من مذكرات مغتربة

أسكن في بلد عربي منذ ما يقارب 26 عاما، قِدمت الى هنا مع أسرتي من ارضنا بعدما اندلعت الحرب الأهلية

تلك الحرب التي دمرت كل جميل في بلد كانت جزء من جنة الله على الأرض ، مررت بكل تلك الاحداث المريرة  وشهدت موت اُناس لن  يتكرروا في اسرتي ومرت الأيام  كَبُرْت واستمرت الحياة، فالحياة لا تقف عند محطة واحده .

ومنذ فتره حدث أن تناقشنا أنا وابنة أحد الأقرباء عن الوطن ، ولمست في حديثها كرها وحقدا لم أجد لهما تفسيرا منطقيا، فانا أعلم أنها لم تر أي مأساة بعينها ،و ذاكرتها الشخصية سليمة من أي ذكريات مؤلمة، فهي من مواليد هذا القطر العربي الذي أقطنه ولم تر أرض الوطن أبدا، ومع هذا تذكر قبائل بعينها بالسوء وتنتقص منهم وتتهمهم أنّهم وراء كل قطرة دم سفكت، وأن جميع من ينتسب إلى تلك القبائل  يحملون دم سلالتهم المليء بالتاريخ الاجرامي! بل وتحّملهم فردًا فردًا أوزار كل كما حدث في الوطن وكل ما يحدث الآن وما قد يحدث مستقبلا !

حقد لم أفهم في الوهلة الأولى من أين أتت به، ولكن الواضح أنه أمر زرع فيها منذ نعومة أظافرها،  ولذلك كل قول قد تقوله يحمل ما رباها عليه والداها قبل أن تتقمصه هي فهم المصدر الأساسي لكل تلك الأقاويل التي تلفظت بها ابنتهم ،وللأسف حديث هذه الفتاة بعكس حال بعض من أبناء الوطن حاليا إن لم يكن معظمهم، فإن حاولت إيجاد عذر لمن عاينوا الحرب بكل تفاصيلها،  فكيف لي أن أجد عذرا لمن لم ير منها شيئا ولم يشهد، وإنما كُل ما لديه لا يتجاوز  قصص راواها الأهل؟!

الا يعلمون أولئك الأهالي أن بفعلتهم قد قضوا على مستقبل أجيال قادمة وحكموا على موطنهم بالإعدام .. فمرض القبيلة الفتاك قد تسلل لنخاع مُعظم أبناء البلد ..

الإخِبار بالحقائق ومعرفة التاريخ أمر لا بد منه  .. بل أساسي .. فالمثل يقول: (من لم يكن له ماضي ليس له حاضر) ولكني اعتقد أنه يوجد من أساء فهم المثل السابق  فهو لا يعني أن نعيش فقط في الماضي .. وتتوقف عجلة الزمن عن الدوران عند ساعة الحرب .. ونحكم بالإعدام على الحاضر والمستقبل  معا في آن واحد  .. . أظن أنا أن البعض يفهم معنى الحزن على ضحايا الحرب الأهلية بطريقة مختلفة ..

قلت ذات مره أن الزمن لم يقف عند من مات أو قتل فأتُهمت بأني باردة المشاعر وأني أفتقر إلى الولاء لبني ” قبيلتي” وأني لا أعلم شيئا ولا أعي حجم المأساة ..

حسنا لنفترض صحّة التهم التي وجهت لي .. ما دليل المطلوب مني تقديمة لأثُبت ولائي وحبي وحزني ..

هل هو في انتقاص أناسِ مثلي لهم مثل ذكرياتي السيئة ونفس مقدر حزني وربما أكثر .. وربما فقدو ا أحباباً أكثر مني.

هل هو في أن أحملهم وزر جماعات أرادت الاستئثار السلطة لنفسها فدمرت كيانا كاملا .. سواء بشمال أرضي أو بجنوبها .. فَفِي كِلتا الجهتين أناسُ أرادوا السلطة لأنفسهم .. وبماذا عادت علينا نواياهم بعد ذلك؟ لا شيء عدا الدمار والحرب  ..

الآن عادوا  هم بأنفسهم أو بعض من كان معهم للسلطة التي سعوا إليها منذ البداية  وجُل ما قاموا به هو ملء جيوبهم بأموال صدقات والزكوات التي جموعها من أقطار المسلمين وغير المسلمين .. مّدعين أنهم يريدون بها إغاثة شعبهم وبناء دولتهم المدمرة .

أما الشعب المغلوب على أمره فهو كبش الفداء … لشهوة السلطة والمال اللتان لا تفارقان متعطشي كرسي الحكم  .

ملؤ الجيوب قبل البطون… وذهب أبناء البلد ضحية سهله في أيدي عصابات سرقة الأعضاء وبائعي أوهام الهجرة  وتجار الفكر الإرهابي وغيرهم  ..

الحديث عن هذا لن الموضوع لن ينتهي أبدا إلى أن نجد له حلا.

قد حاولت تفادي الكتابة عنه قدر المستطاع والبحث عن شيء آخر لكنه واقع موجود شئت أم أبيت  ولا مفر منه … والسكوت عنه بنظري نوع من أنواع السكوت عن الحق .. فكيف نريد ان نغير أمرا لم نناقشه بدل مرة ألفاً؟! ولا علم لدي عن عدد من قد يتفقون معي بالحديث ومن قد يختلفون معي  فمن المستحيل ولا منطقي أن يكون الكل مؤيدا لي فيما أقوله .

لدي وجهة نظر وليس بالضرورة ان تكون صحيحة وقد يكون رأي غيري أفضل مما قدمته .. فأنا لا أدعو إلى الاتفاق معي في الرأي وإنما فقط أن نتعلم كيف نختار من الآراء ووجهات النظر ما قد يفيدنا لنحّسن من حال أمتنا  فشعبي العزيز يحسن دعم من كان من بني ” قبيلته ” وإن كان على باطل وهذا من بقايا جاهلية نكراء حذر منها سيد الخلق صل الله عليه وسلم ..إننا فقد نحتاج إلى أن نبحث عن الأفضل لكي نتحسن وتعود أرضنا كما كانت في سابق العهد أفضل الأوطان ذات هيبةٍ  واحترام.

نعمه عبدي عاشور

ممرضة في القطاع الطبي.. تحمل شهادة دبلوم عالي في العلوم الطبية وطالبة في بكالريوس
زر الذهاب إلى الأعلى