوامل ساعدت الحكومة الإيرانية لـتوسيع نفوذها وسيطرتها على المنطقة ومن أبرزها:

  • الأوضاع السياسية والاقتصادية التي كانت تعيشها دول المنطقة.
  • تراجع الدور والإهتمام العربي لـلمنطقة.
  • أحداث الـ11 من سبتمبر وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية حربها على الإرهاب (الإسلامي).
  • وفق المنظمات الخيرية العربية لـمشاريعها الخيرية وانسحابها من المنطقة.
  • انتشار الطرق الصوفية في المنطقة وتأزم علاقتها الفكرية والعقدية مع السعودية.
  • توسع الخلافات العربية ـ العربية وغياب رؤية استراتيجية عربية موحدة تجاه قضايا الأمة المختلفة.
  • نجاح إيران على كسر الهواجس العقدية والتاريخية وتحسين (تلميع) صورتها لدى الشعوب والمجتمعات في المنطقة.
  • وتسويق إيران نفسها ـ عبر وسائل الإعلام العربية ـ بأنها أسطورة (إسلامية) وحيدة تدافع قضايا الأمة الإسلامية والعربية وتقف في مواجهة العدوان الإسرائيلي والأمريكي مقابل خنوع وعجز عربي رسمي.
  • استغلال إيران لـلخلافات المبدئية بين المدرسة الصوفية والمد التقافي السعودي ذات الخلفية السلفية، فبعكس السعودية لم تعادي إيران للتصوف الإفريقي بل تعاونت معه ما سمح لها بالتغلغل في المنطقة.
  • الدور التاريخي لـلسعودية في المنطقة:

يعتبر العلاقات العربية مع دول القرن الإفريقي قديمة وراسخة ولكن الحضور السعودي ـ لمرحلة ما بعد الإستقلال ـ يعود إلى منتصف الستينات من القرن الماضي.

وفي تلك الفترة كان التحرك السعودي بدوافع دينية أكثر منها سياسية حيث انصب جل إهتمامها على الجوانب الدعوية والتربوية في أوساط المجتمعات في المنطقة.

ووفقا للتقارير الغربية فإن المملكة خلال الربع الأخير من القرن الماضي، خصصت نحو (84) مليار دولار أمريكي لـأنشطة ذات توجه الديني والدعوي للنهج السلفي السني.

إلا أن معظم تلك المساعدات كانت على شكل مساعدات مادية مباشرة ـ لا يتم الإفصاح عنها غالبا ـ واستفاد منها أساسا رجالات السلطة الحاكمة في الدول الإفريقي التي تعمها الفساد المالي والإداري.

ومنذ إعلان واشنطن الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وما تلاها من تضييق على أنشطة الجمعيات الإسلامية (السنية).

شهد النفوذ السعودي تراجعا كبيرا في منطقة القرن الإفريقي التي تعد تاريخيا منطقة نفوذ تقليدية لـدول الجوار العربي.

وقد تزامن ذلك مع اتساع التوغل الإيراني الذي قطع أشواطاً كبيرة في ظل غياب استراتيجية عربية موحدة لمواجهة تمدد وانتشار النفوذ الإيراني في المنطقة.

  • التحرك السعودي الأخير:

ومنذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، شهدت السياسية الخارجية السعودية تحولات جوهرية كبيرة، حيث عملت على تغيير الصورة النمطية التي لازمت للتفاعل السعودي مع الأحداث والقضايا العربية.

سبق لنا في الجزء الأول أن تحدثنا عن أهمية التحرك العربي الأخير لـوضع حد الخطر الإيراني وسياساتها التوسعية في منطقة القرن الأفريقي.

وأشرنا إلى أن المثل العربي ـ بـأن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً ـ ينطبق على هذا التحرك العربي  الذي بدأت ملامحه تتبلور مع إعلان تشكيل التحالف العربي واطلاق عملية عاصفة الحزم ضد المليشيات الحوثية والرئيس المخلوع في اليمن.

ومع أن التحركات السياسية والتي تقودها السعودية في دول القرن الإفريقي جاءت متأخرة مقارنة مع المشروع الإيراني لنشر التشيع وزرع خلايا نشطة وفاعلة في المنطقة لـتعزيز دورها الإقليمي والدولي.

إلا أن هذا التحرك العربي ـ بحسب المراقبين ـ قد أعاد الاعتبار للدول العربية وعزز قدراتها وهيبتها العسكرية والسياسية لـكبح الجماح الإيراني ومنع من تحقيق حلمها لـبناء دولة شيعية على جنوب الجزيرة العربية.

