محافظة جلجذود : خصوصية النزاعات والانقسامات متعددة الألوان

الأطماع السياسية والنزاعات الحدوديةذات الطابع القبلي جعلت محافظةجلجذود من أكثر المحافظات الصومالية اضطرابا. حيث شهدت المحافظة في الفترة الأخيرة صراعات مسلحة ذات دوافع متعددة،تجعل للمنطقة خصوصية في الوضع السياسي والأمني تستلزم من المعنيين إيجاد صيغ وآليات تتجاوب مع هذه الخصوصية لإحلال الأمن والاستقرار والتوافق فيها، مختلفة عن القوالب التقليدية التي إن وجدت مناسبة مع معظم المناطق فإنها حتّى الآن قد أثبتت فشلها فيما يتعلّق بجلجذود.

لا نقصد بذلك أن تكون جلمذج استثناء من النظم العامّة التي تطبق على هذه البلاد لعدم نجاعتها معها، بل إنّ هذا النظام العامّ يمكن أن تتعدد تطبيقاته على المناطق حسب خصوصياتها العرقية والبيئية والسياسية، فمحور مشكلة جلمذج صعوبة التوافق بين الأطراف على طرح سياسي أو اقتصادي أو فكري موحّد، واستعداد الأجواء لظهور خرق لأيّ إجماع يمكن تحقيقه على الأرض. إذن تكمن الخصوصية في طبيعة الإنسان في هذه الأقاليم المطبوع على الاستقلالية المطلقة والاستفراد بقراراته ورغباته، مما لا ينسجم مع الالتزام بقرار جماعي أو الخضوع لسلطة جماعية كما هو مقتضى الإدارة والنظام.

وإذا تمّ التسليم بهذا، فإنّ من العبث وإضاعة الوقت والجهد والمال محاولة تعديل طبيعة الإنسان والمجتمع، وتقتضي الحكمة تطبيق النظم السياسية العامة في هذه المناطق، بما يمنح روح الاستقلالية هذه هامشاً للتعبير عن نفسها، وفي نفس الوقت يحقق كبح جماحها حتى لا تطغى على المصالح العامة. وبالتطبيق على حالة جلجذود، حيث تتعدد التنظيمات والإدارات، يمكن منح هذه التنظيمات صلاحيات إدارية موسّعة، على أن تعلن ولاءها للنظام دون التدخل في طريق إدارتها إلّا في حدود متفق عليها.
فيما يلي من الأسطر سرد إجمالي لأبرز أحداث الصراعات والانقسامات في المنطقة، حتى يتسنى للقارئ تكوين صورته الخاصة عن المنطقة ومسيرتها السياسية والحربية.

أولا: نزاعات ذات ألوان متعددة :

آخر هذه النزاعات المواجهات المسلحة التي تشهدها المناطق الحدودية في المحافظة حاليا بين مسلحين محليين وقوات الإدارة الصومالية بإثيوبيا المعروفة بـ ليو بولس على طول حدود المحافظة مع مناطق الإدارة الصومالية بإثيوبيا، والتي قتل فيها أكثر من عشرين شخصا وجرح أكثر من أربعين آخرين وسط هجوم إعلامي شرس بين مسؤولي الإدارة الصومالية بإثيوبيا ومسؤولي إدارة إقليم جلمدغ حيث اتهمت الأخيرة قوات ليوبولس التابعة للإدارة الصومالية في إثيوبيا بارتكاب مجازر بشعة في حق المدنيين، بينما اتّهم مسؤول في الإدارة الصومالية بإثيوبيا جلمدغ بالتواطؤ مع حركة الشباب.

وفي وقت سابق من هذا العام الجاري 2016، شهدت مدينة طو سو مريب حاضرة إقليم جلجدود اشتباكاً مسلحاً بين قوات تابعة لقياديّ منشق من إدارة جلمدغ يدعى ليبان مذحويني، ومقاتلي تنظيم أهل السنة والجماعة الذين اعترضوا على دخوله مدينة طوسو مريب بأسلحته ومليشياته وطلبوا منه نزع سلاحه ودخوله إلى المدينة بصفة مدنية، مما أدّى إلى التصادم بينهما والذي انتهى بحسم المعركة لصالح تنظيم أهل السنة الذي استولى على المليشيات والسلاح. فيما أصيب ليبان إصابة نقل على أثرها إلى أديس أبابا لمعالجته.

وفي غضون عام 2014, شهدت المحافظة صراعا داخليًّا بين تنظيم أهل السنة بعد أن انقسم إلى جناحين بسبب اختلاف على صيغة وشروط التواصل مع الحكومة الفيدرالية، وكان أحد الجناحين يرغب في التفاهم والشراكة مع الحكومة الفيدرالية، وتمّ التواصل بين قياداته والحكومة، بينما الجناح الآخر كان يرفض الشراكة مع الحكومة دون قبولها باستمرار زعامته على المحافظة وإعطائه الشرعية للاستقلال بشؤون إدارته. وانتهى الصراع بفرض الجناح الأخير إرادته. علما بأن النزاعات المسلحة بين القبائل في المحافظة لم تتوقف، حيث سجلت عدة حروب قبلية خلال تلك الفترة، إلى جانب استمرار المعارك بين القوات الحكومية وحركة الشباب في أجزاء من المحافظة.

ومنذ عام 2008 كانت محافظة جلجدود شاهدة لصراعات مريرة ومواجهات مسلحة عنيفة، وأعنف المعارك التي شهدتها المحافظة هي التي كانت ضد حركة الشباب التي كانت مسيطرة على أجزاء واسعة من المحافظة بعد أن فرضت الحركة إجراءات من شأنها التضييق على شريحة واسعة من سكان المحافظة ذات التوجه الصوفي، الأمر الذي أدى إلى ثورة مسلحة رافضة لوجودها في المحافظة بقيادة رجال دين من الطرق الصوفية متمتعة بشعبية كبيرة، وهو الحدث الذي انبثق من خلاله الكيان السياسي المسلح والمعروف بـ” تنظيم أهل السنة والجماعة ” الذي خاض ضدّ حركة الشباب معارك عنيفة في مختلف أنحاء المحافظة، استمرّت فترة طويلة ونتج عنها تصفية تواجد حركة الشباب في مدن مهمة من المحافظة من بينها طو سو مريب حاضرة الإقليم و غور يعيل .

ثانياً: انقسام إداري في المحافظة:

بعد أن تأسست إدارة إقليم جلمدغ في المحافظات الوسطى على غرار الكيانات والإدارات الفيدرالية التي تأسست في أرجاء البلاد كان من المفترض على جلجذود أن تخضع مجتمعة لسيطرة إدارة جلمذج التي تندرج تحتها، لكونها الإطار الشرعي للإدارة والمعترف بها محليا ودوليا، إلا أن الأوضاع لم تسمح لإدارة جلمدغ ببسط النفوذ والسيطرة على جميع المناطق الداخلة في إدارتها، وخاصّة جلجذود التي أصبحت مقسمة على إدارة ثلاث كيانات، وتعتبر إدارة إقليم جلمدغ واحدة منها وتسيطر على أجزاء واسعة من المحافظة من بينها مدن مهمة كمدينة عدادو المقر المؤقت للإدارة، والثاني هو تنظيم أهل السنة الرافض للانضمام للحكومة تخضع لسيطرته أجزاء من المحافظة من بينها مدينة طو سو مريب حاضرة الإقليم ومدينة غر يعيل الاستراتيجية، والثالث هو حركة الشباب التي تسيطر على مناطق في شرق محافظة جلجذود.

زر الذهاب إلى الأعلى