وفي هذا السياق استقبلت الرياض لـكل من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، ما أثار غضب النظام الإيراني وأصابها بهستيريا.

ورغم أن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة إلا أن جميع المؤشرات التي تظهر تباعاً تؤكد بتراجع الدور الإيراني على الأقل في المجال الدبلوماسي والسياسي.

ولكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بـإلحاح في الوقت الراهن، هو عن مدى قدرة الدول العربية لـلتعامل مع الخلايا الإيرانية النشطة وإيقاف انتشارها في أوساط المجتمعات في المنطقة؟؟.

  • قطع دول المنطقة لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران:

وأعلنت جمهورية جيبوتي في الـ6 يناير الماضي، عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران تضامنا مع السعودية.

فيما عبرت الخارجية الجيبوتية عن استنكارها الشديد للإعتداء الذي تعرضت له سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد الإيرانية، ووصفت الإعتداء بـإنه خرقا للمواثيق الدبلزماسية والأعراف الدولية.

وعلى خلفية الإعتداءات أعلنت أيضاً كل من الصومال والسودان، عن تضامهما مع الممكلة وقطع علاقتهما الدبلوماسية مع إيران.

  • التحرك العربي في القرن الإفريقي وآفاق المستقبل:

تعد منطقة القرن الإفريقي ذات أهمية بالغة لـلبلدان العربية تشكل عمقا استراتيجيا لها، نتيجة الجوار الجغرافي والتفاعل التاريخي والحضاري والتداخل البشري.

وتشكل المنطقة جزءا مهما من الوطن العربي، لـوجود فيها ثلاث دول عربية هي السودان والصومال وجيبوتي.

وأن التغلغل الإيراني في المنطقة ـ بحسب المراقبين ـ يتخذ أبعاد سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية على حساب المصالح العربية ويهدد الأمن القومي العربي.

وعلى ضوء التراجع وسلبية الأداء العربي الرسمي والشعبي، أصبح النفوذ الإيراني في العمق الإفريقي يشكل خصما موضوعيا لـلمصالح العربية وأمنها القومي، وذلك من خلالها سعيها الدؤوب لـإختراق النظم الأمنية والإقليمية بـالمنطقة بمفهومه الجيوسياسي.

وفي خضم تلك التحديات الجسيمة يأتي التحركات العربية التي تقودها السعودية لـوضع حد على الخظر والتهديدات الإيرانية في المنطقة.

ولكن ما لم تتسم تلك التحركات العربية بـإهتمام سياسي ومتابعة جادة وفق رؤية استراتيجية عربية موحدة،  فإنها لن تكون ذات جدوى في ظل التنافس وصراع الإرادات المحتدم في المنطقة.

بل وربما تجلب ضررا أكثرا للأمن العربي، إذا لم تنطلق ـ كغالب السياسات العربية الرسمية ـ من دراسات علمية تقدمها جهات متخصصة أو من استراتيجية أمنية موحدة[1].

  • ولكي يكون التحرك السعودي مثمرا يجب مراعاة التالي:
  • تطوير العلاقات مع دول المنطقة عبر صيغ مؤسسية للتنسيق والتخطيط في مختلف المجالات.
  • وضع استراتيجة موحدة وآليات مشتركة وفاعلة في مواجهة الخطر.
  • ضرورة تعزيز الجوانب الاقتصادية والتموية وإقامة مشاريع إستثمارية مشتركة.
  • تفعيل الدبلوماسية الشعبية وإشراك الشباب في العملية من خلال المؤسسات التعليمية والتقافية السعودية في البلاد، خاصة المعهد الإسلامي السعودي والمدرسة السعودية والملحق الديني السعودي.
  • معالجة أخطاء الفترة الماضية وإحتواء الخلافات الفكرية المفتعلة بين الطرق الصوفية والتيارات السلفية.
  • تأسيس مراكز بحثية متخصصة معنية بالرصد والمتابعة لأنشطة المنظمات الشيعية في المنطقة.
  • تفعيل عمل المنظمات الخيرية العربية ومساهمتها في تخفيف الفقر والبطالة في المنطقة.

 

 

.

عبد الله الفاتح

باحث وكاتب صحفي. ماجستير في الإعلام بجامعة السودان للعلوم في الخرطوم (قيد الدراسة). حاصل على دبلوم عالي في الترجمة الصحفية في أكاديمية موزايك سنتر ـ أديس وبكالورياس في الإعلام بكلية الآداب في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم. يعمل محرر ومترجم في الوكالة الجيبوتية للأخبار.
زر الذهاب إلى الأعلى